لبنان
02 حزيران 2020, 05:00

الرّاعي خلال التّنشئة المسيحيّة: لكلّ إنسان الحقّ باختبار حبّ الله الخلاصيّ

تيلي لوميار/ نورسات
واصل البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي خلال التّنشئة المسيحيّة أمس في بكركي، نقل الفصل الأوَّل من الإرشاد الرَّسوليّ "فرح الإنجيل" للبابا فرنسيس حول "إعلان الإنجيل في عالم اليوم"، متوقّفًا عند النّقطة ما قبل الأخيرة من الفصل الاوّل وهي بعنوان: "رسالة مجسَّدة ضمن حدود إنسانيَّة" (الفقرات 40-45)، قائلاً:

"1- الكنيسة تلميذةٌ للمسيح مرسَلة، وبهذه الصّفة تحتاج لتنمو في تفسيرها لكلمة الله الموحاة، وفي فهمها للحقيقة. مهمَّة المفسّرين للكتاب المقدّس واللّاهوتيّين المساعدة على إنضاج حكم الكنيسة. تساعدهم على ذلك أيضًا العلوم الأخرى بحسب طرقها. إنّ تيّارات الفكر المتنوّعة في الفلسفة واللّاهوت والممارسة الرّاعويّة، إذا انفتحت على الانقياد للرّوح القدس بالاحترام والحبّ، استطاعت تمكين الكنيسة من النّموّ. ذلك أنّها تساعد كلّها على التّعبير، بأكثر وضوح، عن غنى كلمة الله. والتّنوّع في الأفكار يساعد على إظهار الجنبات المختلفة الّتي ينطوي عليها غنى الإنجيل الّذي لا يُسبر غوره (الفقرة 40).

2- التّحوّلات الثّقافيّة السّريعة في عالم اليوم تقتضي منّا البحث الدّائم عن طرق للتّعبير عن الحقائق الّتي لا تتغيّر بلغة تنقل جديدها الثّابت. إنّ وديعة الايمان شيءٌ، وطريقة التّعبير عنها شيء آخر. لذا، يمكن أن يتّخذ التّعبير عن الحقيقة صيغًا مختلفة. أمّا تجديد هذه الصّيغ فضروريّ من أجل حسن نقل رسالة الإنجيل إلى شعب يومنا بمعناه الّذي لا يتغيّر (الفقرة 41).

لكلّ هذا قيمة كبرى من أجل التّبشير بالإنجيل، إذا أردنا حقًّا أن نجعل جماله معروفًا من الجميع بشكل أوضح. وبالطّبع ليس من السّهل جعل تعاليم الكنيسة مفهومةً بسهولة ومقبولةً للحال من كلّ شخص. ففي الإيمان شيء من الغموض، ولكنّه لا ينزع عنه ثباته. في كلّ حال يبقى الإيمان بمثابة صليب. يجب التّذكير أنّ بالإضافة إلى الأسباب والبراهين، يحتاج التّعليم الدّينيّ إلى طريقة عيش المعلّم وثباته وقربه وحبّه وشهادته (الفقرة 42).

3- يوجد في الكنيسة بعض العادات غير المرتبطة بصلب الإنجيل، ولها جذورها العميقة. لكنّها لا تُفهم اليوم، ولا تُقدَّر، وقد يكون بعضها جميلاً. إنّما هي غير ملائمة لتكون اليوم وسائل فعّالة لنقل الإنجيل. فلا نخافنَّ من إعادة البحث فيها.

وتوجد أيضًا شرائع ورسوم وضعَتْها الكنيسة، وكانت في حينه ذات فاعليّة. لكنّها اليوم لا توجّه شعب الله، ولا تعطيه شكلاً. قال القدّيس توما الأكوينيّ إنّ المسيح والرّسل أعطوا القليل منها. ومقتبسًا من القدّيس أغسطينوس، أضاف: يجب التّركيز على رسوم الكنيسة باعتدال "بحيث لا ترهق حياة المؤمنين، ولا تجعل ديانتنا شيئًا من حالة العبوديّة. فإنّ رحمة الله أرادَت أن نكون أحرارًا". هذا التّأكيد ينبغي أن يكون أحد المقاييس الواجب اعتباره في عمليّة الإصلاح في الكنيسة وفي تبشيرها الّذي يمكّنها من أن تطال كلّ شخص (الفقرة 43).

4- في مسيرة المرافقة في الإيمان، يذكّر المجمع الفاتيكانيّ الثّاني الرّعاة والمؤمنين المرافقين: "إنّ تبعة الفعل والمسؤوليّة قد تنقصان أو تبطلان بسبب الجهل أوعدم الانتباه أو الخوف أو العادة أو التّعلّق المفرط أو عوامل نفسيّة أو اجتماعيّة" (عدد 1735). فيجب، من دون التّخلّي عن مثاليّة الإنجيل، مرافقة نموّ الشّخص البشريّ برحمة وصبر. وعلى الكهنة ألّا يجعلوا من كراسي الاعتراف غرف تعذيب، بل مكانًا لتجلّي رحمة الله. فلكلّ إنسان الحقّ باختبار حبّ الله الخلاصيّ، الفاعل سرّيًّا في داخله على الرّغم من أخطائه ونواقصه (الفقرة 44).

القلب الإرساليّ يدرك حدوده الشّخصيّة، فيكون "ضعيفًا مع الضّعفاء... وكلاًّ للكلّ" (1كور 22:9). لا ينغلق أبدًا على ذاته، ولا يبحث عن أمنه الذّاتيّ، ولا ينحاز أبدًا إلى التّصلّب والدّفاع عن النّفس. بل يدرك أنّ عليه هو أوّلاً أن ينمو في فهم الإنجيل، وفي تمييز سبل الرّوح القدس. فلا يتخلّى عن تأمين الخير الممكن، حتّى ولو تلوّث حذاؤه بأوحال الطّريق (الفقرة 45)."