لبنان
10 تموز 2023, 07:50

الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة ودّعت الأباتي باسيل الهاشم في صلاة ترأّسها الرّاعي

تيلي لوميار/ نورسات
ودّعت الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة، يوم السّبت، رئيسها العامّ الأسبق الأباتي باسيل الهاشم في صلاة ترأّسها البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشاره بطرس الرّاعي، في دير مار أنطونيوس- غزير، دير الرّئاسة العامّة، بمشاركة لفيف من المطارنة، والقائم بأعمال السّفارة البابويّة في لبنان المونسنيور دجيوفنّي بكّيرّي والأب العامّ هادي محفوظ، وعدد من الرّؤساء العامّين والرّئيسات العامّات، ومجمع الرّئاسة العامّة، ورؤساء الأديار، والرّهبان والرّاهبات، وعدد من النّوّاب والفعاليّات السّياسيّة والاجتماعيّة، وعائلة الفقيد وعدد من الأصدقاء.

خلال الصّلاة، ألقى البطريرك الرّاعي عظة جاء فيها:  

"1. هذا الكلام قاله الرّبّ يسوع عن نفسه، ويقوله أيضًا عن كلّ مسيحيّ، أكان من الإكليروس أم من المؤمنين، لأنّه "يرسلهم كما أرسله الآب" (متّى 28: 18). ليتكلّموا بكلام الله. ومنهم المرحوم الأباتي باسيل الهاشم الّذي نودّعه مع الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة الجليلة، ومع ذويه وأنسبائه من آل الهاشم وأهالي رشميّا وسواهم.

2. أدرك المرحوم الأباتي باسيل أنّه من الّذين "أرسلهم الله ليتكلّموا بكلام الله" (راجع يو 3: 34). وهذا ما فعل طيلة الثّماني والتّسعين سنة من العمر، فيما الكلام الرّائج يؤكّد أنّه تجاوز المئة عام. ومهما يكن من أمر، فقد قبل في فكره وقلبه كلام الله، وبه تكلّم قولًا وعملًا: راهبًا عاديًّا، وصاحب مسؤوليّة بين صغيرة وكبيرة، وكاهنًا. وهو يدرك أنّه مدعوّ كلّ يوم ليواصل اتّباع الرّبّ يسوع على طريق المحبّة الكاملة.

3. لقد تربّى التّربية الأساسيّة في البيت الوالديّ في بلدة رشميّا العزيزة، واستكمل تربيته في مراحل حياته الرّهبانيّة كافّة، حتّى رسامته الكهنوتيّة في دير مار يوحنّا المعمدان– رشميّا في العام 1957، واختصاصه بعلم الاجتماع في فرنسا. دامت حياته في الرّهبانيّة منذ دخولها أربعًا وثمانين سنة، وحياته الكهنوتيّة ستًّا وستّين. فكانت كلّها غنيّة بثمار كلام الله في حياته، الظّاهرة في ما تميّز به من فضائل وصفات رهبانيّة وكهنوتيّة، وفي حسن علاقاته الاجتماعيّة، ولطفه في التّعاطي، وطيبه في الحديث، وإخلاصه في القول، وشفافيّته في الكلام والعمل، وابتسامته المعبّرة. بهذه الصّفات تعرّفت إليه في أواخر السّبعينات عندما كنت كاهنًا لرعيّة مار أنطونيوس ومار شربل أدونيس في زوق مصبح. كان ذلك في منزل صديق مشترك سبقه منذ حوالي ثلاث سنوات إلى دار الخلود متأثّرًا بجائحة الكورونا. ولفتتني نوعيّة الصّداقة القائمة بينهما على الكثير من الاحترام والاعتبار المتبادلين. وكان ذاك المرحوم الصّديق يرغب من صميم قلبه أن أتعرّف إلى الأب باسيل الهاشم الّذي كان في حينه مديرًا عامًّا لمدارس الرّهبانيّة وضيعًا في شؤون التّربية. وكنت أنا رئيسًا لمدرسة سيّدة اللّويزة، استفدت الكثير من معرفته وخبرته، ومنذ ذلك اللّقاء نشأت فيما بيننا روابط محبّة وتقدير، تشدّدت أواصرها مع مرّ السّنين.

