المؤتمر الصّحفيّ للبابا لاوُن الرّابع عشر على متن الطّائرة خلال عودته من لبنان إلى روما
السّؤال الأوّل من الصّحفي جوزيف فرشخ من تلفزيون الـ "أل بي سي" اللّبنانيّ : "قداستكم، أنتم بابا أميركيّ تقودون مسار سلام، ومهمّتكم في المنطقة هي مهمّة سلام. هل ستستخدمون علاقاتكم مع الرّئيس دونالد ترامب ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو؟ وكنتم قد قلتم سابقًا على متن الطّائرة إنّ الفاتيكان صديق لإسرائيل. فهل ستطرحون ضرورة وقف الاعتداءات الإسرائيليّة على لبنان؟ وهل السّلام المستدام ممكن في المنطقة؟
وعلى هذا السؤال أجاب البابا : "أولًا، نعم، أؤمن بأن السّلام المستدام ممكن. عندما نتحدّث عن الرّجاء والسّلام وننظر إلى المستقبل، نفعل ذلك لأنّنا نؤمن بأنّ السّلام يمكن أن يعود من جديد إلى المنطقة، إلى بلدكم لبنان.وقد بدأت فعليًا، ولو بشكل محدود، ببعض المحادثات مع بعض القادة الذين ذكرتموهم، وسأواصل ذلك شخصيًّا أو من خلال الكرسيّ الرّسوليّ، لأنّنا نقيم علاقات دبلوماسيّة مع معظم دول المنطقة.
ونأمل بالتّأكيد أن نواصل رفع الدّعوة إلى السّلام التي شدّدتُ عليها في نهاية القدّاس اليوم."
أمّا السؤال الثّاني فكان من الصّحافي من "داي نيوز عربية": "قداستكم، في خطابكم الأخير الذي اعتبرته مهمًا جدًا، كان هناك رسالة واضحة للسّلطات اللّبنانيّة بضرورة التّفاوض والحوار. هل سيفعل الفاتيكان شيئًا ملموسًا في هذا الاتّجاه؟ كما التقيتم أمس ممثّلين شيعة، وقبل الزّيارة وجّه حزب الله رسالة لكم. هل تلقيتموها؟ وهل يمكنكم إخبارنا عنها؟ وشكرًا لزيارتكم لبنان، فقد كان ذلك حلمًا بالنّسبة لنا."
وأجاب البابا لاوُن الرّابع عشر: "شكرًا لكم. هذه الزّيارة لم تكن أساسًا زيارة سياسيّة، بل وُلدت من دافع مسكونيّ، لأنّ موضوع نيقية واللّقاء مع البطاركة الكاثوليك والأرثوذكس كان في قلبها، بحثًا عن وحدة الكنيسة.
لكن خلال الزّيارة التقيت أيضًا ممثّلين عن مجموعات وشخصيّات ترتبط بشكل أو بآخر بالسّلطات السّياسيّة أو بالصّراعات الدّاخليّة والدّوليّة في المنطقة. عملنا ليس عملًا علنيًّا نصرّح به في الشّوارع، بل هو جهد نقوم به وسنواصل القيام به لإقناع الأطراف بترك السّلاح والعنف والجلوس حول طاولة الحوار، بحثًا عن حلول غير عنيفة وفعّالة تخدم الشّعب. هذا هو موقف الكنيسة: لا للسّلاح، ونعم للحوار. وما عدا ذلك أفضّل ألّا أعلّق عليه في هذا السّياق."
السّؤال التّالي كان من وكالة "كاثوليك نيوز سيرفس": "قداستكم، قلتم قبل بضعة أشهر إنّ ثمّة "منحنى تعلّم" لمن يصبح بابا. وعندما وصلتم أمس إلى حريصا وبدت عليكم الدّهشة، بدا وكأنّكم تقولون: "واو". ما هو أصعب ما تتعلّمونه في دوركم كحبر أعظم؟ ولم تخبرونا بشيء عن شعوركم خلال المجمع عندما بدأت الأمور تتّضح. ماذا شعرتم حينها؟"
فأجاب البابا: "أوّل تعليق لي هو أنّه قبل سنة أو سنتين كنتُ أنا أيضًا أفكّر في التّقاعد… لكن يبدو أنّ بعضنا سيواصل العمل! أما عن المجمع، فأنا آخذ سرّ المجمع بجدّيّة تامّة، رغم ما قيل علنًا في مقابلات سابقة.
صباح اليوم الذي انتُخبت فيه، التقت بي صحافيّة بينما كنت أعبر الشّارع لأتناول الغداء، وقالت: "هل تعتقد أنّك ستكون أحد المرشّحين؟" فأجبت: "كل شيء بين يدي الله". وأنا أؤمن بذلك بعمق.
