الرّاعي مترئّسًا عيد خميس الجسد في جونيه: الشّركة والمحبّة هما حاجتنا الأساسيّة اليوم في لبنان
بعد الإنجيل المقدّس، ألقى الرّاعي عظة تحت عنوان "خذوا كلوا هذا هو جسدي! إشربوا هذا هو دمي" ( متّى 26: 26 و28)، قال فيها:
"1. إنّ المسيح الرّبّ، لكي يكون حقًّا ودائمًا عمّانوئيل، أيّ الله معنا، أسّس بفيض من حبّه سرّي القربان والكهنوت، قبل أن يتألّم ويموت ويقوم من بين الأموات. فسلّم كهنة الكنيسة الاحتفال بتقدمة ذاته ذبيحة لفدائنا من خطايانا، تحت شكلي الخبز والخمر المحوّلين إلى جسده ودمه، وبتقدمة ذاته وليمة سرّيّة للحياة الإلهيّة فينا، إذ قال لهم: "إصنعوا هذا لذكري" (لو 22: 19).
2. تحتفل الكنيسة في هذا الخميس الّذي يلي عيد الثّالوث الأقدس، بعيد القربان، لكي نتذكّر أنّ ربّنا يسوع تمّم ذبيحة الفداء، مرّة وإلى الأبد على الجلجلة. في هذه الذّبيحة نتذكّر آلامه وموته وقيامته، ونؤمن بأنّه حاضر سرّيًّا في الذّبيحة المتجدّد فيها سرّ فصحه، وننتظر مستقبلًا مجيئه في آخر الأزمنة. هذه النّظرة إلى ما بعد الزّمن تولّد فينا شعلة الرّجاء. ويطيب لنا جريًا على العادة أن نحتفل معكم في معهد الرّسل الزّاهر بعيد خميس الجسد وقد تميّز هذه السّنة بأن سبقه مؤتمر قربانيّ عقد في هذا المعهد بمبادرة من أصدقاء القربان برئاسة سيادة أخينا المطران شارل مراد رئيس اللّجنة الأسقفيّة للمؤتمرات القربانيّة وبمشاركة سيادة أخينا المطران أنطوان نبيل العنداري نائبنا العامّ على منطقة جونية.
3. في سرّ القربان، ندخل في شركة عميقة مع يسوع، فيمنحنا النّعمة لكي نثبت فيه، بحسب رغبته: "اثبتوا فيّ كما أنا فيكم" (يو 15: 4). هذه الشّركة تصبح محبّة متبادلة بين الرّبّ وبيننا ولأنّ الخبز القربانيّ الواحد، نحن على كثرتنا واحد. ما يعني أنّ الإفخارستيّا– سرّ القربان– يولّد الكنيسة، جسد المسيح، وإنّنا بقدر ما نسير مع المسيح في الشّركة، بقدر ذلك نكون في شركة مع جسده الّذي هو الكنيسة، الّتي نحبّها ونعيش في وحدة دائمة معها ومع بعضنا البعض.
من عمق سرّ القربان، جسد المسيح ودمه، ومن صميم جوهر الكنيسة الّتي هي جسد المسيح الكلّيّ، تنطلق الشّركة والمحبّة الّتي اتّخذتهما شعارًا لخدمتي البطريركيّة، منذ ساعة انتخابي، كلّنا بحاجة إليهما: نحتاج إلى الشّركة الّتي تعني في بعدها العاموديّ الاتّحاد بالله؛ وفي بعدها الأفقيّ الوحدة بيننا. لكنّ هذا الاتّحاد وهذه الوحدة يحتاجان إلى المحبّة، لكي تشدّ روابط الاتّحاد والوحدة. من لا يوجد حبّه في قلبه لا يستطيع أن يعيش الشّركة ببعديها.
4. هذه هي حاجتنا الأساسيّة اليوم في لبنان: إنّها حاجة كلّ إنسان في العائلة والكنيسة والمجتمع والدّولة. إنّها حاجة المسؤولين المدنيّين والسّياسيّين. هم بحاجة لأن يرفعوا قلوبهم وعقولهم إلى الله، لكي يستمدّوا منه النّور والهداية في ممارسة سلطتهم، فتكون لصالح الخير العامّ، لا لمصلحتهم الشّخصيّة. إذا فعلوا ذلك مجّدوا الله وأرضوه. ليست السّياسة تجارةً وتقاسم حصص على حساب الشّعب المغيّب والمهمل، بل هي فنّ الخدمة العامّة، خدمة كلّ مواطن، أيًّا يكن انتماؤه السّياسيّ أو الحزبيّ أو الطّائفيّ.
ويحتاج المسؤولون المدنيّون والسّياسيّون إلى عيش شركة الوحدة مع الشّعب وفي ما بينهم، فلا يجوز أن تستمرّ الخلافات والنّزاعات الّتي يدفع ثمنها شعبنا والوطن. فالسّياسة ليست للتّفرقة والخلافات والعداوة؛ بل هي للجمع من أجل وطن موحّد بوحدة شعبه.
5. سرّ القربان، الّذي نحتفل به اليوم، هو مدرستنا الّتي فيها نتعلّم جمال الحبّ، وسعادة العطاء، وسخاء البذل. وفيها نتعلّم الأخوّة من أب واحد للجميع، هو الله. وفيها نتعلّم فرح بناء الوحدة باحترام الآخر المختلف عنّي ثقافيًّا ودينيًّا ورأيًا وموقفًا، وبتغليب الحوار بحثًا عن الحقيقة الّتي تجمع. وفيها نتعلّم فضيلة الرّجاء الّذي هو الثّبات في إيماننا بأنّ الرّبّ يسوع معنا في جميع حالات حياتنا، وقد أكّد ذلك بفمه في اليوم الّذي صعد فيه إلى السّماء: "ها أنا معكم جميع الأيّام، إلى انتهاء العالم" (متّى 28: 20). فلنكن نحن معه في مسيرتنا التّاريخيّة.
6. في هذا اليوم وفي العالم كلّه، ونحن أيضًا مثلهم ومعهم بالشّركة الرّوحيّة، نقوم بعد القدّاس بتطواف بالقربان المقدّس، في شوارع مدينة جونيه العزيزة. نعلن فيه إيماننا بالإله الّذي بتجسّده أصبح رفيق دربنا. هذا ما نعلنه في كلّ مكان، وبالأخصّ في شوارع المدينة، وفي منازلنا، كتعبير عن حبّنا المملوء، عرفانًا، وعن إيماننا يأنّ سرّ القربان ينبوع وبركات لا ينضب. له المجد والشّكر والتّسبيح، الآن وإلى الأبد، آمين".