دينيّة
11 آذار 2015, 22:00

المديحِ الذي لا يُجلَسُ فيهِ الأكاثيستوس

(بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس) معنى كلمة أكاثيستوس:إن كلمة "أكاثيستوس" يونانية منحوتة من "α" النافية وفعل "كاثيستوس" أي جلس . وقد أُطلق هذا الاسم على مدائح العذراء لأن الاكليروس وجمهور الشعب القسطنطيني ترنموا بها في أيام الملك هرقل سنة 626 ، وهم واقفون إجلالاً للسيدة الطاهرة وطلباً لنصرتها وحمايتها واستعدادا لحمل السلاح بأقصى سرعة ، عند أول إشارة لصد هجمات الأعداء المحيطين بالمدينة المالكة على نحو العبرانيين لدى بنائهم أسوار أورشليم في أيام النبي نحميا (نحميا4: 11). وبما أن لغتنا العربية تفتقر الى كلمة واحدة تعبر عن اللفظة اليونانية. فقد لجأ مترجمو كتبنا الطقسية الى هذه العبارة:نشيد لوالدة الإله"لا يجلس فيه" أو "لا يجوز الجلوس فيه". t4

* تعريف بالمديح:

هي خدمة تقريظ لوالدة الإله، مرتبطة بعيد البشارة الذي يقع في الصوم الكبير. في ممارستنا الحالية نقيم جزءا منها مساء كل جمعة من اسابيع الصوم الاربعة الاولى، ثم نعيدها كاملة في الاسبوع الخامس، وهي، في الأساس، عبارة عن نوعين من التسابيح هما "القنداق" و"القانون" نتلوهما ضمن خدمة صلاة النوم الصغرى.


* ما هو القنداق؟

القنداق نمط شعري كُتبت فيه التسابيح والاناشيد الكنسية باليونانية في القرنين السادس والسابع. يعتمد على السرد القصصي، وذكر الحوادث المهمة المرتبطة بالمناسبة المعيّد لها. ويتألف القنداق عامة من مقدمة قصيرة توجز مضمونه، تليها مقاطع تسمى "ابياتاًيتراوح عددها بين 20و30 بيتاً، ينتهي كل منها بعبارة لازمة هي العبارة الاخيرة من المقدمة، وقد كان القنداق يتلى في صلاة السَحَر.

خدمة المديح منظومة على هذا النوع من الكتابة الشعرية. انها قنداق في تجسد الكلمة، وبشارة العذراء. تتألف من مقدمة اساسية هي "ان غير المتجسد لما أَخذ في معرفته ما أُمر به سرياً"، ومن اربعة وعشرين بيتاً، تشكل الحروف الاولى من الابيات الابجدية اليونانية بحروفها الاربعة والعشرين. يتميز قنداق المديح بلازمتين: الاولى "افرحي يا عروساً لا عروس لها"، تنهي الابيات المفردة العدد. والثانية، وهي عبارة "هللويا"، تنهي الابيات المزدوجة العدد.


* أسلوب المديح:

من حيث الاسلوب نجد في صياغة قنداق المديح استعمالا لنوعين أدبيين، الاول هو ما يسمى بالنشائد الشعرية، وقد صيغت فيه الابيات المزدوجة، وفاتحات الابيات المفردة. والملاحظ ان كل بيت مزدوج يتألف من ست جمل شعرية حسب التقسيم في اللغة اليونانية الأصلية، كذلك كل فاتحة من فاتحات الابيات المفردة. بذلك يصبح لدينا اثنتا عشرة جملة شعرية في كل بيتين.

النوع الثاني هو اسلوب النشائد الابتهالية، وقد صيغت فيه الجمل الشعرية التي تأتي بعد فاتحات الابيات المفردة، والتي تبتدئ بعبارة "افرحي"، منظومة على نمط الموازاة الذي يكثر استعماله في المزامير الكتابية، وهو ان تُردّد معنى واحداً في جملتين مختلفتي التعابير. هنا ايضا نجد اعتماداً على العدد 12 في التقسيم.

دخل العدد 12 في التركيب الشعري للمديح بسبب اهميته، اذ يرمز الى والدة الإله، "المرأة التي على رأسها اكليل من اثني عشر كوكباً"، كما اشير اليها في (رؤيا 12: 1).


* مضمون المديح:

اما من حيث المضمون، فيقسم قنداق المديح الى قسمين: تاريخي ولاهوتي. يشمل القسم التاريخي الابيات الـ 12 الاولى، وفيه سرد لاحداث البشارة، والميلاد، والدخول الى الهيكل كما وردت في الاصحاحين الاولين من انجيلي متى ولوقا. اما القسم اللاهوتي فيشمل الابيات الـ 12 الاخيرة، وفيه اعلان لعقيدة التجسد، وتأمل في دور والدة الاله.


* المديح تاريخياً:

وكما رأينا اعلاه، كُتب قنداق المديح اصلا لكي يُتلى في سَحَر عيد البشارة، وقد كان يُحتفل به في السادس والعشرين من كانون الاول كتقدمة لعيد الميلاد الذي كان مقروناً بعيد الظهور الإلهي في السادس من كانون الثاني. في عهد الامبراطور يوستينيانوس (527-567) نُقل عيد البشارة الى الخامس والعشرين من آذار، واحتفظت الخدمة بالقنداق، فيما اصبح السادس والعشرون من كانون الاول عيداً جامعاً لوالدة الإله. حتى ذلك التاريخ كان قنداق المديح يُتلى مرة في السنة في سَحَر عيد البشارة.
في السابع من آب 626، إثر نجاة القسطنطينية من ايدي الفرس والأفاريين الذين كانوا يحاصرونها، اجتمع الشعب في كنيسة الحكمة الإلهية، ورتلوا قنداق المديح وقوفاً بعد ان اضاف اليه البطريرك سرجيوس مقدمة اخرى هي "اني انا مدينتك". منذ ذلك الوقت صار القنداق يرتل مرة ثانية في عيد نجاة القسطنطينية في السابع من آب. في وقت لاحق اندمج هذا العيد بعيد البشارة.

بعد القرن التاسع صار هناك انحسار في استعمال القنداق بشكل عام. واحتُفظ منه بالمقدمة، وصارت تسمى قنداقاً، وببيت من ابياته المتعددة، هذا ما نجده في كتبنا الطقسية في "القنداق" و"البيت" اللذين نتلوهما قبل البدء بالكاطافاسيات مباشرة. ونجد هذا الاختصار في سَحَر عيد البشارة حيث ان القنداق هو "اني انا مدينتك"، والبيت هو البيت الاول من القنداق الكامل، يردان بعد الاودية السادسة من القانون.

نقل البطريرك القسطنطيني فوتيوس قنداق المديح من سحر البشارة الى السبت الخامس من الصوم، بسبب امكانية وقوع عيد البشارة بين الاسبوع العظيم ونهار الاربعاء بعد الفصح، واضاف اليه قانون يوسف المنشئ. ومنذ ذلك الوقت صار يُعيَّد لعيد المديح في السبت الخامس من الصوم. لهذا السبب، في ممارستنا الحالية، نتلوه كاملا في ذلك الوقت.
اما تقسيمه الى ادوار، وتوزيعه على اربعة اسابيع، وارتباطه بصلاة النوم الصغرى، فهو تقليد متأخر.

* مؤلف المديح:

لقد تضاربت الآراء حول واضع النشيد. فقد نسبه العالم اليوناني باباذبولس كيرامفيس الى البطريرك فوتيوس في القرن التاسع ، وهذا زعم لا يسلم به أحد اليوم.ونسبه آخرون الى بطريرك القسطنطينية سرجيوس الأول (610-638)،,آخرون نسبوه الى جورج بيزيدس أمين مخطوطات كنيسة الحكمة الالهية(أجيّا صوفيا) في عهد الملك هرقل.على أن النقد العلمي الحديث يرجح انتسابه الى القديس رومانس الحمصي المنشأ إمام الشعراء والمنشدين الكنسيين.ولد هذا القديس في أواخر القرن الخامس في حمص التي كانت عاصمة سوريا الوسطى ، من عائلة يهودية الاصل وكان شماساً انجيلياً،خدم في كنسية القيامة في بيروت،وانتقل بعد ذلك الى القسطنطينية، في أولخر عهد الملك انسطاسيوس الأول(491-518)على الأرجح.وقد ظهرت له العذراء في الحلم في كنيسة منطقة كيروس المشيّدة على اسم والدة الإله ودفعته الى نظم الشعر والكتابة.توفي حول سنة 556 تاركاً ما يربو على ألف نشيد ديني،لم يبقى من هذه الأناشيد اليوم سوى مئتين، بعضه مبعثر في رتب الفرض الإلهي.
ووفقاً لمعظم الآراء وتاريخية المديح فإن مؤلف قنداق المديح على الأغلب هو القديس رومانس المرنم، الحمصي الاصل (عاش في القرن السادس)، وقد كان رائداً في كتابة هذا النوع من الشعر.

* ما هو القانون؟
القانون فهو نمط شعري جديد برز مع انحسار استعمال القنداق. كُتبت فيه الاناشيد الكنسية بين القرنين الثامن والحادي عشر. يتألف القانون عادة من تسعة اجزاء تسمى "اوديات" (مفردها اودية) وتتألف كل اودية من مقاطع متعددة ترتل على نغم المقطع الاول منها، المسمى ارمس، ووزنه.

قانون المديح هو من نظم القديس يوسف المنشئ (القرن التاسع)، الذي نظم معظم القوانين الموجودة في الكتب الطقسية. وقد استوحى لتأليفه معاني القنداق. اما المقاطع التسعة الرئيسية، او الاراميس، اي "أَفتح فمي.." وما يتلوها، فهي من نظم القديس يوحنا الدمشقي (القرن الثامن)، وقد بنى على اساسها يوسف المنشئ قانونه. الاحرف الاولى من مقاطع قانون المديح في اليونانية تؤلف العبارة الآتية: "يا مستودع الفرح، بكِ وحدكِ تليق التحية بالسلام. ليوسف".


* مديح السيدة العذراء في الكنيسة

بعد أن وُضع نشيد المديح، تبنّته خصوصاً كنيسة القسطنطينية ابتهالاً جماعياً ترفعه إلى والدة الإله بعدما أنقذت "الجنديُة المحامية" "مدينتَها" مراتٍ عدّة "من صنوف الشدائد". اشتُهر إذاً المديح باشتهار انتصار القسطنطينية، وقد عُمّمت خبرة كنيسة القسطنطينية على الكنائس شرقاً وغرباً (تُرجم المديح إلى اللاتينية حوإلى العام 800). ثم دخل المديح حيّز العبادة الجماعية الثابتة (تقيمه الرعايا في أُمسيات أيام الجمعة الخمسة الأولى من الصوم الكبير، ويتلو الرهبان أبياته في الأديار يومياً ضمن صلاة النوم الصغرى)، والظرفيّة (يقام في الكنائس او البيوت ظرفياً أثناء ضيقٍ أو خطرٍ أو شدّة او وباء او حربٍ او حزنٍ او اضطهاد).

توالى إنشاد المديح إلى أن حلّت الصدمة: سقطت "المدينة" ليل الثلاثاء 29 أيار 1453. زال مجد القسطنطينية، والمفارقة كانت أن نشيد المدينة لم يبطل. فما هي الأسباب التي جعلت الارثوذكسيين يتلون حتى يومنا ابتهالاً فشل في إنقاذ "مدينتهم"

لقد أدركَتِ الارثوذكسية أن أولئك الذين وقفوا في كنيسة "الحكمة المقدسة" في القسطنطينية، في تلك الليلة الأخيرة، أدّى بهم تمسّكهم بالمديح إلى أن "يجعلوا قلوبهم فوق"، و"يحسبوا انهم في السماء واقفون" قبل أن يخطفهم الاستشهاد اليها. كما أدركَتْ أن "ليس لنا هنا مدينة باقيةٌ، بل نطلب الآتية" (عبرانيين 13: 14). وأيقنَتْ أن السيدة ستبقى حتى اليوم الأخير "جندية محامية" عن "مدينتها"، وأن مدينتها هي كل مدينةٍ، أو بالأحرى هي عاصمةُ المُدُن، هي "القلب كلّه"؛ وفهمَتْ أن "مصارعتنا ليست ضد دمٍ ولحمٍ، بل ضد... ظلمة هذا الدهر، ضد أجناد الشرّ الروحية" (أفسس 6 :12)، وأن "جميع الشرور" التي تهدّد الناس "تخرج من الداخل من قلوب الناس" (مرقس 7: 21-23).

ثم إن الصلوات التي قدَّسَت "مثل هذه السحابة من الشهود" جيلاً بعد جيل، قادرة هي إياها، إذا أُدّيتْ بفهمٍ، أن تقدّس كل جيلٍ في أيامنا، وإلى اليوم الأخير.
* المديح في الكنيسة الأرثوذكسية وارتباطه بالعهد القديم

وبما أن الكنيسة الأرثوذكسية، خلال الصوم الكبير (أي من الاثنين إلى الجمعة من كل أسبوع)، تنقطع عن تلاوة نصوص العهد الجديد، لتُعدّ مؤمنيها للفصح بكلام العهد القديم في صلوات هذا الموسم، فإن خدمة "المديح الذي لا يُجلس فيه"، التي هي خدمة كتابيةٌ بامتياز، تزخر خصوصاً بصوَرِ العهد القديم التي تصف العذراء مريم واختيارها الإلهي، وولادتها الرب يسوع المسيح، وبتوليّتها، وقداستها.

نورد في ما يلي شذراتٍ من خدمة المديح مع الاشارة إلى المراجع الكتابية التي استلهمها الناظم ليصف والدة الاله:

- الأم الملكة (مزمور 45: 9)، كتاب للمسيح حي مختوم بالروح (إشعياء 29: 11)، بلاط للملك الوحيد (مزمور 45: 15)، عرش ناري للضابط الكل (دانيال 7: 9)، أنبتت الوردة التي لا تذبل (حزقيال 47 :12 ومزمور 1: 3)، ولدتِ التفاحة العطرة (نشيد الأنشاد 7: 8)، يا سوسنة (نشيد الأنشاد 2 :2 و16)، ينبوع (نشيد الأنشاد 4: 12)، مثل ارض لم تُفلح أبداً (ارميا 26: 18 وميخا 3: 12)، مائدة حيّة حاوية خبز الحياة (1 ملوك 7: 48)، ولدََََََت فتى لا عيب فيه (لاويين 21: 17-18 و21)، حملَت حملَ الله (يوحنا 1: 29)، يا صبحاً منيراً (رؤيا 22: 16)، جلبَت لنا المسيحَ الشمس (مزمور 84: 11، ملاخي 4: 2)، يا مسكن النور (مزمور 132: 13)، الباب الأوحد الذي اجتازه الكلمةُ وحده (حزقيال 44: 1-2)، إن يسوع... الجالس بمجدٍ على العرش الإلهي (إشعيا 6: 1 و يوحنا 12: 14)، يسوع... وردَ على سحابةٍ سريعة (إشعيا 19: 1)، يا منارةً وإناءً حاوياً المنّ (خروج 31: 8)، يا سلّماً أصعدَت الجميع (تكوين 28: 12)، يا عمقاً لا يُدرك (ايوب 11 :7)، يا علوّاً لا يوصف (ايوب 22: 12)، يا مَن ضفرَت للعالم إكليلاً (رؤيا 12: 1)، يا مَن خلّصت العالم من طوفان الخطيئة (تكوين 7 :7)، يا خِدراً منيراً (مزمور 45: 13)، يا مركبة نارية للكلمة (2 ملوك 2: 11)، يا فردوساً حياً حاوياً في وسطه الرب شجرة الحياة (تكوين 2: 9)، يا مدينةً ملِكِ الكلّ (دانيال 9 :19)، يا جبَلاً لم يُقتطَع منه (دانيال 2: 45)، لقد قطرَ منكِ الندى فأخمد لهيبَ عبادة الأوثان (دانيال 3: 19-30)، أيتها الجزة المندَّاة التي شاهدها جدعون قديما (قضاة 6: 38)، يا عليقى غير محترقة (خروج 3: 2)، يا سحابة منيرة (متى 17: 5)، إن الفتية المتألهي العقول لم يعبدوا الخليقة دون الخالق بل وطئوا وعيد النار بشجاعة(دانيال 3: 19-30)، يا كرمة حقيقية أينعت عنقودا ناضجا (إشعيا 27: 2)، يا عصا رُمز لها (عدد 17: 8)، يا درجا فيه كُتِبَ الكلمةُ بإصبع الآب (مزمور 40: 7 وحزقيال 3 :1-3)، إن ولادة والدة الإله قد صانت الفتية الأطهار في الأتون (دنيال 3: 19-30)، إن موسى أدرك في العليقى سر ولادتك (خروج 3: 2)، والفتية سبقوا فصوروا ذلك... بانتصابهم في وسط النار وعدم احتراقهم (دنيال 3: 19-30)، إننا قديما قد تعرينا بالخديعة (تكوين 3: 7)، نحن... الجالسين في ظلام الزلات قد أبصرنا النور (إشعيا 9: 2)، بها ارتقينا من الارض إلى العلاء (تكوين 28: 12)، يا كوكبا لا يغيب (2 بطرس 1: 19)، كوكبا... مُدخِلا إلى العالم الشمس العظيمة (حزقيال 44: 2)، يا من فتحت عدنا المغلقة (تكوين 3: 23-24)، يا عامودا ناريا يقود البشر إلى الحياة العلوية (خروج 13: 21)، يا من هي وحدها جميلة في النساء (نشيد الأنشاد 1: 8)، يا تابوتاً (2 صموئيل 6: 9 و11 مقارنةً مع لوقا 1: 43 و56)، تابوتاً متنفساً حاوياً في وسطه الرب عود الحياة (عبرانيين 9: 4)

يبقى أن نضيف أن سَرد صفات الكلية القداسة في كل مديحٍ بأفواه مريديها وعلى مسامعهم مساءَ كل جمعةٍ من هذا الموسم المبارك يؤدّي بنفوس المصلّين إلى التشبّه بوالدة الإله، وهكذا تتصاعد المدائح لتطال عذراءين اثنتين: مريم العذراء، والكنيسة العذراء المجاهدة في صحراء الصوم إلى أن يطلّ العريس المرفوع على الصليب.


* شرح معاني أبيات المديح

الدور الأول
- البيت الأول: في هذا البيت إشارة واضحة إلى الملاك المتقدم أي الملاك جبرائيل وهو في مقدمة الألوف المتألفة من طغمات الملائكة وهو الذي أرسل من السماء ليبشر والدة الإله مريم بأنها ستلد المسيح الذي لا نهاية لملكه وذلك بقوة الروح القدس وحلوله عليه وفحوى هذا البيت مأخوذ لا شك من رواية القديس والرسول لوقا في إنجيله حيث يقول: وفي الشهر السادس أرسل الملاك جبرائيل من قبل الله إلى مدينة في الجليل تسمى ناصرة ( 1: 26-38) ويلي ذلك الحوار الذي تم بين مريم والملاك جبرائيل وهذا الملاك ظهر للكاهن زكريا ليقول له أن امرأته العاقر اليصابات ستلد ولداً.

- البيت الثاني: إن القديسة (مريم) لما عاينت نفسها في غاية الطهارة قالت لجبرائيل بجرأة… في هذا البيت جواب مريم البتول للملاك جبرائيل وهنا تدعى مريم العذراء قديسة لطهارتها من كل عيب وجاء في ختام هذا البيت وسواه من البيوت التالية الهتاف الموجز (هليلويا) وهو هتاف موجز ويدل على تسبيح الله (سبحوا الله).
- البيت الثالث: في هذا البيت من النشيد التماس من مريم العذراء أن تعلم ما لا يمكن أن يرتقي العقل إلى معرفته وهو بنصه تابع للحوار بينها وبين الملاك هنا يتمثل الخوف للملاك في إجابته على السؤال المطروح أمامه من البتول: (كيف يمكن أن يولد من أحشاء نقية ابن) في الإجابة البليغة من جهة لاهوتية سامية نقرأ فيما نقرأه أن البتول مريم هي حافظة سر الرأي الذي لا يوصف وإيمان المحتاجين إلى الصمت

وإن هذا الذي تسأل عنه هو مقدمة عجائب المسيح ومنه تشعبت بقية عجائبه المدونة على صفحات الإنجيل الشريف وفيما يلي كلام يشير إلى سلّم يعقوب الذي رآه في المنام.
- البيت الرابع: فيه الرد على سؤال والدة الإله وهو حقيقة تجسد الكلمة في أحشائها بحلول الروح القدس ولا نشك بأن هذا البيت من النشيد جاء مبنياً على آية الرسول لوقا 35 في الفصل الأول من إنجيله الشريف (فأجاب الملاك وقال لها أن الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك ولذلك فالقدوس المولود منك يدعى ابن الله.
البيت الخامس:فيه إشارة إلى ذهاب مريم البتول إلى مدينة يهوذا عند نسيبتها اليصابات لتهنئها بما وعدت به من ولادة ابن يمون عظيماً وفي هذه المقابلة بين مريم واليصابات نرى انقضاء العهد القديم في حبل وولادة يوحنا وهو خاتمة أنبياء هذا العهد وبداية العهد الحديث في حبل وولادة سيدنا يسوع المسيح من مريم العذراء وهنا نلاحظ أن هتافات الجنين مأخوذة من البيئة التي عاش فيها يوحنا المعمدان.

