العراق
27 كانون الثاني 2021, 14:50

البطريرك ساكو يغوص في السّنة الطّقسيّة الكلدانيّة والأعياد

تيلي لوميار/ نورسات
كتب بطريرك بابل للكلدان مار لويس روفائيل ساكو، نقلاً عن إعلام البطريركيّة، عن السّنة الطّقسيّة الكلدانيّة والأعياد ما يلي:

"إن لفظة "الطّقس- طكسا" معرّبة عن اليونانيّة "taxis" وتعني التّرتيب والنّظام. وتُشير هنا إلى مراسيم العبادة في الكنيسة وصلواتها والاحتفال بأسرارها وأعيادها. يعبّر طقس  كنيسة ما عن إيمانها وتقليدها وتعليمها، أيّ عن ذهويّتها.

اللّيتورجيِّاLiturgy  كلمة يونانيّة تعني خدمة الصّلاة والعبادة. وقد استعملت كنيسة المشرق كلمة سريانيّة "تشمشتا- خدمة" للدّلالة على هذا العمل الرّوحيّ المتميّز. اللّيتورجيا مشروعٌ يهدف إلى تعميق معاني الصّلاة وأبعادِها في حياة المؤمنين، حتّى تغدو ينبوعَ حياةٍ لهم، وتَصيرَ حياتُهُم صلاةً دائمة.

طقس كنيسة المشرق الكلدانيّ- الآشوريّ هو أبسط الطّقوس الشّرقيّة، وأقدمها. نشأ في بلاد ما بين النّهرين (Mesopotamia)، أيّ في منطقة بعيدة عن التّأثير الهلّينيّ (اليونانيّ). نشأت في بيئة من أصل أورشليميّ (يهوديّ) يظهر ذلك من الرّيازة الكنسيّة: قدس الأقداس، السّتارة، البيما، واستعمال ترتيب المزامير... وحافظ على لحنٍ غير مقّيدٍ بأساليب النّوتة وأوزانها. إنّها ألحان شجيّة، ذات صبغة من الخشوع والرّجاء والفرح.. وتتكوّن هذه اللّيتورجيا من صلاة المساء "رمشا" والصّباح "ؤفرا" والصّلوات الأخرى مثلاً في الصّوم الكبير وكذلك الاحتفال بالأسرار السّبعة..

في البداية كانت توجد خدمتان: الأولى للشّعب "الكاتدرائيّة" في المدن والقرى، والثّانية للرّهبان في الأديار. هذا التّمييز اختفى لاحقًا وغدت خدمة واحدة للجميع.

دخلت التّآليف الشّعريّة ذات قافية موزونة في اللّيتورجيّات الكنسيّة. نجدها بكثافة في صلب ليتورجيا كنيسة المشرق. الأجناس الأدبيّة المستعملة هي: "عونيثا" "ترتيلة" وهي أبيات قصيرة "وثشبوخثا" "تسبحة" وهي أبيات شعريّة أطول من عونيثا،  ومدراش وهو نصّ شعريّ تأمّليّ وتعليميّ، ونادرًا ما نشاهد ميمرًا، أيّ مقالة شعريّة طويلة، خارج رتبة صيام نينوى "الباعوثا". هذه التّراتيل المختارة تصاحبها صلوات كهنوتيّة وطلبات وردات يؤدّيها الشّعب.

يعود الفضلُ في تنظيم طقوس العبادة ورتب الأسرار في كنيسة المشرق إلى البطريرك العظيم إيشوعياب الثّالث (+659) ورهبان الدّير الأعلى (الطّاهرة الحاليّة في الموصل).

نُظّمت السّنة الطّقسيّة الكلدانيّة على محور "تدبير الخلاص"- ܡܕܒܪܢܘܬܐ  oikonomia حتّى يَنْصَبُّ اهتمام المؤمنين خلال مدار السّنة، على التّأمُّل في محطّات حياة المسيح، يأخذون منه ويُضيفونه إلى ما هم عليه كي يتحوّل شيئًا فشيئًا إليهم وينضمّوا إلى "الملكوت" الّذي بشّر به.

تعرض السّنة الطّقسيّة على المؤمنين مراحل تاريخ الخلاص المختلفة بشكل واقعيّ وراعويّ (المعنى اللّاهوتيّ والأخلاقيّ) ويتكلّل تدريجيًّا بتقديس الكنيسة المجاهدة (البعد الأواخري)، إلى الكنيسة الممجّدة.

التّدبير سياق تصّوفيّ للتّعرّف على شخص المسيح والاندماج فيه. إنّه برنامج تنشئة على التّفكير والتّأمّل في المواضيع الأساسيّة والمصيريّة لإيمان الجماعة المسيحيّة (الكنيسة) ووعيها لسرّ دعوتها، وتوجّه صلاتها ومسيرتها.

تتألّف السّنة الطّقسيّة الكلدانيّة من عشرة أزمنة طقسيّة ( سابوع – ܫܒܘܥܐ)،  منها ما يختزل بأحد واحد أو اثنين بسبب تاريخ عيد الفصح بحسب التّقويم القمريّ. وتبدأ بالبشارة في شهر كانون الأوّل وتنتهي بتقديس الكنيسة في شهر تشرين الثّاني.

