أوروبا
19 نيسان 2021, 14:00

الكاردينال غيسكوت: الجواب على الحرب والأسلحة هو الأخوّة

تيلي لوميار/ نورسات
أكّد رئيس المجلس البابويّ للحوار بين الأديان الكاردينال ميغيل أنجيل أيوزو غيسكوت على ضرورة الحوار بين الأديان كشرط أساسيّ للتّعايش، وذلك في مداخلة ألقاها في إطار المؤتمر الّذي تنظّمه بعثة الكرسيّ الرّسوليّ لدى الأمم المتّحدة في جنيف عبر الإنترنت لتقديم رسالة البابا فرنسيس العامّة Fratelli Tutti حول موضوع "الأخوّة، تعددّيّة الأطراف والسّلام"، فقال نقلاً عن "فاتيكان نيوز":

"يسعدني أن أشارككم، في هذه المناسبة، بعض الأفكار حول مواضيع الحوار بين الأديان والأخوّة في ضوء الرّسالة العامّة  "Fratelli tutti". قال البابا فرنسيس لدى عودته من زيارته الرّسوليّة إلى المغرب، مشيرًا إلى الحوار الإسلاميّ المسيحيّ: "لا يجب أن نخاف من الاختلاف: لقد سمح الله بذلك. وبالتّالي علينا أن نخاف إذا لم نعمل بإخوّة، لكي نسير معًا في الحياة"، لذا فإنّ الحوار بين الأديان هو شرط ضروريّ للتّعايش السّلميّ ولهذا السّبب تحديدًا، وبغضّ النّظر عن جميع الصّعوبات والاختلافات المحتملة، يجب ألّا نتوقّف عن الحوار والتّعاون مع الّذين يفكّرون بشكل مختلف عنّا.

نقرأ في الرّسالة العامّة: "إنَّ الحوار بين أشخاص من ديانات مختلفة لا يتمّ فقط من خلال الدّبلوماسيّة أو المجاملة أو التّسامح (...)، لأنَّ الهدف من الحوار هو إقامة الصّداقة والسّلام والوئام ومشاركة القيم والخبرات الأخلاقيّة والرّوحيّة بروح الحقّ والمحبّة". وبعيدًا عن المكان والزّمان والأشخاص، يذكّرنا الأب الأقدس أنّنا مدعوّون لكي نحقّق ما هو اليوم ضروريّ في كلّ مكان، لعالمنا، أيّ الحوار بين الأديان. وهنا يصبح فنّ معرفة كيفيّة الحوار، بكلّ معانيه، ضرورة. بالنّسبة للبابا فرنسيس، إنّه السّبيل للانفتاح على احتياجات العالم وبناء صداقة اجتماعيّة: "إنَّ الحوار المثابر والشّجاع لا يشكّل خبرًا بالنّسبة للعالم مثل الصّدامات والنّزاعات، ومع ذلك فهو يساعد العالم بشكل خفيّ على أن يعيش بشكل أفضل، أكثر بكثير ممّا يمكننا أن نتصوّر". إنَّ الحوار يحترم الحقيقة ويسعى إليها؛ كذلك يولِّد الحوار ثقافة اللّقاء، أيّ أنّ اللّقاء يصبح أسلوب حياة وشغفًا ورغبة. والشّخص الّذي يحاور هو شخص طيّب ولطيف، يعترف بكرامة الآخر ويحترمها. نقرأ في الرّسالة العامّة "Fratelli tutti" "اللّطف تحرّر من القسوة الّتي تخترق أحيانًا العلاقات البشريّة".

إنَّ الأب الأقدس مقتنع تمامًا أنّه بفضل التّعاون الحقيقيّ بين المؤمنين، يمكننا أن نعمل لكي نساهم في خير الجميع، ونحدّد أشكال الظّلم العديدة الّتي لا يزال يعاني منها هذا العالم وندين جميع أشكال العنف. يكتب البابا فرنسيس في الرّسالة العامّة، الّتي يصفها بنفسه على أنّها اجتماعيّة: "من غير المقبول أن يكون للأقوياء والعلماء فقط صوت في النّقاش العامّ. يجب أن تكون هناك فسحة للتّأمّل تنبع من خلفيّة دينيّة تجمع قرونًا من الخبرة والحكمة". إنَّ المؤمن في الحقيقة هو شاهد وحامل للقيم الّتي يمكنها أن تساهم بشكل كبير في بناء مجتمعات أكثر عدلاً وصحّة. إنَّ الاستقامة والأمانة ومحبّة الخير العامّ والاهتمام بالآخرين وخاصّة بالمعوزين واللّطف والرّحمة، جميع هذه الأمور هي عناصر يمكننا أن نتشاركها مع الأديان المختلفة. علينا أن نقدّم تعاوننا للمجتمعات الّتي نعيش فيها نحن المؤمنين كمواطنين، وأن نضع في متناول الجميع قيمنا المشتركة ومعتقداتنا العميقة للدّفاع عن السّلام والعدالة والكرامة البشريّة وحماية البيئة وتعزيزها. يلعب الحوار بين الأديان وظيفة أساسيّة في بناء التّعايش المدنيّ، ومجتمع يدمج ولا يقوم على ثقافة الإقصاء وهو شرط ضروريّ للسّلام في العالم.

