لبنان
31 آذار 2022, 05:00

الرّاعي: طالما لا نشخّص مشكلتنا في لبنان فنحن ذاهبون إلى الانهيار

تيلي لوميار/ نورسات
إفتتح البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي قبل ظهر الأربعاء النّدوة الحواريّة الّتي نظّمتها مجموعة "نختار الحياة" في الصّرح البطريركيّ في بكركي تحت عنوان "الحضور المسيحيّ في الشّرق الأوسط: التّحدّيات والخيارات السّياسيّة".

بعد النّشيد الوطنيّ، ألقى الرّاعي كلمة قال فيها: "يسعدني افتتاح هذه النّدوة الّتي تتناول موضوع الحضور المسيحيّ في الشّرق الأوسط، تحدّيات وخيارات وسياسات، ويطيب لنا أن نستضيفها في هذا الكرسيّ البطريركيّ للدّلالة على أنّنا نتبنّى كلّيًّا هذه الوثيقة "نختار الحياة" الّتي توحي وتُلهم هذه النّدوة.

هذه الوثيقة تعالج هذا الموضوع بالذّات، بفصوله الثّلاثة كما تعلمون، فهذا النّهج في مواجهة الموضوع هو ضروريّ في حياتنا اليوميّة، لذلك أعتبر هذه الوثيقة رفيقة حياة كلّ واحد منّا، وبالنّسبة إلينا في بكركي هي وثيقة أساسيّة لأنّها من خلال النّهج الّذي تتّبعه.

أوّلاً تشخّص هذه الوثيقة الواقع ونحن بأمسّ الحاجة إلى تشخيص واقعنا، وهذا ما ننادي به هنا في لبنان على المستوى الوطنيّ والسّياسيّ، فطالما لا نشخّص مشكلتنا في لبنان فنحن ذاهبون إلى الانهيار، فهذه الوثيقة بفصلها الأوّل تشخّص ما بنا، لتنتقل في النّقطة الثّانية إلى النّظرة المسبقة حول كيف يمكن أن نواجه الرّهانات الحاضرة ونستشرف المستقبل، وهذه أيضًا نقطة أساسيّة لأنّه في ضوء التّشخيص نستطيع أن نتبيّن طرق الحلول.

وفي فصلها الثّالث تتجرّأ وتتكلّم عن الحلول، خيارات وسياسات، وهذه قضيّة شجاعة وقضيّة وضوح، فبكلّ أسف على المستوى السّياسيّ في لبنان لا توجد هذه الشّجاعة لكي نواجه الرّهانات المطروحة علينا، فلن نستطيع الخروج من مشكلتنا إذا لم نشخّص أساس المشكلة وإذا لم نبحث في الحلول، لذا أريد أن أقول إنّ هذه الوثيقة هي طريق لنا في كلّ زوايا حياتنا، فصحيح أنّ الموضوع هو الحضور المسيحيّ في الشّرق الأوسط، لكن هذه الوثيقة هي أيضًا منبر للعائلة وللكنيسة والدّولة والمجتمع لأنّها تفصّل هذه الخطوط الواضحة.

أريد أن أشكر الكتّاب الأحد عشر الّذين وضعوا هذه الوثيقة، وقد أكبرت هذا العمل أثناء قراءتي للوثيقة، ويسعدني أن أرحّب بالمتحدّثين والمعقّبين والحضور، وأتمنّى النّجاح الكامل للنّدوة والانتشار الواسع فليس هناك أجمل من أن تختار الحياة، ونحن نريد الحياة ولا نريد الموت، عشتم وعاش لبنان."

ثمّ تحدّث الوزير السّابق الدّكتور طارق متري فاعتبر أنّ "الوثيقة تضعنا أمام مسؤوليّتنا لجهة "مجازفة الوجود"، وقال: "لا يختلف اثنان على أنّ المسيحيّين امتُحنوا في انتمائهم الوطنيّ وفي قدرتهم على إعادة بناء الوحدة المتصدّعة بين أبناء الوطن الواحد وسعيهم إلى قيام الدّولة الواحدة، دولة المساواة في المواطنة. وعانوا كغيرهم من تراجع فكرتي الدّولة والمواطنة"، وشدّد على أنّه "أيًّا كانت الإخفاقات والمعاناة الّتي عرفها المسيحيّون وتراجع أدوارهم، لاسيّما في السّياسة والثّقافة، فإنّ ثنائيّة الأقلّيّة المنكفئة والأغلبيّة الطّاغية لم تُغلق عليهم ولم تطبع مواقف مجموع المسلمين حيالهم، ذلك أنّ مشكلات المسيحيّين كانت بمعظمها تعبيرًا عن مشكلات المجتمعات العربيّة كلّها، ما يتّصل منها بالمساواة والمشاركة السّياسيّة أو ما يختصّ بالتّنمية والنّهوض الثّقافيّ".