- البيت السادس: فيه تعبير عن اضطراب يوسف خطيب مريم العذراء الذي لم يطمئن له بال إلا حين ظهر له الملاك في الحلم وأنبأه بقضاء الله الأزلي بأن يرسل الفادي إلى العالم مولوداً من مخطوبته القديسة وكان اضطراب يوسف معقولاً لأن الفتاة التي توجد في حالة الحبل بدون زواج كان قصاصها الرجم بالحجارة وذلك حسب ناموس موسى.


الدور الثاني

- البيت السابع: فيه إشارة إلى سجود الرعاة للمولود العظيم وتسبيح الملائكة الذين ظهروا حين ولادته يسبحون الله ويمجدونه وبشروهم بالفرح العظيم الذي يخص كل الشعوب هنا تتمثل أمامنا قصة ولادة سيدنا يسوع المسيح في بيت لحم حيث كان رعاة يبيتون وظهور جمهور من الجند السماويين كما وردت في إنجيل القديس لوقا.
- البيت الثامن: في هذا البيت إشارة واضحة إلى مجيء المجوس من المشرق (ربما من بلاد الفرس) إلى أورشليم والذين لما رأوا كوكباً (نجماً غريب المظهر) ومسيّراً نحو هذه المدينة اتبعوه ليستقصوا عن الملك الذي يشير إليه بظهوره وسيره الغريب.
- البيت التاسع: جاء هذا البيت من النشيد متمماً للبيت السابق وفيه كلام عن فتيان الكلدانيين أي المجوس الذين قاموا بتقدمة الهدايا إلى البتول وفي نص الإنجيل إلى الصبي (أي المسيح) وهتافهم إلى العذراء لأنها والدة النجم (المسيح) الذي لا يغيب وفجر النهار السري وفي هتافات المجوس الموجهة إلى البتول يشار إليها بنعوت متعددة :مطفئة أتون الضلالة أي مبطلة عبادة الديانات الفاسدة ومستنيرة مساري الثالوث أي معلنة الإيمان بالثالوث الأقدس ومخرجة المغتصب العادم الإنسانية عن الرئاسة ومظهرة محبة المسيح للبشر ومخلصة ومنقذة العالم من عبادة الأصنام المتنوعة ولا سيما من عبادة النار.
- البيت العاشر: فيه الكلام عن رجوع المجوس إلى بلادهم وتبشيرهم بالمخلص المولود في بيت لحم اليهودية في هذا البيت من النشيد تتمة للبيتين السابقين وخاتمة لزيارة المجوس للمولود العظيم في بيت لحم وحكاية هذا البيت المختصر مدونة في إنجيل متى حيث يقول: (ثم أوحى الملاك إلى المجوس في الحلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس فرجعوا في طريق أخرى إلى بلادهم بابل ).
- البيت الحادي عشر: في هذا البيت إشارة إلى ذهاب الأسرة المقدسة إلى مصر التي سقطت أصنامها عند وصول السيد المسيح إليها ونرى في هذا النشيد أن أشخاصاً جديدة ترفع الهتافات إلى البتول وبعد أنت تنسب لها نهوض البشر وسقوط الأبالسة ووطأة ضلالة الخديعة وفضح غش الأصنام يقتبس الهاتفون مادتهم الرمزية إلى بعض حوادث العهد القديم أرض الميعاد التي يدر منها اللبن والعسل في ذلك غرق فرعون وإرواء الظمأى من الصخرة والعمود الناري وحكاية المن وأرض الميعاد التي يدر منها اللبن والعسل.

- البيت الثاني عشر: فيه إشارة إلى ترحيب سمعان الشيخ بالمسيح لما ذهب به يوسف وأمه مريم إلى الهيكل عند تمام الأربعين يوماً من ولادته بحسب الأوامر الشرعية الموسوية.

