لبنان
21 تشرين الأول 2020, 05:55

الرّاعي على ضوء فرح الإنجيل: الواعظ هو خادم الكلمة لا سيّدها أو مالكها

تيلي لوميار/ نورسات
حدّد البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي، خلال التّنشئة المسيحيّة، كيفيّة تهيئة العظة، على ضوء الفصل الثّالث من الإرشاد الرّسوليّ "فرح الإنجيل"، من خلال نقطتين: احترام الكلمة وشخصنتها، فقال:

"1- إحترام كلمة الله (الفقرات 145-148)

تقتضي تهيئة العظة تكريس وقتٍ كافٍ لها على الصّعيد الشّخصيّ والجماعة، واستلهام الرّوح القدس، مقدّمين له ذواتنا ومقدّراتنا كوسيلة (راجع روم 12: 1) لكي يستعملها، وإلّا أسأنا إلى مواهب الرّوح (الفقرة 145).

بعد استدعاء الرّوح القدس بالصّلاة، نعير كلّ انتباهنا إلى النّصّ البيبليّ الّذي هو الأساس للعظة، لكي نفهم الرّسالة الّتي يتضمّنها النّصّ. فنقاربه باحترام وتواضع، مدركين أنّ الواعظ هو خادم كلمة الله، لا سيّدها أو مالكها.

الإجلال الوديع للكلمة يظهر في التّمهّل لدراستها بأعظم اهتمام، والولوج في مضمونها بخوف مقدّس.

للتّمكّن من تفسير النّصّ البيبليّ، يلزم الصّبر والتّخلّي عن كلّ انشغال بال، مع تكريس الوقت الكافي والاهتمام المتفاني والمجّانيّ. ما يعني أنّ تهيئة العظة تتطلّب حبًّا لله الّذي يريد أن يكلّمنا، وللأشخاص الّذين ينتظرون ما يريد الله أن يقوله لهم. إنطلاقًا من هذا الحبّ نتّخذ موقف التّلميذ: "تكلّم يا ربّ، فإنّ عبدك يسمع" (صم 3: 9) (الفقرة 146).

المطلوب أوّلاً، عند تفسير النّصّ البيبليّ، التّأكّد من فهم معنى الكلمات فهمًا لائقًا من خلال التّنبّه للكلمات المكرّرة أو البارزة، والتّعرّف على بنية النّصّ وديناميّته الخاصّة، التّوقّف عند المقام الذّي يحتلّه الشّخص. لكنّ الهدف الأهمّ هو اكتشاف ما هي الرّسالة الأساسيّة الّتي تُكوّن النّصّ وتعطيه وحدته. عندئذٍ لا تتألّف العظة من مجموعة أفكار مختلفة غير مترابطة ومملّة، لا تستقطب السّامعين (الفقرة 147).

وكذلك حال العظة الّتي لا تقدر على نقل القوّة الملازمة للنّصّ. فمن أجل فهم أيّ نصّ يجب أنّ نصله بتعليم الكتاب المقدّس كلّه، الّذي تناقلته الكنيسة. فالرّوح القدس لم يلهم فقط جزاءً من الكتاب المقدّس، بل الكتاب كلّه. لذا يجب تجنّب التّفسيرات الخاطئة أو الجزئيّة الّتي تناقض تعاليم أخرى من الكتاب المقدّس نفسه (الفقرة 148).

2- شخصنة الكلمة (الفقرات 149-151)

على الواعظ أن يحرز أوّلًا ألفة شخصيّة مع كلمة الله. فلا تكفي معرفتها على صعيد اللّغة والتّفسير، بل عليه أن يقبل الكلمة بقلبٍ طيّع مفعم بالصّلاة، فتتغلغل إلى صميم أفكاره ومشاعره وتخلق فيه روحًا جديدًا. إنّ لدرجة قداسته أثرًا راهنًا في طريقة مناداته بالكلمة: "فإنّا نعظ... لا كمن يبغي رضى النّاس، بل رضى الله الّذي يختبر قلوبنا" (1تس 2: 4).

بمقدار ما لدى الواعظ من رغبة في قبول كلمة الله في قلبه، بمقدار ذلك تكون له الرّغبة في إيصالها إلى المؤمنين، "فإنّه من فيض القلب يتكلّم اللّسان" (متّى 12: 34). (الفقرة 149).

الواعظ الحقيقيّ هو الّذي يدع الكلمة تؤثّر فيه أوّلاً، وتتجسّد في حياته وتصرّفاته. لقد اغتاظ يسوع من أولئك المتشدّدين إزاء غيرهم، "فيحمّلون أحمالاً ثقيلة، ويلقونها على مناكب النّاس، ويأبون هم أن يحرّكوها بإحدى أصابعهم" (متّى 23: 4).

بما أنّ الكلمة الإلهيّة حيّة وفعّالة مثل سيفٍ يجب أن "تنفذ حتّى مفرق النّفس والرّوح والأوصال" (عب 4: 12) عند الواعظ، وتجرحه في داخله قبل أن تجرح الآخرين. عالم اليوم متعطّش إلى أصالة، ويطالب بمبشّرين بالإنجيل يحدّثون عن إله يعرفونه ويتردّدون عليه، كأنّهم يشاهدون ما لا يرى (الفقرة 150).

تجاه هذه المسؤوليّة، على الواعظ أن يُصغي إلى الكلمة بانفتاحٍ صريح، وأن يسعى إلى أن تؤثّر في حياته وتصلحه وتستنهضه، وأن يكرّس وقتًا للصّلاة مع الكلمة، لئلّا يكون نبيًّا كاذبًا".

الله يريد تعاوننا ككائنات حيّة وحرّة وخلّاقة، فندع كلمته تتغلغل فينا لكي نبلّغها إلى غيرنا. بالنسبة إلى الواعظ يجب الّا تمرّ فقط من خلال عقله، بل من خلال استحواذها على كيانه كلّه."