ساكو في عيد مار توما: يكشف يسوع لتوما ولنا عن جرح قلبه
وكتب ساكو بحسب إعلام بطريركيّته:
"ظهورٌ غيرُ مُتَوَقّع
قبل آلامه ببضعة أشهر، شعر يسوع أنّ حياتَه أصبحت مهدّدة بشكل خطير، سواء في أورشليم أو في محيطها. وأعلن عن ذلك لتلاميذه أكثر من مرّة. وجرت محاولات لقتله "ولَم يَشَأْ أَن يَسيرَ في اليَهودِيَّة، لأَنَّ اليَهودَ كانوا يُريدونَ قَتلَه (يوحنّا 7/ 1)، ومع ذلك قرّر الذّهاب إلى بيت عنيا ليُقيم لعازر صديقَه من بين الأموات. حاول الرّسل ثَنيَّه عن ذلك (يوحنّا ١١/٨)، لكن توما حفزّهم على الذّهاب: "هيّا بنا أيضًا لنمُت معه!"(يوحنّا ١١/ ١٦).
في ظلّ الظّروف الأخيرة القاسية، والحكم على يسوع بالصّلب، ماذا كان على التّلاميذ أن يفعلوه أكثر مِمَّا فلعوه؟ لقد تطلّب الأمر شجاعةً كبيرةً من بطرس ويوحنّا، وهما التّلميذان الوحيدان اللّذان تبعا يسوع إلى مقرّ قيافا رئيس الكهنة وحنان، ثمّ انضمّ يوحنّا إلى النِّسوة ومريم أمِّه للسّير إلى سفح جبل الجلجلة، مختبئن بين الحشود، ليُشهد على صلبه.
يُدرك يسوع ضعف الطّبيعة البشريّة. يعرف أنّ ضعف الإيمان عند توما غير مبرّر، ونكران بطرس، وأيضًا عند بقيّة تلاميذه، لكن مع ذلك، فإنّ إلى هؤلاء الرّجال الضّعفاء، عهد مهمّة إيصال رسالته إلى البشريّة جمعاء. هذه الرّسالة الخلاصيّة القادمة من الله الآب، والّتي نقلها بنفسه، خلال ثلاث سنوات، بكلماته الصّادقة وأفعاله الطّيّبة الّتي غرسها فيهم، ليفهموها ويختبروها، ويوصلوها إلى الآخرين.
إرتباك إيمان توما، وظهور يسوع الصّادم
قيامة المسيح لا تخضع لتصوّراتنا، فلا يحدّها زمان ولا مكان. ظهر لهم والأبواب موصدة خوفًا من اليهود (يوحنّا 20/19) .
لا يخلو فرحُ الرّسل برؤية معلّمهم القائم من بين الأموات من مرارة قتله. فبعد الأيّام العصيبة الّتي عاشوها، يمكنهم الآن أن يفرحوا بترائياته حيًّا، وحضوره بشكل آخر، ممّا عزّاهم وقوّاهم لحمل رسالته.
توما مصدومٌ ممّا اختبره من مشاهدة عذابات معلّمه، لذا وجد صعوبة في تصديق شهادة التّلاميذ، عندما جاءوا بعد ثمانية أيّام ليُخبروه أنّهم رأوا الرّبّ القائم. وأيضًا شهادة النِّسوة وشهادة تلميذي عمّواس!
في الحقيقة، لم يكن ضعفه يُضاهي في خطورته خيانة يهوذا أو نكران بطرس الّذي ظلّ صياح الدّيك يتردّد في ذاكرته، لإنكاره سيّده ثلاث مرّات، لكنّه اعترف بضعفه، وندم باكيًا. في النّهاية كفى ووفى باستشهاده من أجل إيمانه.
لم يكن لدى توما حدسُ مريم المجدليّة، وحماستها لكي يؤمن، لذا يؤكّد الحاجة إلى علامات ملموسة.
من دون سابق إنذار يظهر يسوع للتّلاميذ في دار مغلقة الأبواب (يوحنّا 20/1). لم يوبّخ توما على نقص إيمانه، بل بمحبّته ورقّته اللّامتناهية، أزاح عنه تحفّظه وارتباكه. وبادر إلى منحه الفرصة للمس حقيقة قيامته.يقف يسوع في الوسط، كالمعلّم ويقول لتوما: "تعال انظر، وهات أصبعك وأبصر يديّ، هات يدك وضعها في جنبي" (يوحنّا 20/27). جعل يسوع توما في تماسٍّ مباشر معه. صدم توما من حركة يسوع فصاح تلقائيًّا معترفًا بأنّه هو الرّبّ القائم: ”ربّي وإلهي" (يوحنّا 20/29). إنّه يقف من جديد تلميذًا شاهدًا للمسيح. يقودنا الإنجيليّ يوحنّا نحن أيضًا من خلال هذا المشهد إلى أن نكتشف جنب يسوع المفتوح ليسكب علينا ثراء محبّته.
هذه التّرائيات ليست تكريمًا للتّلاميذ، بل هي لتثبيتهم في إيمانهم ومنحهم القوّة، وإرسالهم لحمل الإنجيل إلى العالم أجمع. هذه دعوة لنا ليكون هذا التّرائي وعيد شفيعنا مار توما فرصة لتجديد روحيّ عميق والشّهادة على حقيقة قيامة المسيح.. مار توما يمرّر إلينا الشّعلة.
عيد مار توما مبارك لكم جميعًا."