لبنان
18 تشرين الأول 2021, 07:50

العبسيّ في رسامة خوام راعيًا لأبرشيّة اللّاذقيّة وطرطوس: في القاموس المسيحيّ ليس من تناقض بين القوّة والمحبّة فالضّعيف لا يستطيع أن يحبّ

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للرّوم الملكيّين الكاثوليك يوسف العبسيّ اللّيتورجيا الإلهيّة بمناسبة رسامة المطران الجديد جورج خوام راعيًا لأبرشيّة اللّاذقيّة وطرطوس، في كنيسة القدّيس بولس في حريصا، عاونه فيها المطرانان كيرلّس بسترس وجاورجيوس حدّاد ولفيف من الكهنة والإكليروس.

حضر الرّسامة: الوزيرة نجلا الرّياشي ممثّلة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون، والنّائب ميشال موسى ممثّلاً رئيس مجلس النّوّاب نبيه برّي، والوزير جورج كلّاس ممثّلاً رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وقنصل سوريا السّيّدة كارين سمرجيان ممثّلة السّفير السّوريّ علي عبد الكريم.

كما حضر اللّواء الرّكن الياس الشّاميّة ممثّلاً قائد الجيش العماد جوزف عون، العقيد فادي صليبا ممثّلاً المدير العامّ لقوى الأمن الدّاخليّ اللّواء عماد عثمان، العقيد إيلي الدّيك ممثّلاً مدير عامّ الأمن العامّ اللّواء عبّاس ابراهيم، العقيد ميشال حدّاد ممثّلاً مدير عامّ أمن الدّولة اللّواء طوني صليبا، إضافة إلى عدد من المطارنة والرّؤساء العامّين والرّئيسات العامّات للرّهبانيّات وشخصيّات رسميّة وأمنيّة ودبلوماسيّة وحشد من المؤمنين.

وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى العبسيّ كلمة قال فيها: "اختار  المطران جورج  رسالة  بولس الرّسول الثّانية إلى تلميذه و"ابنه الحبيب" تيموثاوس،  نهجًا له، والّتي تُليت على مسامعنا منذ قليل، يذكّر بولسُ تيموثاوس بالموهبة الّتي نالها، يذكّره بسرّ الكهنوت الّذي ناله بوضع يده. وختم إيمانيّة في الكنيسة".

أضاف: "في الواقع بين رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس ورسالته الثّانية إليه كانت الجماعة المسيحيّة قد أخذت تبرُد، تنحدر، تتراجع من حيثُ الإيمانُ والحياةُ المسيحيّة. في هذا الواقع الأليم الّذي يشبه واقعنا اليوم في مناطق كثيرة من العالم حيث يفتُر الإيمان ويتراجع بل ينمحي، بل يُضطَهدُ المؤمنون، يُضحي العملُ الرّسوليّ، عملُ كلّ واحد منّا، عملاً فيه مشقّة ووجع وحزن ويأس، ونضحي نحن معرّضين  لتجربة الخجل والحياء من الشّهادة للرّبّ يسوع، إن لم نكن لتجربة النّقوص والتّخلّي. في أيّام الرّسالة الأولى كانت صعوبات بلا شكّ إنّما لم تصلِ الحال إلى ما وصلت إليه من تردٍّ وتراجع في زمن الرّسالة الثّانية وفي زمننا الحاضر المشابه في ذلك الزّمن الجميل كانت خدمة تيموثاوس أسهل، فيها فرح وحماسة ورجاء، بالرّغم ممّا كان فيها أيضًا من صعوبات ممّا لا تخلو منه الحياة، بل كانت هذه الصّعوبات حافزًا لتيموثاوس على أن يكون شجاعًا ومثابرًا لا يخجل بإنجيل الرّبّ يسوع على مثال معلّمه بولس".