نقرأ الرّسالة العامّة "Fratelli tutti" أيضًا: "في عالم اليوم، تضعف مشاعر الانتماء إلى البشريّة عينها، بينما يبدو حلم بناء العدل والسّلام معًا يوتوبيًّا تعود إلى أزمنة أخرى". الله هو خالق كلّ شيء وخالق الجميع، لذلك نحن أعضاء في عائلة واحدة ويجب أن نعترف بأنّنا كذلك. هذا هو المعيار الأساسيّ الّذي يقدّمه لنا الإيمان لكي ننتقل من التّسامح إلى التّعايش الأخويّ، ونفسِّر الاختلافات الموجودة بيننا، وننزع فتيل العنف ونعيش كأخوة وأخوات. لذلك لنضمن أن تكون الأديان قنوات أخوّة بدلاً من أن تكون حواجز تقسيم، يجب أن نتبنّى ثقافة الحوار كسبيل للتّعاون، وكوسيلة للمعرفة المتبادلة وكمعيار مشترك. هناك حاجة ملحّة تُمليها علينا الحالة العالميّة الحاليّة الّتي يجب أن تضع جانبًا التّحيّزات والتّأخير والصّعوبات. وبدون أن نتخلّى عن هوِّيتنا يجب علينا أن نؤكِّد على الحاجة إلى الأخوّة الإنسانيّة والصّداقة الاجتماعيّة كشرطين ضروريّين للحصول على الشّفاء والسّلام اللّذين يتوق إليهما العالم بأسره.

لذلك، أضاف الكاردينال ميغيل أنجيل أيوزو غيكسوت يقول، وبالنّسبة لي، فإنّ العلاقة بين الحوار بين الأديان والأخوّة الإنسانيّة والسّلام هي أمر لا مفرّ منه عمليًّا وقد أصبحت وثيقة جدًّا لدرجة أنّنا لا نستطيع تخيّل هذه الحقائق منفصلة؛ حقيقة الأديان الّتي تلتقي، وتتحدّث مع بعضها البعض، وتعرف بعضها البعض، وتتعرّف على بعضها البعض في مسيرة أخوّة، وتضع كلّ ديانة منها نفسها كبانية للسّلام أينما عمِلت، وحقيقة السّلام الّذي يحتاج اليوم أكثر من الماضي أن تعمل الكنيسة الكاثوليكيّة والدّيانات الأخرى معًا لمنع، وإزالة كلّ ما يمكنه أن يؤدّي إلى الانقسامات والصّراعات. وبالتّالي يمكننا أن نفهم لماذا يبحث البابا فرنسيس– الّذي يرغب في كنيسة تخرج وتنطلق، صديقة للفقراء، وفي حوار مع الجميع، وتذكّر الجميع في ضوء الإنجيل بمحوريّة الإنسان وكرامته الفطريّة– عن طيب خاطر عن "حلفاء وأصدقاء" لاسيّما بين الّذين يمكنهم أن يستقوا من تراث روحيّ غنيّ وحكمة ألفيّة أيّ الأشخاص من التّقاليد الدّينيّة الأخرى.

إنَّ زيارة البابا فرنسيس إلى العراق هي بلا شكّ خطوة إضافيّة على درب الأخوة. وبالتّالي، فإن الأمر يتعلّق بالقيام بخطوات ملموسة مع المؤمنين من تقاليد دينيّة أخرى ومع الرّجال والنّساء ذوي الإرادة الصّالحة لكي نعلن مع البابا فرنسيس، على عكس الّذين يغذّون الصّدامات والانقسامات والانغلاق: "إنَّ الرّدَّ على الحرب ليس حربًا أخرى، والرّدّ على الأسلحة ليس أسلحة أخرى. الجواب هو الأُخوَّة. هذا هو التّحدّي الّذي يواجه العراق، ولكن ليس فقط: إنّه التّحدّي بالنّسبة للعديد من مناطق الصّراع، وبالتّالي، فالأخوّة هي التّحدّي للعالم بأسره. فهل سنكون قادرين على خلق الأخوَّة فيما بيننا؟ وعلى خلق ثقافة الأخوَّة؟".