سُئلت مؤخرًا عن كتاب يعرّف بشخصيتيّ، فذكرتُ كتاب "ممارسة حضور الله" للأخ لورنس، وهو كتاب بسيط لكنّه يعكس روحانيّة تقوم على تسليم الحياة للرّبّ والسّماح له بأن يقود الطّريق. هذه هي روحانيتيّ منذ سنوات طويلة، منذ عشت في البيرو في زمن الإرهاب، وحتّى المهام التي لم أتوقع يومًا أن أُدعى إليها. وعندما رأيت اتّجاه الأصوات، تلفّظت في داخلي: "حسنًا يا ربّ، أنت القائد… سرّ بنا."
أمّا عن "الدّهشة" التي رآها الصحافيّون على وجهي، فأنتم تفسّرون وجهي بطرق طريفة أحيانًا! لست دائمًا كما تظنّون. لكنني دائمًا أُدهش أمام الحشود. خلال يوبيل الشّباب، كان هناك أكثر من مليون شاب وشابّة. أمّا أمس فكان الحشد أصغر، لكنّ الحماس واحد، وهذا الحماس يلهمني دائمًا."
السّؤال التّالي من جيان غويدو فيشي من "كوريري ديلا سيرا": "قداستكم، نحن في ساعات من توتّر كبير بين النّاتو وروسيا، وهناك حديث عن حرب هجينة وهجمات سيبرانيّة. هل ترون خطر تصعيد؟ وهل يمكن التّوصّل إلى "سلام عادل" في ظلّ استبعاد أوروبا مؤخرًا من المبادرة الأميركيّة؟"
أجاب البابا: "هذا موضوع مهمّ جدًا للسّلام العالميّ، لكنّ الكرسيّ الرّسوليّ ليس طرفًا مباشرًا لأنّه ليس عضوًا في النّاتو. ومع ذلك، طالبنا مرارًا بوقف إطلاق النّار وبالحوار بدل الحرب.الحرب اليوم معقّدة، تتضمّن زيادة في التّسلّح، وأزمات الطّاقة، وقلقًا متزايدًا مع اقتراب الشّتاء.صحيح أنّ الرّئيس الأميركيّ يريد طرح خطة سلام، وقد بدأ ذلك بدون أوروبا، لكنّ دور أوروبا مهمّ، ولذلك تم تعديل بعض البنود. وأظنّ أنّ لإيطاليا دورًا مهمًّا، بحكم تاريخها وثقافتها وقدرتها على الوساطة بين الأطراف، بما في ذلك روسيا وأوكرانيا والولايات المتّحدة. والكرسيّ الرّسوليّ يشجّع كلّ مبادرة وساطة قد تقود إلى سلام عادل في أوكرانيا.
السّؤال التّالي من إليزابيتا من "لا ناتسيوني": "شكرًا قداستكم على رحلتكم الدّولية الأولى. وبين العلم اللّبنانيّ والعلم البيروفي نفس الألوان… هل هي إشارة؟ وهل ستقومون بالزّيارة المؤجّلة إلى أميركا اللّاتينيّة، إلى الأرجنتين والأوروغواي؟ وما هي الرّحلات التي تُحضّرون لها العام المقبل؟ وعلى صعيد أميركا اللّاتينيّة، هناك اهتمام كبير بما يجري في فنزويلا، خصوصًا بعد تهديد الرّئيس ترامب بإطاحة مادورو عسكريًّا. ما رأيكم؟"
أجاب البابا: "لا شيء مؤكّد بعد، لكنني آمل القيام برحلة إلى إفريقيا قريبًا، ربما الجزائر لزيارة أماكن عاش فيها القدّيس أوغسطينوس، ولتعزيز الحوار وبناء الجسور بين العالمين المسيحيّ والإسلاميّ.
القديس أوغسطينوس شخصيّة محترمة جدًا في الجزائر، وهذا يساعد كثيرًا.
وأتمنّى أيضًا زيارة أميركا اللّاتينية، إلى الأرجنتين والأوروغواي والبيرو ودول أخرى، لكن لا شيء محدّد بعد، فقط مشاريع قيد الدّرس. أمّا فنزويلا، فالبعثة الرّسوليّة والأساقفة يعملون على إيجاد طرق لتهدئة الوضع ومساعدة الشّعب، لأنّه غالبًا ما يكون الشّعب هو من يعاني، لا السّلطات".
السّؤال التّالي من ميشيل من "لاكروا": "قداستكم، بعض الكاثوليك في أوروبا يعتقدون أنّ الإسلام يشكّل خطرًا على الهويّة المسيحيّة للغرب. ما رأيكم؟"
أجاب البابا: "كلّ اللّقاءات التي أجريتها في تركيا ولبنان، بما في ذلك مع المسلمين، ركّزت على السّلام وعلى احترام أتباع الدّيانات المختلفة.
أعلم أنّ هذا لم يكن الحال دائمًا، وأعلم أنّ الخوف موجود أحيانًا في أوروبا، لكنّه غالبًا ما يُغذّى بخطابات معادية للهجرة أو للآخر المختلف.