وتابع: "عندما يتخلّى الآخرون عنّا، عندما يتخلّى المسيحيّون أنفسهم عنّا، عندما تجاور آنيةُ الخشب والخزف آنيةَ الذّهب والفضّة، عندما يتغلغل الشّرّير إلى قلب الشّهادة، عندما يبرد الحبّ،  إذّاك يتسرّب الخوف إلينا وتضحي شهادتنا تحت الاختبار في تنازع بين الوفاء والنّقوص. في مثل هذه الحال لا يعود الوفاء والحفاظ على الثّبات والمثابرة في العمل أمرًا هيّنًا. في مثل هذه الحال ينبغي أن نجاهد وأن نحتمل المشاقّ وأن نأخذ نصيبنا من الآلام. في مثل هذه الحال ليس لنا إلّا اللهُ صديقًا وملجأ، ليس لنا إلّا روحُ الله، لنقدِر على المثابرة في العمل باسمه ونتمكّنَ من الحصول على سند نعمته في كلّ وقت".

وتوجّه البطريرك العبسيّ إلى المطران الجديد قائلا: "ما نلته الآن يا سيّدنا جورج هو إذن روح قوّة. وهذا الرّوح هو الرّوح القدس عينه. لم تنلْ قوّة من الرّوح القدس بل نلت الرّوح القدس القويّ. أنت الآن قويّ لأنّ الرّوح القدس القويّ ساكن فيك. في حياتنا كرعاة قد نقع في تجربة الخلط بين القوّة والسّلطة، بين القوّة والاستقواء، بين القوّة والاستخفاف. خرافنا في حاجة إلى قوّتنا، تلك الّتي بالرّوح القدس السّاكن فينا. إنّهم في حاجة إلى أن يروا الرّوح القدس القويّ ساكنًا فينا. إذّاك لا يشعرون بالخوف أبدًا. أمّا إذا لم يروا هذا الرّوح القدس القويّ ساكنًا فينا فلسنا في نظرهم سوى أناس متسلّطين مستقوين مستخفّين، أقوياءَ بكلّ شيء إلّا بالمسيح، يعني ضعفاء، فيُعرضون عنّا."

أضاف: "ما نلتَه يا سيّدنا جورج هو أيضًا روح المحبّة. الرّوح القدس المحبّ. في القاموس المسيحيّ ليس من تناقض بين القوّة والمحبّة. القوّة محبّة والمحبّة قوّة. الضّعيف لا يستطيع أن يحبّ. الضّعيف يُداري، يلاطف، يتودّد. القويّ هو القدير على المحبّة. والمحبّة هي أن يعرف الرّاعي الصّالحُ خرافه وأن تعرفه خرافُه. المحبّة هي القوّة على معرفة الخراف الموكلة إلينا. أن نعرفها بأسمائها، برائحتها، بلونها، بشكلها، بمِشيتها، بصوتها. أن نعرف متى تكون مريضة متعبة حزينة ومتى تكون متعافية مرتاحة فرحانة، وأن نشعر معها."  

وتابع: "أّيّها الأخ جورج اليوم يدعوك الرّوح القدس الّذي نلته إلى أن تحبّ رعيّتك الموكلة إليك. أن تحبّ أناسًا لم ترهم قطّ، لم تسمعهم أو تسمعْ بهم، لا تعرف بماذا يفكّرون أو كيف يفكّرون، كيف ينظرون إليك، كيف يشعرون. هذه المحبّة ليست سهلةً لكنّها هي المحبّة القويّة". هنا أيضًا يتبادر إلى ذهننا قول بولس: "إنّي أستطيع كلّ شيء بالّذي يقوّيني". إذا كان الرّوح القدس القويّ المحبّ ساكنًا فينا، وإذا كنّا عائشين مع الرّبّ يسوع فإنّا نستطيع أن نحبّهم. وأن تحبّهم إذّاك، يا سيّدنا جورج، بغضّ النّظر عمّا هم عليه وبغضّ النّظر عمّا يبادلونك، في كلّ الأمور، أحبّوك أم لم يحبّوك، سمعوا لك أم لم يسمعوا، ناصروك أم لم يناصروك، امتدحوك أم انتقدوك. فلتكنِ الرّاعي القويّ المحبّ. إعرِف خرافك."

