الرّهبانيّة الأنطونيّة أحيت يوبيل تأسيسها خلال قدّاس ترأّسه الرّاعي بحضور الرّئيس عون
وفي عظته الّتي ألقاها للمناسبة بعنوان: "تعظّم نفسي الرّبّ... لأنّ القدير صنع بي عظائم" (لو 1: 46 و49)، قال الرّاعي:
"فخامة رئيس الجمهوريّة،
السّيّدة اللّبنانيّة الأولى،
1. إنّ حضوركم اليوم في احتفالين كبيرين: عيد انتقال أمّنا مريم العذراء، بنفسها وجسدها إلى السّماء، وعيد احتفال الرّهبانيّة الأنطونيّة المارونيّة الجليلة بيوبيل مرور 325 سنة على تأسيسها، إنّما يضفي على المناسبتين رونقًا خاصًّا مزدوجًا: الرّونق الأوّل إيمانكم الثّابت بعقيدة الانتقال الإيمانيّة الّتي أعلنها المكرّم البابا بيوس الثّاني عشر في أوّل تشرين الثّاني 1954. والرّونق الثّاني الشّكر للعناية الإلهيّة الّتي رافقت الرّهبانيّة الأنطونيّة بتقدّم مستمرّ، وتقديس للذّات، وإعلان لكلام الله، مع الصّلوات والآلام والشّهداء، أسوةً بسواها من الرّهبانيّات الّتي تغني كنائسنا في لبنان.
وها وجودكم اليوم على رأس المصلّين من أساقفة وكهنة ورهبان وراهبات، ومن أصحاب الدّولة والمعالي والسّعادة، وأصحاب المقامات الرّوحيّة والمدنيّة والعسكريّة، وفي مقدّمتهم سيادة السّفير البابويّ المطران Paolo Borgia، دليل على ايمانكم وصلاتكم من أجل لبنان في هذا الظّرف الدّقيق للغاية، ومن أجل اخراجه من المحنة الّتي تعيشونها مع معاونيكم في الحكم ومع الشّعب اللّبنانيّ كافّة. وإنّا نصلّي معكم من أجل بسط سيادة الدّولة وإحلال سلام دائم وعادل على الأرض اللّبنانيّة بكاملها، وبدء خطّة إعادة الإعمار.
وجودكم معنا اليوم تعبير عن وحدة الإيمان، وعمق التّعلّق بالعذراء مريم، الّتي لا يزال وطننا وشعبنا بحمايتها، وهي ترافق مسيرتنا بالصّلاة والنّعمة.
2. "تعظّم نفسي الرّبّ... لأنّ القدير صنع بي عظائم" (لو 1: 46 و49).
عظائم الله لمريم تجد اكتمالها في عيد انتقال مريم بنفسها وجسدها إلى السّماء الّذي نحتفل به اليوم.
أولى العظائم، عصمة مريم من الخطيئة الأصليّة، الموروثة من أبوينا الأوّلين، فمنذ اللّحظة الأولى لتكوينها في حشى أمّها القدّيسة حنّة زوجة البارّ يواكيم، تدخل الله وعصمها من هذه الخطيئة، لتكون في تصميمه الإلهيّ أمًّا نقيّة ممتلئة نعمة للمسيح فادي الإنسان ومخلّص العالم. هذه العقيدة الإيمانيّة أعلنها الطّوباويّ البابا بيوس التّاسع في 8 كانون الأوّل 1854.
ثاني العظائم، بتوليّة مريم الدّائمة. فقد أصبحت أمًّا للكلمة المتجسّد بقوّة الرّوح القدس، من دون زرع بشريّ فكانت عذراء قبل الميلاد وفيه وبعده، وتمّت نبوءة اشعيا: "ها العذراء تحبل وتلد ابنًا اسمه عمّانوئيل" (متّى 1:23).
ثالث العظائم، أمومتها لابن الله المتجسّد. وهذه عقيدة إيمانيّة أعلنها مجمع أفسس سنة 431: بقوله إنّ مريم هي والدة الإله في الزّمن.
رابع العظائم، شريكة الفداء. فبإيمانها الصّامد وصلت مع ابنها الفادي الإلهيّ حتّى الصّليب، متألّمة معه بصبر وصمت، لكي يتحقّق كلّ تدبير الله الخلاصيّ (الدّستور العقائديّ في الكنيسة، 58).