علينا أن نعمل معًا. أحد أهداف هذه الرّحلة كان لفت الانتباه العالميّ إلى إمكانيّة قيام حوار وصداقة بين المسلمين والمسيحيّين. لبنان مثال حيّ على إمكانيّة التّعايش والاحترام المتبادل. شهدنا أمثلة مؤثّرة خلال يومين فقط عن قُرى مدمَّرة تعاون فيها المسلمون والمسيحيّون وساعد بعضهم بعضًا. هذه الدّروس مهمّة لأوروبا ولأميركا الشّمالية أيضًا: الخوف ليس الحلّ، بل الحوار والاحترام المتبادل."
السؤال التّالي من صحافيّ ألمانيّ : "الكنيسة في لبنان تتلقّى دعمًا كبيرًا من الكنيسة الألمانيّة عبر وكالات الإغاثة. وهذا يجعل قوّة الكنيسة الألمانيّة مهمّة. هل تعتقدون أنّ "المسار السّينودسيّ" في ألمانيا سيقوّيّ الكنيسة هناك؟ أم العكس؟"
أجاب البابا: "المسار السّينودسيّ ليس محصورًا بألمانيا؛ الكنيسة كلّها دخلت في مسار سينودسيّ.هناك تشابهات، لكن أيضًا اختلافات واضحة بين ما يجري في ألمانيا وما يجري في الكنيسة الجامعة. هناك مجال للتّنوّع والتّجذّر الثّقافيّ، بدون أن يعني ذلك الانقسام.لكنني مدرك أنّ عددًا كبيرًا من الكاثوليك في ألمانيا لا يشعر بأنّ المسار الحاليّ يمثّل آمالهم. لذا هناك حاجة إلى مزيد من الحوار داخل ألمانيا نفسها، حتّى لا تُستبعَد أيّ فئة ولا يُسكت صوت أحد.كما تعلمون، الأساقفة الألمان يواصلون لقاءاتهم مع ممثّلين عن الكوريا الرومانيّة، لضمان ألّا يبتعد المسار الألمانيّ عن المسار الكنسيّ الجامع. وأعتقد أنّ الطّرفين سيجريان تعديلات، وأنا متفائل بالنّتائج."
أمّا السّؤال الأخير فكان من قناةSAT-7، التي تبثّ للمشرق وشمال أفريقيا بلغات مختلفة: "نحن نمثّل أربع قنوات مسيحيّة تبثّ في الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، اثنتان بالعربيّة وواحدة بالفارسيّة وواحدة بالتّركيّة. شكرًا لكم على الوقت الذي منحتموه للشّعب اللّبنانيّ. أنا نفسي ابنة حرب، وأعرف كم تعني لمسة من قداستكم أو كلمة تقولون فيها "سيكون كلّ شيء بخير". ما لفتني هو شعاركم"In the One, we are one"ما معناه "في الواحد نصبح واحدًا". وهو شعار يتحدّث عن بناء الجسور بين الطّوائف المسيحيّة، وبين الدّيانات، وحتّى بين الجيران المختلفين. من وجهة نظركم، ما هي "الهبة الفريدة" التي يمكن أن تقدّمها كنائس الشّرق الأوسط، بكلّ جراحها وتاريخها، إلى الكنيسة في الغرب والعالم؟"
أجاب البابا: "أودّ أن أبدأ بالقول إنّنا اليوم نعيش في مجتمع شديد الفردانيّة، خصوصًا لدى الشّباب الذين عاشوا فترات العزل خلال جائحة كورونا، وأصبح الكثير من علاقاتهم افتراضيًا فقط عبر الشّاشات. وهؤلاء يسألون أحيانًا: لماذا يجب أن نكون واحدًا؟ أنا فرد ولا أهتمّ بالآخرين. هنا يكمن جوهر الرّسالة: الوحدة، الصّداقة، العلاقات الإنسانيّة، الشّركة؛ كلّها قيم أساسيّة. أنتم ذكرتم مثال الحرب: كم يمكن لعناق بسيط أن يشفي إنسانًا جريحًا!هذا يمكن أن يصبح نموذجًا جماعيًّا: احترام متبادل، علاقات حقيقيّة، بناء روابط تُغني الجميع. شعاري ينطلق من المسيح، ففي "الواحد" نصبح واحدًا. لكنّه ليس للمسيحيّين فقط؛ إنّه دعوة للجميع لتعزيز الوحدة والحوار والصّداقة.كلّما عمّقنا هذه القيم، كان بإمكاننا أن نضع جانبًا أسلحة الحرب، والرّيبة، والكراهية، وأن نبني معًا طرقًا تؤدّي إلى سلام وعدالة حقيقيّين."
وفي ختام المؤتمر الصّحفيّ، شكر البابا الجميع متمنّيًا لهم رحلة موفّقة.