وأردف: "ما نلتَه اليوم أيّها الأخ جورج هو أيضًا امتلاك النّفس، نلتَ الرّوحَ الّذي يَهدي ويقود ويرشد في الأوقات العسيرة الحرجة، في المشاقّ والآلام، في التّجارب والمحن، في الانتكاسات والضّربات، وكذلك في ساعة القرار والخيار. أن نمتلك أنفسنا عن كلّ ما يبعدنا عن الرّبّ يسوع وعن كلّ ما يبعد المؤمنين عنه أيضًا. أن نسيطر على الأهواء والشّهوات والمماحكات وأن "نصبر على كلّ شيء لأجل المختارين لكي يحصلوا هم أيضًا على الخلاص الّذي في المسيح يسوع مع المجد الأبديّ" على ما يقول بولس لتيموثاوس. أن نمتلك أنفسنا، حرصًا على الوديعة وعلى الشّهادة وإرضاءً للّذي جنّدْنا أنفسَنا له. أن لا ندعَ شيئًا أو أحدًا يعطّل علينا الحياة مع المسيح فتَضيعَ الأمانةُ، لأنّنا عارفون بمن آمنّا وبأنّه أمين "لا يقدر أن يُنكر ذاته". الرّاعي الصّالح يمتلك نفسه لكي لا تبقى نعجة خارج الحظيرة. قد يعتبر البعض امتلاك النّفس فزعًا وضعفًا لكنّه في نظرنا قوّة ومحبّة معًا. إنّه حصيلة القوّة والمحبّة مجتمعتين."  

وقال: "الرّوح الّذي نلته اليوم، أيّها الحبيب جورج، يبقى بلا فعل ولا أثرٍ ما لم تستجب له ما لم تنفتح له بكلّ قلبك وذهنك. حقيقةُ  الرّوح الّذي فينا تَظهر بأعمالنا، بأن نصيّره أعمالاً، وذلك بأن تكون لرعيّتك الجديدة الّتي يأتمنك الرّبّ عليها قويًّا ثابتًا في الإيمان الصّحيح الّذي أعلنتَه اليوم، وأن تكون مثالاً في المحبّة الوادعة، وأن تكون معلّمًا في امتلاك النّفس والقناعة. الشّهادة الحياتيّة اليوميّة الصّادقة النّاصعة هي الّتي تقنع أبناءنا وتجذِبهم  إلينا. هؤلاء يتشوّقون إلى قدومك، يتطلّعون إليك، يعلّقون عليك آمالاً. إنطلق إليهم، أحبّهم باركهم قدّسهم صوّر فيهم المسيح استقِ منهم فرحًا وفخرًا واجعل منهم خاتمًا لرسالتك."  

وشكر العبسيّ مطران اللّاذقيّة السّابق نيقولا صوّاف على "خدمته الأسقفيّة المحبّة والمتفانية على مدى ما يقارب ربع قرن في ظروف وأيّام كثيرًا ما كانت قاسية عسيرة "، كما هنّأ الجمعيّة البولسيّة الّتي "أعطت للكنيسة ابنًا تعبت في تنشئته ليكون مرسلاً على هوى قلب الرّسول بولس، أمدّها الله بمرسلين قدّيسين ينشرون كلمة الإنجيل ويخدمون الكنيسة بروح القوّة والمحبّة وامتلاك النّفس."  

وفي نهاية القدّاس الالهيّ، سلّم البطريرك العبسيّ المطران الجديد عصا الرّعاية، وكانت لخوام كلمة شكر فيها البطريرك العبسيّ والحضور الّذين قدّموا له التّهاني في باحة الكنيسة.