خامس العظائم: أمومة مريم للكنيسة أعلنها القدّيس البابا بولس السّادس أثناء المجمع الفاتيكانيّ الثّاني.
تتويج هذه العظائم، انتقال العذراء بنفسها وجسدها إلى مجد السّماء. هي عقيدة إيمانيّة أعلنها المكرّم البابا بيوس الثّاني عشر في أوّل تشرين الثّاني 1954، بهذه الكلمات: "تتويجًا رفيعًا لإنعاماتها، شاء الله أن ينقلها بنفسها وجسدها إلى مجد السّماء الأسمى، حيث تتلألأ ملكة عن يمين ابنها الملك الّذي لا يموت إلى دهر الدّهور" (براءة إعلان العقيدة: الدّستور الرّسوليّ: "الله العجيب جدًّا").
3. ونحتفل اليوم بيوبيل 325 سنة لتأسيس الرّهبانيّة الأنطونيّة المارونيّة الجليلة. ففي 15 آب 1700 بدأت الرّهبانيّة مسيرتها ببركة البطريرك جبرائيل الثّاني البلوزاني، مع ثلاثة رهبان صعدوا من دير طاميش إلى تلّة مار اشعيا- برمّانا وأسّسوا هنا بذار الحياة الرّهبانيّة.
فإنّا نهنّئ الرّهبانيّة بيوبيلها، بشخص قدس الرّئيس العامّ الأباتي جوزيف بو رعد، والآباء المدبّرين، وسائر أبناء الرّهبانيّة، المئة والخمسين، العاملين في أكثر من ثلاثين ديرًا في لبنان وبلدان الانتشار، ويديرون اثنتي عشرة مدرسة وجامعة، وميتمًا للأطفال المتروكين، وسواها من النّشاطات الرّوحيّة والرّاعويّة والاجتماعيّة والإنسانيّة والثّقافيّة والموسيقيّة.
وللرّهبانيّة نشاط مرموق على صعيد الرّسالات في بلدان الإنتشار، مثل روما، وفرنسا، وبلجيكا، وسويسرا، وكندا، وأستراليا وسوريا، وسلطنة عمان.
4. يتزامن يوبيل تأسيس الرّهبانيّة الأنطونيّة مع يوبيل الكنيسة الكبيرة الّذي أعلنه السّعيد الذّكر البابا فرنسيس بموضوع: "الرّجاء لا يخيب" (روم 5: 5). والرّهبانيّة اختارت ليوبيلها شعار: "فرحون بالرّجاء" (روم 12:12).
عرف تاريخ الرّهبانيّة التّهجير والمجاعات والمجازر، لكن أديارها ظلّت أديار رجاء، وخدمة وصلاة. ولها شهداء سقطوا من دير مار روكز إلى جزّين وعجلتون، حتّى الأبوين ألبير شرفان وسليمان أبي خليل اللّذين خطفا من دير القلعة، ولا يزال مصيرهما مجهولًا.
لكن الرّهبانيّة تسير إلى الأمام بالصّلاة والتّقشّف والنّسك. وفيها اليوم ثلاثة حبساء، يجسّدون بأجسادهم على الأرض، وبقلوبهم في السّماء، المعنى الأعمق للتّفرّغ الكامل لله، شباب نذروا النّسك ليكونوا ملحًا يقدّس العالم بالوحدة والصّمت والصّلاة.
في كلّ هذه الحالات، سارت الرّهبانيّة وتسير بروحانيّة القدّيس أنطونيوس الكبير، ومار اشعيا، وتشعّ بنور الإيمان والمحبّة والخدمة، نورٍ عمره 325 سنة ولن ينطفئ.
5. من أمام أمّنا العذراء مريم، الّتي صنع فيها الله العظائم، نرفع أنظارنا إلى لبنان الجريح والمتألّم، لكنّه الغنيّ بنعمة الله الّتي تصنع فيه العظائم، لأنّه وطن الرّسالة والدّعوة، وطن القداسة والشّهادة، وطن الشّركة والتّنوّع، أرض أرادها الله منارة في هذا الشّرق. نصلّي كي يجعلنا الله إرادة وطنيّة صادقة، وجهدًا مستمرًّا للخروج من عقليّة المحاصصة والتّعطيل والانغلاق، نحو فكر وطنيّ جامع، يبني ولا يهدم، يوحّد ولا يفرّق.
فنرفع نشيد المجد لله، الآب والإبن والرّوح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين."