الرّاعي يوضح "سرّ الخطيئة"
"1. بالعودة إلى الكتاب المقدّس، نجد الخطيئة في نوعيها: خطيئة عدن الّتي ارتكبها آدم وحواء كمعصيةٍ لأمر الله واستبعادٍ ومنافسةٍ له (تك 5:3 و 22). وخطيئة برج بابل الّتي أراد النّاس فيها بناء مدينةٍ وإقامة مجتمع، ويكونوا ذوي قدرة حولاً وطولاً بمعزلٍ عن الله، لا ضدّ الله. خطيئة برج بابل هي تناسي الله وإهماله، حتَّى لكأنَّه ما من فائدة ترجى منه في ما يتعلَّق بما عزم عليه الانسان من إقامة بناء ومجتمع.
الخطيئة هي استبعاد الله، والقطيعة مع الله، ومعصية الله، وقد تصل إلى حدّ إنكار الله ووجوده، وهذا هو الإلحاد. معصية الإنسان هي أن لا يعترف- بفعلٍ حرٍّ منه– بسلطان الله على حياته، أقلَّه في لحظة خرقه شريعة الله (الفقرة 14).
2. بنتيجة الخطيئة يقع الانقسام بين الأخوة. في الخطيئة الأولى، ظهر في الرّجل والمرأة. وكان كلّاً منهما يوجّه إلى الآخر أصبع الاتّهام (تك12:3)، وفي الأخ الّذي يقتل أخاه (تك4: 2-16). في خطيئة برج بابل كانت النّتيجة تمزيق العائلة البشريّة. هذا التّمزيق بلغ ذروته على المستوى الاجتماعيّ.
الإنسان بخطيئته يختلّ توازنه الدّاخليّ، إذ تنشأ في داخله تناقضاتٌ وصراعات. وبسبب هذا التّمزّق تتوتّر علاقاته مع النّاس، بل وتنقطع الرّوابط الّتي تشدّه إليهم. فيمكن القول إنّ كلّ خطيئة هي في آنٍ شخصيّة لأنّها تصدر عن حرّيّة الإنسان، واجتماعيّةٌ لأنّها تؤثّر على الآخرين (الفقرة 16).
3. نتكلّم عن الخطيئة الاجتماعيَّة بمعنى انّها خطيئةٌ مرتكبةٌ من كلّ واحدٍ من النّاس وتؤثّر عليهم جميعًا بشكل سلبيّ، خلافًا لمبدأ شركة القدّيسين: "كلّ نفس ترتفع، ترفع معها العالم". وهكذا بالمقابل "كلّ نفس تنحدر، تحدر معها العالم". ذلك أنّ كلّ خطيئة، أيًّا كان حجمها، تجرح قداسة الكنيسة.
ونقول خطيئة اجتماعيَّة، عندما تُرتكب إساءةٌ بحقّ آخر، لكونها إهانة لله في الوقت نفسه؛ وعندما تُقترف ضدَّ العدل في العلاقات بين النّاس، ومع المجتمع؛ وعندما تمسّ حقوق الإنسان، ولاسيّما حقّه في الحياة، وسلامته الجسديّة، وعندما تنتقص من حرّيّة الآخرين ولاسيّما حرّيّة إيمانهم وعبادتهم؛ وعندما تتناول كرامة الإنسان وشرفه؛ وعندما تُقترف بحقّ الخير العامّ؛ وعندما يهمل الحكَّام ورجال الاقتصاد واجباتهم أو يسيئون استعمال مسؤوليَّاتهم؛ وعندما يخلّ العمَّال والموظَّفون بواجبات عملهم ووظيفتهم (الفقرة 16).
4. ونتكلّم عن الخطيئة الاجتماعيّة عندما تتعلَّق بالعلاقات القائمة بين مختلف الجماعات البشريّة، وعندما لا تتوافق مع مقاصد الله، الّذي يريد أن تسود العدالة في العالم، والحرّيّة والسّلام بين النّاس والفئات والشّعوب.
هو شرٌّ اجتماعيّ: صراع الطّبقات، والخصومات المتمادية بين الأمم والشّعوب والفئات، الّتي بسبب انتشارها الواسع تصبح تقريبًا مجهولة الفاعل. يجب عدم التّقليل من مسؤوليَّة الأفراد، وحثّ ضمير الجميع على تبديل الأوضاع الفاسدة والأحوال الّتي لا تُطاق (الفقرة 16).
5. إنّ الخطايا الاجتماعيّة الّتي ذكرناها في الفقرة السّابقة (4) هي نتيجة عدّة خطايا شخصيّة متراكمة ومترابطة. إنّها خطايا شخصيّة يقترفها: من يتسبّب بالظّلم ويسانده أو يستغلّه؛ ومن كان بإمكانه العمل على تحاشي بعض الأضرار الاجتماعيّة وإزالتها، أو على الأقلّ وضع حدّ لها، وتقاعس عن ذلك إهمالاً وخوفًا وممالقةً وسكوتًا مخزيًا، وتواطؤًا مقنّعًا أو لا مبالاة؛ ومن يختبئ وراء الادّعاء باستحالة تغيير العالم؛ ومن يريد اجتناب المشقّة أو التّضحية باختلاقه أسبابًا هامّة. إنّ المسؤوليَّة الحقيقيّة تقع إذن على عاتق الأشخاص. أجل، في أساس كلّ وضع أو حالة خطيئة أناس خطأة (الفقرة 16)."