لبنان
05 شباط 2020, 08:50

البطريرك الرّاعي: المصالحة تقتضي إزالة جرح الخطيئة والتّوبة تعني تغيير أعماق القلب

تيلي لوميار/ نورسات
مع اقتراب زمن الصّوم، استهلّ البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، خلال التّنشئة المسيحيّة، تعليمًا جديدًا حول "التّوبة والمصالحة"، على ضوء الإرشاد الرّسوليّ للقدّيس البابا يوحنّا بولس الثّاني "المصالحة والتّوبة في رسالة الكنيسة اليوم"، الصّادرة في الثّاني من ك1/ ديسمبر 1984، فقال في هذا السّياق:

"1. أوَل كلمة استهلّ بها الرّبّ يسوع رسالته: "توبوا وآمنوا بالإنجيل" (مر15:1). أعني تقبّلوا البشارة، بشارة المحبّة، وتبنّي أبناء الله بالتّالي الأخوّة.

ضرورة الموضوع يفرضها ما يتميّز به العالم وأناس هذا العصر من انقسامات كثيرة، خطيرة ومؤلمة (الفقرة 1).

2. تظهر هذه الانقسامات في:

العلاقات المتوتّرة بين الأشخاص والجماعات وبين الأمم وبين البلدان، بسبب السّعي إلى السّيطرة. فتشتدّ الصّراعات بالمواجهة والمشادّة، بدلاً من أن تحلّ بالحوار.

3. من بين أسباب الانقسامات:

- الفوارق المتعاظمة بين الجماعات والطَّبقات الاجتماعيّة والمناطق.

- المصالح الاقتصاديّة.

- الصّراعات العقائديَة.

- النّزاعات السّياسيّة.

- التّنافر القبليّ.

- أسباب دينيَّة تمسّ حرّيّة المعتقد والممارسة الدّينيّة.

- مشاكل اجتماعيّة من مثل: امتهان حقوق الإنسان الأساسيّة؛ التّمييز العنصريّ والثَّقافيّ والدّينيّ؛ العنف والإرهاب؛ التّعذيب وأساليب القمع الظَّالمة وغير المشروعة؛ تكديس الأسلحة على أنواعها وكلفتها ونفقات الحروب الباهظة الّتي كان بإمكانها التّخفيف من شقاء الشّعوب والجياع؛ توزيع ثروات الأرض بشكل غير عادل.

4. الكنيسة أيضًا، القائمة في العالم، من دون أن تكون من العالم، تُعاني من انقسامات في داخلها، إذ نجد انقسامات بين المسيحيّين، ناشئة عن اختلاف الآراء والاتّجاهات العقائديّة والرّاعويّة والسّياسيّة.

هذا كلّه عائد إلى الجرح في النّفس البشريّة، وهو الخطيئة الأصليّة والخطايا الشّخصيّة (الفقرة 2).

5. ولكن يوجد حنين وتوق إلى المصالحة لدى ذوي الإرادة الصَالحة والمسيحيّين الحقيقيّين، وإلى إقامة وحدة جوهريّة (الفقرة 3). والكنيسة لا تستطيع إهمال هذا الحنين، بل تجهد بنشاط الأمّ وحكمة المعلّمة، لكي تكشف في المجتمع علامات البحث عن المصالحة، وتنادي بما للمصالحة من معنى دينيّ عميق، وتعمل على إحلال الوحدة والسّلام (الفقرة 5).

6. إنّ المصالحة مع الله والذَّات والآخرين تقتضي إزالة الجرح الكائن في أعماق الإنسان، وهو الخطيئة. وهذا لا يتمّ إلاّ بالتّحوّل الباطنيّ الّذي يثمر في الحياة بأعمال التّوبة، كما نادى يوحنّا المعمدان: أثمروا ثمارًا تليق بالتّوبة" (لو8:3).

التّوبة تعني التّغيير في أعماق القلب تحت تأثير كلام الله، وبالتّالي تغيير المسلك في الحياة؛ وتعني التقشّف أيّ الجهد اليوميّ، بمساندة نعمة الله، في قمع ما هو جسديّ، وتغليب ما هو روحيّ. وبإختصار، التّوبة تعني التّبدّل النّابع من القلب الّذي تترجمه في الأعمال الشّاهدة للحياة المسيحيّة.

المصالحة في الأساس هي عطيّة من الله الّذي صالح العالم بدم ابنه الّذي صار إنسانًا وبصليبه، وأنشأ هكذا عائلة المصالَحين الجديدة. هذه العطيّة تصبح واجبًا علينا: "نسألكم الآن، باسم المسيح أن تصالحوا الله. فنحن سفراء المسيح للمصالحة" (راجع 2كور5: 19-20). والمصالحة تستدعي التّحرّر من الخطيئة، وبالتّالي ارتداد القلب والعودة إلى الله والتّغيير الشّخصيّ، لكي تتحقّق المصالحة بين النّاس. وهكذا يتحوّل التّاريخ البشريّ المطبوع بطابع الحقد والعنف إلى حضارة المحبّة (الفقرة 4)".