لبنان
04 آب 2025, 13:20

الرّهبانيّة المريميّة احتفلت بعيد سيّدة التّلّة- دير القمر بمشاركة الرّئيس عون

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس الرّئيس العامّ للرّهبانيّة المارونيّة المريميّة الأباتي إدمون رزق، يوم الأحد، القدّاس الإلهيّ بمناسبة عيد سيّدة التّلّة- دير القمر، بحضور رئيس الجمهوريّة العماد جوزف عون.

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى رزق عظة جاء فيها:

"فخامة الرّئيس،

نستقبلكم اليوم، بقلوب ملؤها الإيمان والرّجاء والمحبّة، في عيد سيّدة التّلّة، هنا في دير القمر، حيث جعلت الرّهبانيّة المارونيّة المريميّة بيت شفيعتها وباتت ترعى هذا المقام المقدّس منذ أجيال، وتصونه بالصّلاة والخدمة، وحيث تتجدّد فيه الرّوابط بين أبناء هٰذه الأرض الطّيّبة.

سعادة السّفير البابويّ،

ممثّل سيادة راعي الأبرشيّة

سيادة المطران

سعادة النّوّاب والوزراء، الفعاليّات والمقامات

حضرة رئيس أنطش سيّدة التّلّة

حضرات الآباء المدبّرين والآباء الأجلّاء والرّاهبات،

إخوتي أخواتي،

عيد مريم قد أتى، هلمّوا معًا نحتفل بعيد أمّنا!

في مستهلّ كلمتي أنقل إليكم يا صاحب الفخامة محبّة وصلاة ومعايدة راعي أبرشيّة صيدا المارونيّة المطران مارون العمّار السّامي الاحترام، الّذي تعذّر حضوره.

عيد مريم يجلب معه الأحبّة من كلّ صوب، وديرها دير القمر يصبح ساحة بهجة بوجود أحبابها، الّذين يأتون مسرعين ليفرحوا في عيدها وفي هذا المقام، مقامها الكريم.

أنقول المثل اللّبنانيّ الشّهير "الإم بتلم"؟ أم نقول "الجنّة تحت أقدام الأمّهات"؟

نحن اللّبنانيّون، نحبّ أمّهاتنا وهنّ أساس مجتمعنا، وأعيادهنّ فيها أجمل اللّقاءات وأطيب الولائم. فعيد الأمّ، هو عيد كلّ واحد من أبنائها وبناتها. الكلّ يلتقي، لأنّ الأمّ تدعوهم واحدًا فواحد ليزوروها، وتزرع فيهم الشّوق والأمان، فيأتون إليها. نعم، هذه حال سيّدة التّلّة، الّتي تدعونا كلّ سنة لنزورها هنا، في مقامها الكريم، لنلتقي ببعضنا البعض، في عيد ولا أجمل: عيدها هي وعيد بيتها، وعيد هذه البلدة الحبية: دير القمر العريقة!

ما أبهى هٰذا اللّقاء، وما أقدسه، إذ ينعقد تحت نظر العذراء مريم، شفيعة لبنان الأولى، ونجمة رجائه!

عيد سيّدة التّلّة ليس مناسبةً محلّيّةً فحسب، بل موعدًا وطنيًّا روحيًّا، يتجدّد فيه اللّقاء بين السّماء والأرض، بين الإيمان والدّولة، بين العذراء ولبنان الرّسالة.

ونحن اليوم نحيي تقليدًا عريقًا، عمره أكثر من خمس وسبعين سنةً، بدأه الرّئيس بشارة الخوري وأكمله من بعد الرّئيس كميل نمر شمعون؛ حين ثبّت مشاركة رئيس الجمهوريّة في قدّاس هٰذا العيد، تجاوبًا مع دعوة المطران أغوسطينوس البستاني سليل رهبانيّتنا عام 1936، فصار هٰذا العيد محطّةً وطنيّةً مضيئةً، يتجلّى فيها حضور الدّولة في قلب الإيمان،

يشرّفنا اليوم، يا فخامة الرّئيس، أن نستعيد هٰذا التّقليد معكم، وأن نرفع معكم الصّلاة من أجل وطننا الجريح، في زمن دقيق، تتزاحم فيه الأزمات، وتتعمّق فيه الحاجة إلى رجاء صلب لا يخيب.

وباسم الرّهبانيّة المارونيّة المريميّة، وأبناء الرّعيّة، وفي ختام الذّبيحة نهدي إليكم أيقونة سيّدة التّلّة، عربون محبّة ووفاء؛ وصلاتنا أن ترافقكم في مسؤوليّتكم الوطنيّة. فهٰذه الأيقونة ليست مجرّد هديّة رمزيّة، بل صورة الأمّ الحامية، السّاهرة من علياء التّلّة على هٰذا الشّعب، الهامسة في صمتها: "ٱفعلوا ما يأمركم به!" (يو 2: 5).

إنّ أيقونة سيّدة التّلّة هي رفيقة كلّ أهل هذه الدّيار، أينما كان مسكنهم: في لبنان أم في الخارج. ولهذا، فإنّ هديّة أهل هذه المنطقة لكم، هي هديّة الأخوّة والبنوّة لمريم والانتماء لهذه الأرض. فالعذراء الحامية تسهر على بنيها. وهي تشهد لتاريخ التّآلف في أرض الجبل، كأنّه بدأ هنا، لأنّ سيّدة التّلّة، بجمع بنيها، جعلته تاريخ تواصل واحترام ومودّة بين أبناء الدّير وأبناء الرّهبانيّة فنمونا بانتماء واحد: انتماء وطنيّ وروحيّ، اجتماعيّ وثقافيّ، تحت نظر الأمّ الواحدة، واتّحدنا كإخوة وروابطنا قويّة، ومبادؤنا ثابة...كلّنا مريميّون...

كلّنا أهل البيت وعيدنا اليوم!

وهكذا يأخذ هذا العيد بعدًا أخويًّا صلبًا، يتحدّى كلّ الاختلافات، ليصبح مقام السّيّدة العذراء، ديرًا للرّهبان ولأهل دير القمر. وهذا دليل ونموذج صالح على جمال العيش المشترك وعلى غنى قلوبنا جميعًا بالمحبّة وتواصل سعينا من أجل السّلام. نعم، بيت سيّدة التّلّة هو نموذج مصغّر عن "وطن الرّسالة"، لبنان.

اليوم، وقد اجتمعنا في رحاب مريم، لا يمكننا أن نتغاضى التّأمّل بسرّ عظمة العذراء المتواضعة الّتي أنشدت: "تعظّم نفسي الرّبّ، وتبتهج روحي بالله مخلّصي"، وهذا إقرار صادق بأنّنا حين نعترف بعظمة الرّبّ وعمله في حياتنا، سيتملكنا الفرح، لأنّ صغرنا وضعفنا لن يكونا بحاجزين أمام سعادتنا.

هذا سرّ المؤمنين، الّذين يدركون أنّ الله يعمل الحقّ والخير والجمال في حياة كلّ واحد منّا. والاتّكال عليه، وعلى عنايته، هو رجاء محرّر من قيود الخوف والقلق أمام الغد المجهول.

هذا سرّ التّضامن بين البشر، بين أهل كلّ دار وديار، أن أعترف أنّي لست الأقوى، لأنّ الله القويّ الجبّار، هو الأقوى، ومعه لا يمكن للخوف أن يدركني!

هذا مسار الأخوّة، أن نسير معًا في اتّجاه الهدف الواحد، في التّواضع والفرح، وفي الإسراع إلى الخدمة والعمل من أجل الخير العامّ!

أجل، هكذا هي هذه التّلّة: دير إيمان وتضامن وأخوّة! دير للقمر، الّذي ينير بتواضع على أهل هذه الدّار ولا يميّز بين بيت وآخر، ولا يخفي نوره عن أيّ دار!

اليوم، نعظّم الرّبّ معًا، ونشكره على كلّ ما صنع في أرضنا ومن أجلنا، وعلى هذا العهد الجديد مع فخامة رئيس جمهوريّة نضع فيه ثقتنا وآمالنا!

فخامة الرّئيس،

شكرًا لحضوركم، الّذي يؤكّد وحدة اللّبنانيّين ويحيّي وحدة الجبل، شهادة التّعايش والانفتاح. شكرًا لوقوفكم معنا، ولقربكم من هٰذا البيت المريميّ. نصلّي من أجلكم، ومن أجل وطننا، ليبقى لبنان منارةً للرّجاء في هٰذا الشّرق المتعب.

ونرحّب بكلّ الشّخصيّات الرّسميّة والرّوحيّة، المدنيّة والعسكريّة، وبكلّ مؤمن جاء اليوم ليكرّم أمّنا العذراء، سيّدة هٰذا الجبل، وحامية هٰذا الوطن.

نسأل سيّدة التّلّة أن تبارك خطاكم، وتحفظ لبنان، رئيسًا وشعبًا، وأن تزرع في القلوب الطّمأنينة، وفي النّفوس السّلام، وفي هٰذا الوطن الرّجاء.

ولا بدّ ان نرفع صلاتنا أيضًا من أجل سليل رهبانيّتنا غبطة السّيّد البطريرك مار بشارة بطرس الرّاعي ابن هذا البيت المريميّ الّذي ترعرع فيه حتّى يمنحه الرّبّ القوّة لمتابعة قيادة سفينة كنيستنا.

أهلًا وسهلًا بكم في دير القمر، عاصمة الأمراء، في حضرة سيّدة التّلّة، أمّ الرّجاء.

كلّ عيد وأنتم بخير، وعيد مبارك للجميع، في ظلّ حماية سيّدة التّلّة. آمين."