زمن البشارة- الميلاد: زمن البشارة قوامُه أربعة آحاد فضلاً عن أحدَين للميلاد. تُدخلنا البشارات إلى سرّ التّجسّد– التّدبير من خلال السّهر والصّلاة  والتّأمّل في الكتاب المقدّس وعمل الإحسان والانتباه لعلامات حضوره، هذه البشارات هي أيضًا لنا.

زمن الدّنح: يشمل 7-8 آحاد. يُدخلنا إلى معرفة شيءٍ من سرّ الله المتجلّى لنا في "وحيّ فريد" حيث يظهر الله الثّالوث: بشخص يسوع المسيح الابن، وبصوت الآب: "أَنتَ ابنِيَ الحَبيب، عَنكَ رَضِيت"  (لوقا 3: 22)،  وبشخص الرّوح القدس (الحمامة). هذه الصّورة المُرتسِمة بالمعموديّة في حياتنا وعلى وجوهنا، ينبغي أن نكتشف معناها ونروح مثل يوحنّا المعمدان، نشهد لما رأيناه وسمعناه واختبرناه من تجلّيات الله.

تدعونا الكنيسة  في زمن الدّنح لنَعي هويّتنا كمسيحيّين واعين، ومهمّتنا كتلاميذ للمسيح، ورُسل مدعوّين إلى أن نعمّد العالم كلّه ليشُعَّ بنور المسيح ويبلُغ كماله.

أتمنّى أن يستمرّ التّسلسل من دون تقطيع الأحادات بسبب باعوثا نينوى، أيّ القفز من الأحد الثّالث إلى الخامس، لا يوجد سبب ليتورجيّ لهذا التّقطيع!!

زمن الصّوم: الصّوم يأتي بعد الدّنح، أيّ بعد العماد ويتضمّن 6 أسابيع فضلاً عن الأسبوع المقدّس يبدأ بالسّعانين ويُكلّل بأحد القيامة. الصّوم زمن قويٌّ للخروج من المعتاد (الرّوتين)  للارتقاء إلى عالم الله، من خلال مراجعة الذّات وممارسة الصّوم والصّلاة والصّدقة. زمن يمكّننا من عيش البنوّة الإلهيّة كما عاشها المسيح.

زمن الفصح- القيامة: يتوزّع على 7 آحاد. أحد القيامة ويسمّى "أسبوع الأسابيع" ويليه "الأحد الجديد، أحد توما". إنّه الزّمن الجديد، زمن الملكوت، فالمعمَّدون من الآن وصاعدًا ينتمون إلى زمن القيامة، زمن الله.  وتعرض آحاد هذا الزّمن ترائيات المسيح لتلاميذه، ممّا يعزّز رجاءهم.

زمن العنصرة- الرّسل: تُختَم أفراح القيامة بأحد حلول الرّوح القدس، ويشمل 7 أسابيع. إنّه زمن الكنيسة. المسيح صَعِد إلى السّماء، واعتمد على  تلاميذه والمسيحيّين في حمل إنجيل الفرح إلى جميع الشّعوب وبكلّ اللّغات. كلّ مسيحيّ شاهدٌ ومبشر.

زمن الصّيف وإيليّا- الصّليب- موسى: هذه الأزمنة الّتي يتوزّع كلٌ منها مبدئيًّا إلى سبعة آحاد هي أزمنة توبة واهتداء. وتشدّد على دعوة المسيح إلى التّوبة والاهتداء لنيل الحياة الأبديّة. من المفيد أن يقطع الإنسان اهتماماته اليوميّة لكي ينزل إلى أعماق ذاته، مقَيِّمًا ما حقَّقَه وما يتَطلّع إليه. في نهاية زمن الصّيف يقع عيد التّجلّي: إيليّا وموسى يحيطان بالمسيح، حضورهما شهادة لاكتمال الأزمنة. لذا يعقبه زمن إيليّا وزمن موسى  يتوسّطهما عيد الصّليب محور الخلاص وهو ثلاثة آحاد؟. هذه أزمنة متميّزة الفاعليّة لاستعادة الوحدة (التّناغم) الّتي خرَّبتها الخطيئة فينا.

زمن تقديس البيعة: التّقديس عنوان هذا الزّمن وختام السّنة الطّقسيّة. فالتّدبير يهدف إلى تقديس "بيت الله وقلوب النّاس"، حتّى يكونوا جديرين بقداسة  الله وبملكوته.

هذه الأزمنة تتخلّلها أعياد وتذكارات (منظّمة عمومًا في أيّام الجمع). أمّا أيّام الآحاد مخصّصة لشخص يسوع المسيح لمحطّات قيامته وصعوده وتمجيده وحضوره، تهدف كلّها إلى شدّ المؤمن إلى الله، وتصويب نظره إليه لأنّه يشكّل "أرض ميعاده" ومستقبله!

أتمنّى استعادة بعض الأعياد كما كانت قبل عمليّة التّغيير الّتي قام بها مثلّث الرّحمات البطريرك بولس شيخو  في سيعينيّات القرن الماضي، أيّ أن يكون عيد مار يوسف في 19 آذار، الرّسولين بطرس وبولس في 29 حزيران والبشارة في 25 آذار انسجامًا مع الكنيسة الجامعة، خصوصًا أنّ لنا أبرشيّات وخورنات في الغرب الكاثوليكيّ.

"نحن ساهرون ومصابيحنا مشتعلة، ننتظرُ عودتَك أيّها الرّبّ يسوع".