دينيّة
25 أيار 2025, 13:00

الصّعود الإلهيّ

تيلي لوميار/ نورسات
الصّعود الإلهيّ الّذي يحلّ بعد أربعين يومًا من الفصح، هو عيد قديم في المسيحيّة. عن أصوله وميّزاته كتب خادم وكاهن عائلة كنيسة الصّليب للرّوم الأرثوذكس في النّبعة الأب باسيليوس محفوض في مقاله الجديد:

"تعيّد كنيستي بعد مرور أربعين يومًا من الفصح عيد صعود المسيح إلى السّماء. وفي قانون الإيمان الذي يتلوه المؤمنون كلّما رفعوا صلواتهم في القدّاس الإلهيّ يعلنون إيمانهم المسيحيّ باللّه الواحد المثلّث الأقانيم، الآب الخالق، والابن الفادي، والرّوح القدس المعزّي. وكذلك يعلنون إيمانهم بالمسيح المخلّص: "... أؤمن بربّ واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد… وتألّم وقبر وقام في اليوم الثّالث وصعد إلى السّماء وجلس عن يمين الآب…".

لذا يعتبر هذا العيد من الأعياد القديمة في الكنيسة المسيحيّة إذ كان يحتفل به في القرن الرّابع إذ ورد على لائحة الأعياد التي كان يحتفل بها في هذا القرن. قبل ذلك كانوا يعيّدونه في يوم العنصرة أو في يوم بين الفصح والعنصرة. ترك القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفمّ لنا عظة جميلة حول هذا العيد، ويعتبر هذا العيد قديمًا جدًّا وذكره أيضًا القدّيس أثناسيوس الكبير وغريغوريوس النّيصصي. وكذلك ذكره المغبوط أوغسطين في عظاته

إلى أيّ حدّ نستطيع أن نفهم العبارات الثّلاث: صعد، وجلس، يمين الآب. هذه الصّور الثّلاث المجتمعة في هذه الجملة القصيرة تحتاج إلى توضيح كبير، لكي نتخطّى الصّور لإدراك المعنى.

تمتاز صورة "الصّعود" بوجهين: الانفصال عن توقف شكل معيّن من العلاقة بين المسيح وتلامذته حتّى مجيء المسيح الثّاني. وتعبر أيضًا عن رفع إلى فوق أيّ إلى تمجيده، إنّ يسوع هو ربّ وسيّد في المجد وحاضر للأبد بعد موته، صورة الرّفع هي تعكس التّقليد اليهوديّ للكتاب المقدّس القائل بأنّ الله يرفع من أذلّ ويقي البارّ من الموت برفعه إيّاه إلى السّماء. هذا المفهوم لا يفترض بوجود علم لاهوتيّ ينطلق من كسمولوجيّة ذات ثلاث طبقات: السّماء فوق حيث الله، والأرض حيث يعيش النّاس، ومثوى الأموات تحت الأرض حيث يقيم الأموات.

"المسيح من حيث إله لا يصعد ولا ينزل ولكن من حيث هو بشر يقال إنّه صعد ليكشف طبيعته البشريّة كاملة ومعادلة للآلهة... وأيضًا... من حيث كونه الإله غير المنظور هو أيضًا غير متنقل وغير مقيم وليس فقط لا يسعه مكان وإذا قيل في كلّ مكان فما هذا إلّا من باب التّعبير عن رعايته لكلّ مخلوقاته… ولكن ليس هذا بمعنى الامتداد. لأنّه إذا جرى عليه الامتداد يكون متلبّسًا جسدًا أو مادّة ما." (المطران جورج خضر، "النّهار" 30- أيّار-1998).

تتمحور فكرة الصّعود في فكرة جلوس المسيح عن يمين الآب، أيّ كشف مساواته للآب والنّيابة الدّائمة والحاضرة مع الآب في كلّ شيء. فحين نقول إنّ المسيح جلس عن يمين قدرة الله نعني أنّه يشارك في هذه القدرة وأنّه قدير كاللّه وفي آخر الأمر إنّه الله. بالفعل قد استلم المسيح كلّ ما للآب من ملك وسلطان وقدرة ومجد وقضاء الدّينونة على كلّ الخليقة ممّا في السّماء والأرض (فيلبي 2-10). ويؤكّد بولس الرّسول ذلك بقوله في الرّسالة نفسها التي تقول "إنّ الذي نزل من السّماء هو نفسه الذي صعد إلى فوق السّماوات كلّها ليملأ كلّ شيء".

لا بدّ من الإشارة إلى أنّ المسيح لم يصعد لنفسه كأنّه لم يكن في حضن الآب لحظة ما أو انفصل عن الآب وقتًا ما، بل إنّ المسيح مات وقبر وقام وظهر ببشريّته من أجل خلاصنا ليجلسنا ويمجّدنا معه في السّماء (أفسس 2-6). لهذا لم يحسب موت المسيح نقصًا بل هو الاتّضاع وطاعة إلى درجة الإخلاء (فيلبي 2: 7 و8 ) وأنّ قيامته وصعوده وجلوسه عن يمين الآب لا تحسب له اختلاسًا (فيلبي 2 : 6\11 ).

صعود المسيح هو نتيجة حتميّة مباشرة لانتصاره على الموت، وبالتّالي فجلوسه عن يمين الآب ما هو إلّا التّعبير الذي يشرح بدء الدّينونة أيّ بمعنى بدء ملك المسيح أو ملكوته في السّماء والأرض.

هكذا أصبح صعود المسيح وجلوسه عن يمين الآب مكمّلًا للصّليب وتتمّة لسرّ القيامة، فهو إعلان بدء ملكوت المسيح الخلاصيّ، كما قلنا سابقًا، حيث استلمت الكنيسة معه في لحظة جلوسه عن يمين الآب الشّركة الكاملة في تنفيذ هذا الملكوت وإعلانه في كلّ الأمم بكلّ سلطانه وقدرته، وستستمرّ في تنفيذه وإعلانه إلى اليوم الأخير. هذا يعني أن نكون متّحدين معه بالإيمان وأسرار الإلهيّة، ومكتفين بما فوق لأنّ حياتنا الحقّة "مستترة مع المسيح في الله" ( كولوسي3: 1-3)، ولنسمع بولس الرّسول إذ يقول: "ابتغوا ما هو فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. افطنوا لما ما هو فوق لا لم هو على الأرض" ( كولوسي 2 : 1 و2)."