وسجّل متري مجموعة ملاحظات على الوثيقة وحدّدها بـ"أنّ الخوف، ومعه التّخويف، يستعجل تحقيق ما نخافه، وأنّ ليس من تناقض بين ما يسمّى هواجس الأقلّيّة وهموم الأغلبيّة، وأنّ الحضور لا يقاس من منظوري الضّعف والقوّة ولعلّ الثّقافة هي المجال الأرحب لهذا التّأثير، وأنّ الانخراط في الحياة العامّة، والإحجام عن الرّدّ على التّهميش بتهميش الذّات، يتطلّب عمليّة إراديّة واعية من قبل القيادات والنّخب، ويقتضي الحثّ على تلك المشاركة، وأنّه لا يفيد الجماعة المسيحيّة بشيء افتعال رصّ الصّفوف وتوحيد الزّعامة والإصرار عليها، فالتّنوّع سمة طبيعيّة من سمات الحياة السّياسيّة والثّقافيّة، وأخيرًا إنّ الاعتراف بالتّنوّع، وهو حقيقة لا مفرّ منها، لا يعفي من ضرورة التّشاور الّذي يحول دون التّنابذ بإسم الاختلاف. أكثر من ذلك".

ثمّ تحدث المحامي الدّكتور محمّد مطر فاعتبر أنّ "الحضور المسيحيّ هو حضور لبنانيّ، إذ المسيحيّون والمسلمون هم لبنانيّون في همومهم وتطلّعاتهم"، وذكّر بأنّه "منذ انتهاء الحرب الأهلّيّة شكّل قانون العفو العامّ إطلاقًا ليد القتلة والمجرمين، أيّ أنّ البلد أدير بمنطق الاستثناء لا الشّرعيّة أو حكم القانون الّذي يحوّل الإنسان إلى مستعبد، لا مواطن حرّ"، وقال إنّ "لبنان من وجهة نظر الشّرعيّة الدّوليّة على طريق الفشل، تأسيسًا على قصور الدّولة وفشلها في نواحي عديدة جدًّا، ما يجعل منه مستوفيًا شروط الدّولة الفاشلة، وجعله نظامًا فاقدًا للشّرعيّة وخارج القانون"، واقترح عدّة خطوات لإخراج لبنان من أزمته، مثل: ضبط الحدود، السّعي لإعلان الحياد، وتشكيل كتلة لبنانيّة وازنة لدعم هذه الخيارات"، وإختتم بالقول إنّ "لبنان أنشأ ليكون ساحة للحوار والتّعدّد والحرّيّة وليس ساحة للحرب، ومن هنا هناك ضرورة لبناء عقد اجتماعيّ جديد قائم على حكم القانون والحرّيّات والموطنة".

وكانت كلمة أيضًا لرئيس الجامعة اليسوعيّة الأب البروفسور سليم دكّاش عن الوثيقة في بعدها اللّاهوتِيِّ والتَّرْبَوِيِّ والمَسْكونِيِّ والحِوارِيِّ، ملاحظًا أنّها "مادّة حيّة لمناقشة التّحدّيات ونقلها إلى أرض المجاهدة"، وقال: "حسنًا فعلت الوثيقة عندما دعت إلى أن تحيلنا المجمعيّة لا إلى الهيكليّات والمؤسّسات بل بالدّرجة الأولى الرّوح إلى الّذي يمكّن كلّ كنيسة في استلهام التّراث والانفتاح على الكنائس الأخرى"، وسأل "لماذا لم يذكر في الوثيقة إعلان الأزهر حول المواطنة وهي ملتقى فكريّ إسلاميّ مسيحيّ حتّى ولو أنّ هنالك ما يقال فيها، فللمرّة الأولى نقلت المواطنة بإقرار دينيّ من مساحة الدّين إلى الفضاء العامّ وهذا أمر يستحقّ التّنويه والعمل عليه"، مشدّدًا على أنّ "موضوع الحوار والتّخاطب مع الآخر المسلم على وجه الخصوص هو أساسيّ وأصبح هناك تاريخ طويل في هذا الموضوع لا بدّ من إعادة قراءته والإفادة ممّا حصل حتّى اليوم لنقول إنّ الحوار هو تقليد حيّ، لا بدّ من دفعه إلى الأمام حتّى على المستوى اللّاهوتيّ العقائديّ، فنتوقّف عند معضلات جوهريّة كالتّكفير والتّعنيف والصُّور المنمّطة المحقّرة للآخر وحكم الله وأيّ إله ينكشف لنا الآن وهنا وخصوصًا القِيَم المشتركة فلا يكفي الإعلان عنها بل تسويغها وتأسيسها على معانٍ مشتركة."  

بعد ذلك قدّمت ثلاث مداخلات كتعقيب من مجموعة "نختار الحياة" على المتحدّثين، كما جرى حوارٌ مفتوحٌ مع الحاضرين.