لبنان
19 تموز 2019, 06:30

البطريرك الرّاعي دشّن كنيسة مار يوحنّا مارون الجديدة في الدّيمان

كرّس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي كنيسة مار يوحنّا مارون الجديدة في الدّيمان، وترأّس قدّاسًا احتفاليًّا عاونه فيه المطرانان مارون العمّار وجوزيف نفّاع والخوريان حبيب صعب وخليل عرب بمشاركة المطرانين الياس نصّار ومطانيوس الخوري والقيّم البطريركيّ الخوري طوني الآغا، وامين سرّ البطريرك الخوري شربل عبيد والأب جان جبّور، والكاهنان فريد صعب وجورج يرقوادغار الطّنسيّ، وخدمته جوقة قاديشا بقيادة الأب يوسف طنّوس.

 

وحضر القدّاس النّائب جوزيف إسحق ممثّلاً رئيس حزب القوّات اللّبنانيّة د.سمير جعجع وعقيلته النّائب ستريدا جعجع، عقيلة النّائب جورج عطالله نورما عطالله، النّائب جان عبيد ممثّلاً بمدير مكتبه سليم أبو عقل، مدير عامّ وزارة الأشغال المهندس مطانيوس بولس، قائمقام بشرّي ربى الشّفشق، رئيس اتّحاد بلديّات قضاء بشرّي إيلي مخلوف، قنصل لبنان الفخريّ في مقاطعة نوفاسكوشيا الكنديّة المهندس وديع فارس، قادة الأجهزة الأمنيّة في القضاء ومختار الدّيمان ريمون البزعوني، ورئيس النّادي أنطوان فرنسيس، وحشد من أبناء الدّيمان الّذين توافدوا من داخل لبنان وكندا وأستراليا وأصدقائهم.

بعد رتبة التّكريس على مدخل الكنيسة، ألقى عضو لجنتها سمعان صالح كلمة وجدانيّة تناول فيها الاختبار الرّوحيّ الّذي يعيشه المؤمن حين يدعوه الله إلى الاهتمام ببناء كنيسة. وبعد تلاوة الإنجيل المقدّس، ألقى البطريرك الرّاعي عظة بعنوان "أنت الصّخرة، وعلى هذه الصّخرة أبني كنيستي" (متّى 18:16) قال فيها:

"على صخرة إيمان سمعان بطرس بنى الرّبّ يسوع كنيسته، وعلى إيمان أبنائها وبناتها تنمو وتعلو، لاسيّما بأبرارها وقدّيسيها. ونذكر من بين المتميّزين أبانا القدّيس يوحنّا مارون، البطريرك الأوّل على كنيستنا المارونيّة المنتخَب سنة 686، الّذي يجمعنا وأحبّاءنا أبناء الدّيمان وبناتها المقيمين على أرضه والمنتشرين خارجه، وقد توافدوا من كندا وأستراليا وسواهما لتدشين الكنيسة الجديدة ومذبحها على اسمه كما الكنيسة القديمة. فيطيب لي أن أحتفل بهذه اللّيتورجيا الإلهيّة والتّكريس مع سيادة أخوينا المطران جوزف نفّاع، نائبِنا البطريركيّ العامّ في منطقة الجبّة، والمطران مارون العمّار، سلَفِه ورئيس أساقفة أبرشيّة صيدا، الّذي في عهده كانت بدايات الدّروس والخرائط للكنيسة وقاعتها الرّعائيّة، وارتفع البناء. وظلَّ بعد انتخابه مطرانًا لأبرشيّة صيدا، يتابع المشروع في كلّ مراحله مع سيادة المطران جوزف نفّاع وكاهن الرّعيّة الخوري حبيب صعب ولجنة الوقف ولجنة البناء، وموآزرة الخوري خليل عرب رئيس قلم الكرسيّ البطريركيّ، والقيّم البطريركيّ الخوري طوني آغا الّذي أمّن كلَّ ما يلزم من قبل الكرسيّ البطريركيّ. إنّني أحيّيهم جميعًا مع المهندسين والمقاولين والبنّائين وكلّ الذين سهروا على سير الأعمال اليوميّة. وتحيّة خاصّة إلى وزارتَي الأشغال والطّاقة، مع الشّكر على ما أنجزتا. ويُسعدنا أن يشارك معنا في هذا الاحتفال صاحبا السّيادة المطرانان طانيوس الخوري والياس نصّار. أمّا العنصر الأساسيّ فهو أنتم، يا أهل الدّيمان الأحبّاء، المقيمين في لبنان والمنتشرين بنوعٍ خاصٍّ في أستراليا وكندا، الّذين سخيتم بمالكم عن إيمانٍ صادقٍ حتّى تحقيق هذا المشروع الكبير اللّائق ببيت الله، وبتكريم أبينا القدّيس البطريرك يوحنّا مارون، واللّائق بالدّيمان حيث بنيتم البيوت الفيلات الجميلة. فكان لا بدّ أنّكم شئتم أن يكون بيت الله هذا الأكبر والأليق. أنا أعتقد أنّكم تفاخرون بهذا الإنجاز العظيم الّذي يبقى ذكرًا خالدًا في بيوتكم تتناقله ذخرًا الأجيال من بنيكم وبني بنيكم. فيطيب لي أن أحيّيكم وأشكركم، أنتم الحاضرين وأولئك الّذين تعثّر عليهم المجيء من البلدان البعيدة، ولكنّهم يشاركوننا فرحة التّدشين بالرّوح وعبر وسائل الإعلام، ونحن نحملهم بصلاتنا. ونسأل الله أن يكافئ بفيضٍ من نعمه وبركاته كلَّ الذين سخوا من مالهم ووقتهم وجهد أيديهم وعرق جبينهم في سبيل إنجاز هذا المشروع المقدَّس، وهو دليل إيمانكم الكبير ومحبّتكم لله وللكنيسة.

"أنت الصّخرة، وعلى هذه الصّخرة أبني كنيستي" (متّى 18:16) . الكنيسة هي جماعة المؤمنين بالمسيح الّذين بالمعموديّة والميرون صاروا أبناءً لله وبناتًا، وأعضاءً في جسده الّذي هو الكنيسة. يشبّهها الرّبّ يسوع في إنجيل اليوم ببيتٍ مبنيٍّ على الصّخر، فلا تزعزعه الأمطار والرّياح والعواصف مهما اشتدَّت. الكنيسة مثل هذا البيت، إنّما مبنيّةٌ على صخرة إيمان بطرس والرّسل، وخلفائهم الأساقفة من بعدهم. حجارة هذا البيت هم جماعة المؤمنين، والإسمنت الّذي يجمع الحجارة ويثبّتها هو المحبّة. هكذا القدّيس بولس الرّسول يسمّي الكنيسة بيت الله الرّوحيّ، إذ يقول: "أنتم مبنى الله" (1كور9:3). ويسمّيها يوحنّا الرّسول في كتاب الرّؤيا: "سكنى الله مع البشر" (رؤ3:21)، وهم عائلته. أمّا من حيث هي بيتٌ حجريٌّ فهي "بيت الله" في الدّيمان، بيتٌ مقدَّسٌ لأنّ الله ساكنٌ فيه ويقدّم للمؤمنين كلمة الحياة في الإنجيل والكتب المقدَّسة، ونعمة الأسرار الّتي تقدّسهم، ويتّحد بهم في ذبيحة القدّاس والمناولة المقدَّسة، ويشدّد وحدتهم برباط الرّوح القدس.هذا هو "بيت الله" الّذي بنيتم يا أهل الدّيمان الأحبّاء بإيمانكم وسخائكم. كافأكم الله بفيضٍ من نعمه وبركاته، وبارك جهودكم ونشاطكم، وبارك عائلاتكم وأولادكم، جيلًا بعد جيل.

الكنيسة بوجهها البشريّ وهيكليّتها وتنظيمها هي نموذجٌ للدّولة. فكما الكنيسة جماعةٌ بشريّةٌ تشبه الجسد المؤلَّف من أعضاءٍ كثيرةٍ، ولكلّ عضوٍ دوره ومهمّته من أجل خير الجسد كلّه، كذلك لبنان دولةٌ نظامها السّياسيّ قائمٌ على التّعدّديّة الثّقافيّة والدّينيّة والحزبيّة، فلا يستطيع أن يجد لبنان كدولة استقراره إذا تفرَّدَ بحُكمهِ فريقٌ معيَّنٌ دون سواه، وإذا اعتُمد الإقصاء والإبعاد لأشخاصٍ كفوئين أو لأفرقاءٍ سياسيّين ليسوا من اللّون الواحد.

وكما أنّ في الكنيسة سلطةَ الحلّ والرّبط بشخص بطرس وخلفائه، والرّسل وخلفائهم، كذلك دولة لبنان لا تستطيع أن تسير من دون سلطةٍ تقرّر وتحسم الخلافات والقرارات بدلاً من تعطيل سلطتها المتمثّلة برئيس الجمهوريّة والحكومة مجتمعةً وفقًا للدّستور، وإيكال سلطتها الدّستوريّة إلى وسطاء.

وكما أنّ في الكنيسة قوانينَ تسير عليها وتتقيّد بها لكي لا تدبّ فيها الفوضى، كذلك الدّولة اللّبنانيّة لا تستطيع أن تكون دولة القانون والعدالة، لا دولة الفوضى، إذا استمرّ المسؤولون فيها يخالفون الدّستور والقوانين، وإذا استمرّ التّدخّل السّياسيّ في الإدارات العامّة والقضاء، وإذا عطّل النّافذون السّياسيّون تنفيذ القانون وأحكام العدالة وقرارات المجالس الدّستوريّة.

نصلّي اليوم لكي نحافظ كلّنا على هويّتنا المسيحيّة كحجارةٍ حيّةٍ في "بيت الله" اّلذي هو كنيسة الرّعيّة، ولكي يعمل المسؤولون السّياسيّون عندنا على بناء الدّولة مستوحين نموذج الكنيسة من حيث هي مجتمعٌ منظّم بوجهها البشريّ. ومعًا نرفع نشيد المجد والشّكر على إنجاز هذه الكنيسة الجديدة، والاستعداد لاستكمال قاعتها الرّعائيّة ومجمّعها، بشفاعة أمّنا مريم العذراء وأبينا القدّيس يوحنّا مارون، للثّالوث القدّوس، الآب والابن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".

وفي نهاية القدّاس كانت كلمة للقنصل وديع فارس حيا فيها البطريرك الرّاعي السّاهر بعناية ومحبّة أبويّة على كلّ شؤون الدّيمان الرّوحيّة والإنمائيّة في سياق العلاقة التّاريخيّة الّتي تربط رعيّة الدّيمان بالبطريركيّة المارونيّة. وإعتبر مشاركة أعداد كثيفة من أبناء الدّيمان المنتشرين في هذه المناسبة تأكيدًا على عمق تعلّقهم بجذورهم الرّوحيّة والوطنيّة. وقدّم خادم الرّعيّة الخوري حبيب صعب هديّة تذكاريّة للبطريرك الرّاعي هي بدلة قدّاس تحمل معنى المناسبة .

بعد ذلك كانت جولة في الكنيسة والاطّلاع على موجوداتها، تبعها حفل كوكتيل في باحة الكرسيّ البطريركيّ القديم الّتي أهّلتها البطريركيّة مؤخّرًا وكانت جولة على ساحات الكرسيّ وممرّاته المتّصلة بكنيسة مار يوحنّا مارون القديمة الّتي بناها البطريرك يوسف حبيش سنة 1833 وبالأقبية الأولى الّتي بناها البطريرك يوحنّا الحلو ليقيم فيها حتّى انتقل إلى دير سيّدة قنّوبين سنة 1819 وقد كشفت رابطة قنّوبين للرّسالة والتّراث هذه الأقبية قبل سنتين، وستعمل على ترميمها وتأهيلها كمعلم عمرانيّ تراثيّ على مدخل وادي قنّوبي. وأشار الزّميل أنطوان فرنسيس إلى أنّ الكنيسة الجديدة تقع ضمن موقع تراثيّ دينيّ طبيعيّ مميّز وسوف تتابع أعمال تأهيل وتجميل الموقع ضمن خطّة إحياء معالم الدّيمان الدّينيّة والتّاريخيّة الأساسيّة الثّلاثة في مزارات مار سركيس ومار يوحنّا مارون وما إسطفان حيث حديقة البطاركة.

إلى ذلك أقيمت بعد مراسم التّكريس سهرة فولكلوريّة شارك فيها أبناء الدّيمان المغتربين الوافدين والمقيمين داخل لبنان ووزّع على هامش الاحتفال كتيّب أعدّته لجنة الكنيسة تناول مراحل بنائها ومحطّات بارزة من تاريخ الدّيمان ومواقعها الدّينيّة.