لبنان
13 كانون الأول 2022, 08:50

العبسيّ ترأّس الصّلاة لراحة نفس عميد سينودس الكنيسة المطران ابراهيم نعمة في مطرانيّة بيروت

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ الصّلاة الجنائزيّة عن نفس المثلّث الرّحمات المطران إبراهيم نعمة عميدِ سينودس الكنيسة المقدّس في مطرانيّة بيروت للرّوم الكاثوليك، عاونه حشد من المطارنة والكهنة في حضور الوزير هكتور حجّار ممثّلاً الرّئيس ميشال عون، والنّائب نقولا صحناوي ممثّلاً رئيس التّيّار الوطنيّ الحرّ النّائب جبران باسيل، والنّائب ملحم رياشي، والنّائب السّابق إدي معلوف، وشخصيّات رسميّة، إضافة إلى أهل الفقيد وحشد من الأصدقاء والمؤمنين.

وبعد الإنجيل المقدّس أبّن العبسيّ المطران الرّاحل وقال: "على مدى سنوات عرفناه في السّينودسِ أخًا وصديقًا، ينشر في ما بيننا روحًا حلوة، بما كان يتمتّع به من دماثة الأخلاق. وعرفناه أيضًا مرشدًا، بما كان له من مشاركات ومداخلات ونصائح تنضح بالحكمة ورجاحة، بحيث أنّه بات مقصدًا للكثيرين يسألونه استشارة أو رأيًا أو نصحًا، وكانت كلماته كهمزة الوصل بين الجميع إن هو بادر وتكلّم.

هذه المسيرة السّينودسيّة الغنيّة الّتي انتهجها فقيدنا الغالي رافقتها مسيرة راعويّة لا تقلّ عنها وزنًا، أحبّ أبرشيّته منذ اللّحظة الأولى فهبّ لخدمتها، يسمع معاناة النّاس وأوجاعهم ويرى همومهم ويلمس أحلامهم وتطلّعاتهم، لاسيّما الشّبابِ الّذين كانت له عناية خاصّة بهم.

هذه المسيرة الكهنوتيّة الغنيّة المتنوّعة صقلت أخانا الرّاقد المطران إبراهيم وهيّأته لمسيرته الأسقفيّة الّتي انطوت، بالإضافة إلى الأعمال السّينودسيّة والرّاعويّة، على أعمال عمرانيّة تُذكر. فلقد قام بترميم وبناء منشآت جَعلتِ الكنائسَ في عموم أنحاء الأبرشيّة مجهّزة بما يلزم للعبادة وأنشطة الرّعيّة. وكان لدير مار إلياس في جوسيه بالقرب من بلدة ربلة حصّتُه من ذلك، وكذلك كنيسةُ ومَقام السّيّدة العذراء على نهر العاصي في ربلة، وأيضًا ديرُ مار يعقوب المقطّعِ في بلدة قارة وقد كان متهدّمًا بكلّيّته فأعاد إعماره مع المرافق والأرزاق المحيطة به وأسّس فيه في 13 أيلول من عام 2000 جماعة رهبانيّة جديدة باسم "راهبات الوحدة الأنطاكيّة". أمّا في مدينة يبرود فقد أعاد إعمار كنيسة دير "ستّ السّيّدة" الأثريِّ وأتبع بها مجمّعًا رعويًّا يحتوي على صالات وقاعات للتّعليم المسيحيّ. لكنّ هذه المشاغل لم تُنسي أخانا المطران إبراهيم أنّه راهب. حبُّ التّجرّد والطّاعة والعفّة لم يفارقه بل كان الدّافع له ليكون مثالًا صالحًا كما يليق برؤساء الكهنة، وليكون رسولًا غيورًا كرّس ذاته لنشر كلمة الإنجيل في حينه وفي غير حينه. وقد تجلّت الصّبغةُ الرُّهبانيّة الّتي اصطبغ بها بنوع خاصّ في حبّه للصّلوات الطّقسيّة وإقامتِها، وفي حرصه على أن تكون جميلة لتقود المصلّي إلى الغاية منها، إلى الاتّحاد بالله وإلى تمجيده كما يليق برؤساء الكهنة أن يفعلوا.

بلغ في عام 2002 الخامسة والسّبعين، وهي السِّنّ القانونيّة للاستقالة، قدّم استقالته، إلّا أنّه عُيّن مدبّرًا بطريركيَّا على الأبرشيّة حتّى شهر أيّار من عام 2006 فاستمرّ في خدمتها إلى ذاك الحين. ولمّا انقضت السّنوات الإضافيّة عاد إلى لبنان، وما لبث أن استقرّ في دير مار أنطونيوسَ الكبيرِ المعروف بدير القرقفي بكفرشيما، يُنهي فيه سنواته الأخيرة بالصّلاة والمطالعة وبما تسمح له صحّته وظروفه من الخدمة الكهنوتيّة والإنسانيّة. إلى أن بات عاجزًا عن النّطق والسّمَع والبصر، فكنتَ تراه ملاكًا في جسد، يغمره نور الله، خاشعًا راضيًا مكتفيًا، لا يعرف أحد مدى ما يقاسيه من الآلام والوحدة إلّا الله وحده الّذي يدبّر كلّ شيء بعمق حكمته ومحبّته للبشر، فناداه إليه في التّاسعِ من هذا الشّهر، في تذكار الحبل بالسّيّدة العذراء الّتي كان لها في قلبه إكرامٌ خاصّ ومحبّة بنويّة، ناداه الله إليه في زمن الاستعداد لميلاد الرّبّ يسوع بالجسد ليولد معه في السّماء لحياة جديدة، لملء الحياة، هامسًا في قلبه: لقد جاهدتَ الجهاد الحسن وحفظتَ الإيمان فها إكليلُ البرّ أكلّلك به، ادخل إلى فرح ربّك. وهوذا نحن قد اجتمعنا من حوله لنصحبه في هذا الدّخول بالصّلوات والتّرانيم مردّدين مع الكنيسة: "هذا الّذي ترك العالم وعاش بسيرة نقيّة وتقوى، في الزّهد والإيمان القويم، بإيمان ورجاء ومحبّة، وخدمك بغيرة وعبادة مستقيمة وتجرّدٍ واتّضاع كما يليق بالله، مجّده أيّها المخلّص في ملكوت السّماوات".

تعزيتي القلبيّةُ الحارّة إلى إخوته وإخوتي السّادةِ الأساقفة أعضاء سينودسنا المقدّس ولاسيّما خلفِه سيادةِ المطران يوحنّا عبدو عربش، وإلى إخوته أبناءِ الرُّهبانيّة الباسيليّة الشّويريّة، وإلى أبناء أبرشيّة حمصَ وحماه ويبرود، وإلى ذويه وأقاربه وأصدقائه ومعارفه، وإلى من خدمهم في حياته، وإليكم أيّها الأحبّاء الحاضرون، سائلًا الله تعالى أن يبلسم قلوبنا بحنانه وسلامه وفرحه، وأن يتقبّل أخانا المطران إبراهيم نعمة في ملكوته ويمتّعه في جواره بالحياة السّعيدة الأبديّة، وأن يجعل ذكره مؤبّدًا. آمين".