لبنان
15 آذار 2023, 15:00

الصّوريّ: عدم راحة القلب تأتي من الكبرياء المعشّش فينا

تيلي لوميار/ نورسات
عن التّوبة "الّتي هي مسعانا في هذا الصّوم، لنحقّق قيامتنا"، والّتي إذا فشلنا بتحقيقها نخسر جهادنا، تحدّث راعي أبرشيّة زحلة وبعلبك وتوابعهما للرّوم الأرثوذكس أنطونيوس الصّوريّ يوم الإثنين خلال صلاة النّوم الكبرى في كنيسة القدّيس جاورجيوس- قاع الرّيم، معتبرًا أنّ "التّوبة هي الحياة، هي ولادتنا الجديدة، هي الطّريق إلى الحياة الأبديّة".

وتساءل الصّوريّ "ما الّذي يعيق الإنسان بمسيرة التّوبة؟"، فأجاب: "الكبرياء!!! كلّنا مملؤون كبرياء، هناك كبرياء واضح وكبرياء خبيث يتمظهر صاحبه بالاتّضاع في حين أنّ قلبه مليء بالتّشامخ والاحتقار للآخرين.

كلّنا مضروبون بالكبرياء ولكن بدرجات مختلفة.  

الرّبّ يسوع قال مرّة واحدة فقط في الإنجيل كلمة "تعلّموا منّي":

"اِحمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ." (مت 11: 29).

من هنا نفهم أنّ عدم راحة القلب يعني أنّ الّذي فينا هو الغضب والكبرياء، الغضب هو ضدّ الوداعة والكبرياء ضدّ التّواضع.

فكلّما لاحظنا في أنفسنا غضبًا ضدّ أخينا أو نظرة احتقار، فلنعلم أنّ الكبرياء والغضب معشّشان في قلوبنا، وطالما هما معشّشان فينا فلا راحة لنا ولا سلام.

كذلك ابليس يضحك علينا إذ يؤجّج أفكار الدّينونة تجاه الآخر، ويؤجّج أفكار البِرّ الذّاتيّ ويفتح عيوننا على خطايا الآخرين وضعفاتهم، فلا نعود نرى ما فينا من حقارة ومن ذلّ بسبب خطايانا بل نحيا في كذبة البِرّ والتّقوى الخارجيّ".

وتابع: "لماذا أقول هذا الكلام؟ لأنّ كلّ إنسان دون استثناء معرّض لهذا المرض الخبيث، وإن لم نتّضع يستحيل شفاؤنا.

لذلك من كان لديه سعي للعيش بحسب الإيمان، حتّى لو كان لديه فقط ذرّة إيمان، الرّبّ لا يتركه...

وفي حال لم نتجاوب مع وصيّة الرّبّ وروحه فستأتينا الضّربات والإهانة بسبب الخطايا حتّى نتّضع بالقوّة".  

وتساءل الصّوريّ: "أيّهما أيسر أن نواضع أنفسنا أو أن نتلقّى الضّربات لنتّضع؟"، وأجاب متأسّفًا "أنّنا لا نتعلّم بلغة اللّطف والمحبّة، بل بالخوف والتّأديب، وهذا مؤلم للربّ لأنّ الرّبّ أحبَّنا وأتى وعاملنا بلطفه وحنانه، ونحن نبقى متمسّكين بكبريائنا.

ماذا تريد أيّها الإنسان؟ هل أنت الله؟ أتظنّ نفسك الله؟ أنت لا شيء!!!  

في العهد القديم حين كانوا يصومون كانوا يلبسون المسوح ويذرّون الرّماد على رأسهم ويجلسون قرب الزّبالة حتّى يذلّوا أنفسهم ويواضعوها، ومع ذلك كثيرون عاشوا الصّوم بهذه الطّريقة في الشّكل وليس في المضمون...  

لذلك قال لنا الرّبّ يسوع "وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صُمْتَ فَادْهُنْ رَأْسَكَ وَاغْسِلْ وَجْهَكَ" (مت 6: 17).

الرّبّ علّمنا وقال لنا كلّ شيء، قال لنا أنت كاذب يا إنسان... تُب وارجع إليّ، أصلح طريقك واسلك في الاستقامة. أتكذب على الله؟ الله لا يُكذب عليه، تكذب على نفسك وتدمّر نفسك...  

الرّبّ يريد لنا الخلاص، يا أحبّة، يريد لنا أن نتغيّر ولكن أهواؤنا معشّشة فينا، ولكي نتحرّر منها علينا أن نقبل الألم؛ الله لا يريد لنا أن نتألّم ولكن لا مجال للتّحرّر من دون الألم لأنّ الخطيئة صارت لنا طبيعة ثانية، كما يقول الآباء، أيّ أنّ طبيعتنا الحسنة قد لبستها طبيعة أخرى، لذلك التّحرّر من هذه الطّبيعة هي كأن يسلخ الإنسان جلده، وهذا هو الألم...

ومن ليس مستعدًّا أن يتحمّل ألم التّحرّر لن يتحرّر ...

ومن ليس مستعدًّا أن يذلّل نفسه ليكسّر كبرياءه فسوف تذلّه خطاياه وسوف يكسّره كبرياؤه؛ لذلك نصلّي في هذا الصّوم صلاة القدّيس أفرام السّريانيّ:

"أيّها الرّبّ وسيّد حياتي اعتقني من روح البطالة والفضول وحبّ الرّئاسة والكلام البطّال وأنعم عليّ أنا عبدك الخاطئ بروح العفّة واتّضاع الفكر والصّبر والمحبّة" (صلاة التّوبة)."

وفي الختام، تمنّى راعي الأبرشيّة للمؤمنين صومًا مباركًا، طالبًا من الله أن يحفظهم ويقدّس حياتهم، حاثًّا الجميع على مراجعة ضميرهم وتقويم طريقهم، خاتمًا: "فلنستفد من هذا الذّخر والطّاقة الرّوحيّة الّتي نحن موجودين فيها اليوم لكي نتحرّر من دونيّتنا والتصاقنا بالتّراب لكي نرتقي إلى حياة الرّوح بروح الرّبّ."