4. بفضل غنى شخصيّته، أحاطته السّلطة الرّهبانيّة

المتعاقبة بالثّقة والتّقدير. فأسندت إليه في مرحلة أولى شؤونًا تربويّة: كأستاذ لعلم الاجتماع في جامعة الرّوح القدس- الكسليك، وكعميد لكلّيّة العلوم التّجاريّة فيها، وكمدير لكلّ من مدرستي المعهد اللّبنانيّ- بيت شباب، ومدرسة سيّدة مشموشة، ثمّ كمدير عامّ مدارس الرّهبانيّة. وعلى الصّعيد العامّ عيّنته السّلطة الرّهبانيّة وكيلًا عامًّا لدى الكرسيّ الرّسوليّ في روما لمدّة ستّ سنوات، كان فيها وجه الرّهبانيّة المشرق لدى الدّوائر الفاتيكانيّ. ومن بعدها انتخبه أبناء الرّهبانيّة رئيسًا عامًّا من سنة 1986 حتّى سنة 1992. فكان أوّل رئيس عامّ سكن مع الإدارة العامّة في دير مار أنطونيوس هذا، بعد أن أنجز بناء القسم الجديد والأكبر فيه. فكان عهد رئاسته زمن ترميم للأديار بعد إصابات الحرب المشؤومة، وجمع الشّمل وتركيز الحياة الرّهبانيّة.

وإذ كان للسّلطات المتعاقبة في الرّهبانيّة تقدير للمرحوم الأباتي باسيل، فأسندت إليه بعد إنهائه عهد رئاسته العامّة رئاسة الأديار التّالية: دير القدّيسة تقلا- وادي شحرور، دير مار شربل الجيّة، دير سيّدة مشوشة على دورتين، دير مار يوحنّا المعمدان- رشميّا. بعد كلّ هذه المسؤوليّات عاش مرّة راهبًا ديريًّا، ومرّة رئيسًا في كلّ من ديري مشموشة ورشميّا. أمّا السّنوات الأربع الأخيرة من حياته فقضاها راهبًا ديريًّا في دير رشميّا. الأباتي باسيل الهاشم كان هو هو سواء في مركز الرّئاسة أم في حالة الرّاهب العاديّ، راهبًا بكلّ معنى الكلمة، وصاحب نبلٍ.

5. هذا كلّه يدلّ على أنّه عاش حياته الرّهبانيّة باقتناع، وفي حالة شكر دائم لله الّذي، في سرّ تدبيره منحه شيخوخة متقدّمة جاورت المئة سنة مع كامل الوعي والإدراك حتّى اللّحظة الأخيرة من حياته. فيحقّ له أن يقول لإخوته في الرّهبانيّة الجليلة ما قاله بولس الرّسول لتلميذه تيموتاوس: "أمّا أنا فقد جاهدت الجهاد الحسن، وتمّمت سعيي، وحفظت إيماني" (2 تيم 4: 7).

أمّا نحن فنصلّي إلى "الله الدّيّان العادل كي يحفظ له إكليل البرّ" مع القدّيسين والأبرار من أبناء الرّهبانيّة العزيزة. وعلى هذا الرّجاء نقدّم تعازينا الحارّة لقدس الرّئيس العامّ الأباتي هادي محفوظ ومجلس المدبّرين وسائر أبناء الرّهبانيّة اللّبنانيّة الجليلة، ولشقيقه إميل وشقيقته عليا وأسرتيهما، ولعائلتي المرحومين شقيقيه بديع وأنطوان، ولسائر أنسبائهم وذويهم في الوطن والمهجر سائلين لنفسه الرّاحة الأبديّة في مجد السّماء، وللرّهبانيّة الجليلة التّعويض برهبان قدّيسين. المسيح قام!".

بعد الجنّاز، توجّه موكب الرّهبان والأهل إلى دير مار يوحنّا المعمدان- رشميّا، حيث دُفن الأباتي باسيل الهاشم.