لبنان
03 نيسان 2018, 14:00

المتروبوليت عوده في مؤتمر الحوار البرلمانيّ: الإنسان هو أيقونة الله على الأرض

أطلّ متروبوليت بيروت وتوابعها للرّوم الأرثوذكس المطران الياس عوده في كلمة خلال افتتاح معرض "نقوش جبل آثوس وأيقونات العذراء مريم"، في إطار مؤتمر الحوار البرلمانيّ"التّنوّع في الوحدة والحرّيّات الأساسيّة للمسيحيّين والمسلمين في الشّرق الأوسط" الّذي يعقد اليوم وغدًا في بيروت، قال فيها:

 

"تتطلّع شعوبنا في مشرقنا المسيحيّ ومحيطنا العربيّ إلى عمل برلمانيّ يحمل قضاياها ويُعلي شأن الإنسان في أزمنة أضحى فيها العمل السّياسيّ، في غير قليل من مبادراته، سلسلة من الصّفقات الاقتصاديّة ذات الطّابع الجيوسياسيّ، صفقات تَعِد الإنسان بالحرّيّة والسّلام والعدل فيما هي تنتهك حُرُماته وتستنزف طاقاته البشريّة وثروات بلاده الطّبيعيّة.

لقد شَهِد شرق المتوسّط في الآونة الأخيرة صعود التّطرّف الإيديولوجيّ المتذرِّع بالدّين، تلتها سياسات ادّعت محاربة التّطرّف، فحوّلت المنطقة إلى سوق للسّلاح والنِخاسة ولُجَج الدّم والدّموع والمال الآثم. في معادلات كهذه يغيب وجهُ الإنسان وتغيب قضاياه وتتصدّر الأولويّاتِ مفاوضاتٌ ومقايضاتٌ تخدم مصالح هذه وتلك من الأمم المقتدرة.

اليوم، مؤتمر الحوار البرلمانيّ "التّنوّع في الوحدة والحرّيّات الأساسيّة للمسيحيّين والمسلمين في الشّرق الأوسط" يعطينا أملاً بأنّ بين نوّاب شعوبنا مَن يدركون حقيقة الأزمات الرّاهنة، ومأساة الإنسان فيها، ويسعون سعيًا حثيثًا للإضاءة على السُّبُل الحقيقيّة لتلبية حاجات شعوبنا الحيويّة إلى ثقافات التّلاقي والانفتاح والتّكامل والتّثاقف، والاغتناء بخبرة الآخر وتراثه، واحترام هويّته وخصوصيّة مجتمعاته.

ما لا شكّ فيه أنّ الأزمات المتتالية في بلادنا تركت جروحًا عميقة ومخاوف وحواجز تفرّق النّاس في تحزّب أعمى، عوضًا عن أن تجمعهم في عمل اجتماعيّ، حزبيّ، سياسيّ واع، جادّ ومسؤول. لذا بتنا بأمسّ الحاجة إلى جسور يبنيها رسلٌ للسّلام، سياسيّون مؤمنون بخير الإنسان وبلقاء الوجوه، بالحوار الحقيقيّ الصّادق الشّفاف، والّذين لا يؤسّسون الأوطان على أساس استراتيجيّات الغايات المكيافيليّة ووسائل بلوغها.

السّؤال الّذي يهمّني أن أطرحه على مؤتمركم الكريم هو: ألم يحن الوقت ليدخل البرلمانيّون عبر العالم في حوار جوهريّ، يمسّ عمق قضايا الإنسانيّة اليوم وحاجاتها؟ ألم تأت السّاعة لنحقّق  كلّ وفاق من أجل إعلاء خير الإنسان على حسابات الاقتصاد، والبيع والشّراء، والاستهلاك المفرط الّذي يحوّل الشّعوب إلى سلع لا إلى أشخاص أقانيم هي القيمة، كلّ القيمة، الّتي من أجل خدمتها تقوم الأمم والأنظمة والسّياسات؟

في هذا السّياق يأتي معرض "نقوش جبل آثوس وأيقونات العذراء مريم" ليذكّرنا جميعًا بأنّ مفهوم الأيقونة يقوم على حقيقة استعلان وجه الله في الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله. الإنسان هو غاية عمل الخلق الإلهيّ، هو غاية الثّقافات في تعابيرها، والحضارات في تعاقبها، والدّين في نقاوته. الإنسان هو أيقونة الله على الأرض، هو تاج الخليقة وغاية التّاريخ.

المشرق هو مهد الأرثوذكسيّة وموطن التّلاقي بين حضارة الرّوم وثقافة العرب. لعلّ الرّسالةَ الأبلغَ والشّهادة الّتي نؤدّيها من خبرتنا في هذه المنطقة هي أنّ الصّدق في السّياسة والعلاقات، والإيمان بلقاء حقيقيّ مع الآخر، إنّما هي اليوم الحاجة الملحّة لمجتمعات النّاس، وهي السّبيل الوحيد لبناء الإنسان ولتنعّمه بغنى التّراثات الدّينيّة المختلفة وآفاق الإبداع والعطاء والنّموّ في خبرة العيش المشترك.

ننتظر من هذا المؤتمر نقلة نوعيّة على مستوى منهجيّة الحوار ومقاربة غنى التّنوّع الّذي ينعم الله به علينا، في شرقنا الأوسط، والّذي هو دعوة لتعارف إنسانيّ حقيقيّ يقود إلى الالتقاء بنور الله وبأيقونته في وجه الإنسان".