الخوري موسى الحلو: نحن نحتاج إلى أنبياء جدد يحملون إلينا الرّجاء
"ولد النّبيّ حزقيال في العام 623 ق.م.، وكان كاهنًا من سلالة اللّاويّين، يخدم الهيكل بأمانة، مراعيًا فرائض الشّريعة لاسيّما في شؤون الطّهارة. إقتاده عسكر نبوكذنصّر إلى بابل مع الدّفعة الأولى من المنفيّين، في العام 597، أيّ عشر سنوات قبل النّفي الكبير إلى بابل. هو أوّل نبيّ يؤدّي خدمته بعيدًا عن أرض اليهوديّة وإسرائيل. أمّا نبوءته فتحمل رسالة رجاءٍ إلى الشّعب الّذي يعاني السّبي والتّحدّيات، ليقول له إنّ الله قادر على إحياء إسرائيل، لأنّ الله أمين ووعده لا يزول.
أمّا النّصّ الّذي نتناوله فهو من نوع الرّؤيا، والرّؤيا عمل أدبيّ يتوجّه إلى أناس يعانون الشّدّة والاضطهاد، لينفح فيهم الرّجاء بحياة جديدة وخلاص يحقّقه الله، لأنّه أمين في حبّه لشعبه ولا يمكنه أن يتركه يموت.
يمكننا إذا انطلقنا من نصّ حزقيال 37/1-14، التّوقّف عند التّالي:
يقول حزقيال إنّ يد الرّبّ كانت عليه، في صورة تشبه الأب الّذي يمسك بيد ولده لئلّا يخاف، لأنّه مزمع أن يعاين مشهدًا مرعبًا. الرّبّ هو إذًا أبٌ يمسك بيدنا حين تتعثّر الطّرقات وتحفّها المخاطر.
خرج حزقيال بروح الرّبّ إلى السّهل، هذا الرّوح الحاضر في حياة شعب الله منذ الخلق حتّى اليوم. خرج حزقيال بالرّوح مثلما اقتاد الرّوح يسوع إلى البرّيّة بعد اعتماده، فجُرّب وانتصر. وكان السّهل ممتلئًا عظامًا كثيرة جدًّا ويابسة جدًّا. عظام يابسة لا حياة فيها ولا إمكانيّة لأن تعود الحياة إليها.
وسأل الرّبّ نبيّه "أترى تحيا هذه العظام؟" الجواب البديهيّ والمنطقيّ هو كلّا. من أين لها أن تحيا؟ لكنّ حزقيال أجاب الرّبّ في كلامٍ ملؤه الثّقة، "أنت تعلم". ما معناه: الجواب عندك يا ربّ. إن شئت أن تحيا فأنت قادر على إحيائها. لا قطع للرّجاء عند رجل الله.
ثمّ أمر الرّبُّ حزقيال أن يتنبّأ على العظام اليابسة: أيّ أن يعلن كلمة الله إلى العظام اليابسة، بإلهام من الرّوح، هذا الرّوح النّاطق بالأنبياء والرّسل.
ماذا يريد الرّبّ أن يقول للعظام اليابسة: أوّلاً أيّتها العظام إسمعي. أصغي للرّبّ. فالإصغاء هو الشّرط الأوّل للحوار والدّخول في علاقة مع الله. إذا تحقّق الإصغاء أمكن للرّوح أن يدخل وينعش المائت في الخطيئة ويعيد إليه الرّوح والحياة. ثم أعلن الرّبّ للعظام أنّه سيبعث فيها الحياة، الحياة الرّوحيّة كما الحياة الجسديّة. لا حياة إلّا بالله ومنه. "أُدخِل فيك روحًا فتحيين". أيّ روح يقدر أن يحيي إلّا روح الله. أليس هو "الرّبّ المحيي؟" كما نقول في قانون الإيمان.
تنبّأ حزقيال كما أُمر، فكان صوتٌ مدوٍّ، كما في عنصرة الرّسل، وكان أن ٱرتعش النّبيّ، مثلما ٱرتعش يسوع بالرّوح أمام قبر لعازر... هذه بعض علامات حضور الرّوح وعمله. ثمّ بدأت الحياة تدبّ في العظام الميتة.
ثم تنبّأ حزقيال للرّوح، كما أمره الله، ورفع صلاة جميلة للرّوح القدس لا نزال نردّدها إلى اليوم. وهذه هي المرّة الأولى الّتي تُرفع فيها الصّلاة للرّوح في الكتاب المقدّس. "هَلُمَّ أَيُّها الرُّوحُ مِن الرِّياحِ الأَربَع، وهُبَي في هؤُلاءِ المَقْتولينَ فيَحيَوا". وإذا بالموتى يُبعثون أحياء. "دَخَلَ فيهمِ الرُّوح، فعاشوا وقاموا على أَقْدامِهم جَيشًا عَظيمًا جِدًّا جِدًّا".
ثم أعطى الرّبّ لحزقيال معنى الرّؤيا: "هذه العِظام هي بَيتُ إِسْرائيل بِأَجمَعِهم. ها هم قائِلون: قد يَبسَت عِظامُنا وهَلَكَ رَجاؤُنا وقُضيَ علَينا". هذه العظام هي أنا، وأنت، ونحن. جميعُنا نستسلم لليأس ونقطع الرّجاء أمام الصّعوبات والتّحدّيات. لسان حالنا يقول: أتُرى يكون لنا وطن حرّ مزدهر؟ أترى تلتئم عيالنا المفكّكة؟ أترى نتجاوز خيبات حياتنا؟ أترى أتغلّب على خطاياي وضعفي؟ كيف؟ من أين لي هذا؟
لذلك نحن نحتاج إلى أنبياء جدد يحملون إلينا الرّجاء بالحياة الجديدة بالرّوح القدس. أنبياء يحملون إلينا كلمة الرّبّ: "هأنَذا أَفتَحُ قُبورَكم وأُصعِدكم مِنْ قُبورِكم يا شَعْبي... فتَعلَمونَ أَنِّي أَنا الرَّبّ... وأَجعَلُ روحي فيكم فتَحيَون، وأُقِرُّكم في أَرضكم".
كيف لذلك أن يتمّ؟ بالرّوح القدس. بقدرة الله، لا بالاتّكال على قوانا.
لنتذكّر: في الخلق روح الله يعطي الحياة. في الخروج روح الله يهدي ويحمي. السّبي إلى بابل يصير صورة مسبقة عن الصّليب والموت، والرّجوع إلى أورشليم صورة عن القيامة. في العنصرة روح الرّبّ يعطي الحياة والقوّة لجماعة الرّسل، ويطلقها للبشارة. في المعموديّة روح الرّبّ يدعو للحياة. في سرّ التّوبة والمصالحة روح الرّبّ يحيي عظامنا اليابسة، ويعْطينا قَلبًا جَديدًا ويجعَلُ في أَحْشائِنا روحًا جَديدًا. في الصّلاة واللّيتورجيّة والأسرار روح الرّبّ يجعلنا نسير على فَرائِض الله ونحفَظ أَحْكامه ونعمَل بِها. به نصير لله شَعبًا، ويكونُ لَنا إِلهٌ".