المتروبوليت عوده يترأس صلاة الجنّاز لراحة نفس والدته
كذلك شارك في الصلاة القائم بأعمال السفارة البابويّة المونسنيور إيفان سانتوس ومطران بيروت للموارنة بولس مطر ممثّلاً غبطة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، ودولة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحّة الأستاذ غسّان حاصباني ممثّلاً فخامة رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة العماد ميشال عون، وسعادة النائب الدكتور عاطف مجدلاني ممثّلاً دولة رئيس مجلس النوّاب الأستاذ نبيه برّي، ومعالي وزير الدولة لشؤون المرأة الأستاذ جان أوغسبيان ممثّلاً دولة رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد الدّين الحريري، إضافةً إلى العميد الركن غبريال الصانع ممثّلاً قائد الجيش العماد جوزاف عون، والسيّد رومل صادر ممثّلاً رئيس التيّار الوطنيّ الحرّ وزير الخارجيّة والمغتربين جبران باسيل. وقد شارك في خدمة الجنازة كهنة أبرشيّة بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس وشمامستها وكهنة وشمامسة من سائر أبرشيّات الكرسيّ الأنطاكي.
وقد غصّت الكاتدرائيّة بالنوّاب والوزراء وأعضاء السلك القضائيّ والسلك الدبلوماسيّ والقنصليّ والسلك العسكري وبحشود المؤمنين الذين حضروا لمشاركة راعيهم سيادة المتروبوليت الياس بالصلاة لراحة نفسه والدته.
أبّن الفقيدة سيادة المتروبوليت أفرام كرياكوس الجزيل الإحترام بكلمة جاء فيها:
«كلّفني صاحب الغبطة يوحنّا العاشر بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق بأن أنقل تعازيه الحارّة لأخينا العزيز سيادة متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس، ولإخوته وأخواته الأحبّاء ولسائر أفراد العائلة بفقيدتهم الغالية التي يسأل الربّ أن يتغمّدها برحمته ويمتّعها برؤية نور وجهه مع الأبرار والصدّيقين.
باسم الآب والابن والروح القدس، آمين. عرفتُها وهي تصلّي، عرفتُها وهي مع بناتها في الكنيسة، في الدير أثناء القدّاس الإلهيّ، في بيوت الرعيّة خلال السهرات الإنجيليّة: نعم إنّ صلاة الأمّ تقتدر كثيرًا عند السيّد.
كيف لا يتأثّر الولد، مهما طاش، من صلاة أمّه الحارّة؟! الصلاة تنقلنا إلى عالم آخر إلى عالم الله، وهي في الوقت نفسه تهذّب تصرّفاتنا كلّها.
يظهر أثرها في اعمالنا، لا بل أيضًا على وجوهنا "ليضئ نوركم قدّام النّاس ليروا أعمالكم الصالحة ويمجّدوا اباكم الّذي في السموات" (مت 5: 16). يقول أيضًا الكتاب المقدّس: "من ثمارهم تعرفونهم" (مت 7: 20).
يقول أحدهم في الكنيسة إنّ الله عندما أراد أن يتجسّد، أن يصبح إنسانًا مثلنا، وُلد من أمّ دون أب، ذلك وكأنّه بحاجة إلى حنان أمّ، ذلك عندما أتت العذراء مريم والدة الإله بالربّ يسوع المسيح وأصبحت عروس الله. هكذا تشبّهت "أمّ الياس" في صلاتها وفي حياتها بالعذراء مريم، وكانت عروسًا لله.
إنّ الصلاة المستمرّة تصبح خَلقًا أزليًّا، أعني مشاركة الله في الخلق، فهي بهذا كلّه يفوق ثمنُها على كلّ فنّ وعلى كلّ علمٍ. توصلك بالله دون أن تترك العالم. نحضن بها آلام الناس وأفراحهم. تشفي أهواءهم وتعصب جراحاتهم. تضمّد وتشفي الجراحات بدواء النعمة الإلهيّة.
لقد اعتنقت جورجات، أمّ الياس، حياةً بسيطة على مثال سيّدها الذي قال: "طوبى للمساكين بالروح لأنّ لهم ملكوت السماوات".
ما سلاحها إلاّ الصلاة مرفَقة ببذل النفس أوّلاً في عائلتها وأيضًا في سبيل الّذين من حولها: لقد حافظت على ضميرها المسيحيّ الذي كان يقودها إلى كلّ عمل صالح. حقّقت دعوة الربّ القائل كما ذكرنا سابقًا: "ليضئ نوركم قدّام النّاس ليروا أعمالكم الصالحة ويمجّدوا أباكم الّذي في السماوات، وأيضًا: مَن أراد ان يكون فيكم أوّلاً فليكن للكلّ خادمًا" (مت 20: 26).
أجسر أن اتكلّم باستقامة حتّى لا أخون ضميري وأسيء إلى تلك النفس النقيّة التي حرصت ان تُرضي ربَّها قبل كلّ شيء: "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه أو ماذا يُعطي فداءً عن نفسه"؟!
الكلام مقصِّر عن التعبير بما يليق بهذه النفس الطاهرة العائشة في وسط عالم ينزلق أكثر فأكثر إلى الرذيلة وقساوة القلب والدهريّة المقيتة. مَن عرف جورجيت، أمّ الياس، أكثر من أهلها؟ مَن عرفها أكثر من أهل بلدتها أنفه؟! أكثر من زاوية حيّها وكنيستها؟! إسألوا عنها جيّدًا، تحقّقوا من هذا الكلام، لن تجدوا إلاّ الوجه المستقيم ونحن ننادي باستقامة الرأي في هذه الأيّام!
البطل هو الّذي يعيش في حياته اليوميّة حياةً مستقيمة في عائلته، في مهنته، لا خلقيًّا فحسب بل تمجيدًا لربّه الّذي خلقنا.
ترى! مَن كان أكثر مَن صبّرها على متاعب هذه الحياة؟ مَن كان أكثر منها تفانيًا في تربية أولادها في السّهر على حاجاتهم وأيضًا على نقاوة تصرّفهم؟! مَن أكثر منها احترامًا وإكرامًا لشريك حياتها والحرص على الأمانة الزوجيّة؟!
بيتها كلّه أيقونات مقدّسة "لا ينطفئ في الليل سراجها" من منّا يصلّي مثلها في بيته كلّ يوم؟! المرأة الفاضلة مَن يجدها، يقول الحكيم سليمان، ثمنها يفوق اللآلئ، الحسن غرور والجمال باطل أمّا المرأة المُتّقية للربّ فهي التي تُمدَح".
ماذا أقول وماذا أضيف عن هذه المرأة الفاضلة؟ عن هذه الأمّ الحنون يضيق بي الكلام في هذا الجوّ المهيب اليوم! أنا فعلاً مقصّر، أنا فعلاً صغير أمام هذه القامة الروحيّة التي نودّعها اليوم! كلاّ لم يفسد الكون، لم يفسد العالم طالما هناك بعد ركبةٌ لم تسجد لبعل هذه الأيّام القاسية. يقول القدّيس سلوان الآثوسيّ: "عندما لن يوجد أناسٌ مصلّون في الأرض، عندها تأتي نهاية العالم. العالم يستمرّ بفضل صلوات القدّيسين".
الدّمعة اليوم في العين والفرح في القلب. الربّ غلب في النهاية ولن يسود الموتُ من بعد فلا تيأسوا يا جماعة، يا إخوة! أشكروا الربّ أنّ هناك بعدُ أناسًا يبذلون أنفسهم للآخرين على غرار ربّهم. الحبّ الصادق بعدُ هو الصائب في النهاية. سيروا وراء عشق الربّ ومحبّة الآخر، سيروا وراء خطى جورجات، أمّ الياس، ولن تلقوا إلاّ الخير والخير الحسن، آمين».