الدور الثالث

- البيت الثالث عشر: في هذا البيت من النشيد تمجيد لبتولية مريم العذراء وهنا الهاتفون يزينون ذكر بتوليتها بنعوت بسيطة في وضعها ولكنها عميقة في معناها وهكذا فإنهم يدعونها زهرة وإكليل الإمساك ورسم القيامة وسيرة الملائكة وشجرة لذيذة الطعم و غرسة ذات أوراق حسنة وحاملة مرشد الضالين ووالدة منقذ المأسورين وشفيعة عند الديان وغفران الخطأة وسربال ووداً لكل شوق.
- البيت الرابع عشر: في هذا البيت سلام جميع المؤمنين للبتول العذراء.

- البيت الخامس عشر: في النشيد يعلمنا بأن المسيح الإله المتجسد ما برح وهو على الأرض حاضراً بألوهيته في السماء لأنه ابن الذي يملأ الكون والسماوات والأرض في وقت واحد وهنا يمثل والدة الإله بأنها باب للسر المكرم وسماع ملتبس عند الكفار وفخر للمؤمنين ومركبة للذي على الشاروبيم ومنزل لمن هو على السيرافيم وباب مفتوح للفردوس ومفتاح لملكوت المسيح وبالتالي رجاء الخيرات الأبدية وكل هذه النعوت لها صداها في شخصية والدة الإله التي فتحت للمؤمنين أبواب الفردوس وملكوت السيد المسيح وكانت قد أغلقتها حواء بمعصيتها لإرادة الله.
- البيت السادس عشر: فيه دهشة الملائكة من تجسد المسيح ابن الله الأزلي وتواضعه على الأرض وبين الناس وسبب دهشة الملائكة لأنهم لم يكونوا يعرفون من قبل شيئاً عن تجسد مخلصنا وسيدنا يسوع المسيح.
- البيت السابع عشر: في هذا البيت سلام من المؤمنين للعذراء مريم التي بولادتها السيد المسيح ابن الله أدهشت عقول العلماء والفصحاء فصاروا في معناها كالسمك لا صوت لهم ولا كلام وهتافات هذا البيت موجهة إلى طبقات العلماء والفصحاء من فلاسفة ورجال أشداء في المناظرات حتى وإلى الأثينائيين المشهورين بصف الكلام والخطابة والشعر وما إلى ذلك وعلاوة على ذلك فإن والدة الإله تدعى إناء الحكمة وخزانة عناية الله وسفينة الذين يؤثرون الخلاص وميناء سبّاحي العمر.
- البيت الثامن عشر: فيه تسبيح إلى السيد المسيح الذي من أجلنا تجسد وأصبح إنساناً مثلنا وذلك ليخلص العالم.

الدور الرابع
- البيت التاسع عشر: فيه اعتراف صارخ بأن والدة الإله عذراء وسور للعذارى وطاهرة وقد سكن في أحشائها صانع السماء والأرض ومربية صالحة للعذارى ولذا فإنها تستحق كل تمجيد وتسبيح.

- البيت العشرون: فيه تسبيح إلى الملك القدس من المؤمنين مع إقرارهم بأنهم إذا قدموا إليه ما يساوي الرمل عدداً من التسابيح فلا يقومون بحق ما أنعمه علينا من الخيرات.

- البيت الحادي والعشرون: في هذا البيت يوجه ناظم النشيد الكلام إلى البتول القديسة داعياً إياها مصباحاً منيراً الذي ينير عقول الجالسين في ظلام المعصية لمعرفة الأسرار المقدسة.

- البيت الثاني والعشرون: في هذا البيت تسبيح(هليلويا) إلى سيدنا يسوع الذي حضر بذاته إلى جميع البشر ليوفي ديونهم ويعيدنا إلى الفردوس بعد أن كنا في عالم الخطيئة ولذا فإنه مزق الصك المكتوب على حساب ديوننا وهكذا أصبحنا أحراراً من كابوس المعصية والخطيئة ومستحقين نعمته والنعمة هنا جاءت بمعنى محبة المسيح التي لاحدود لها لخلاص الإنسان من اللعنة.

- البيت الثالث والعشرون: فيه مديح وتسبيح لوالدة الإله لأن الرب حلّ في بطنها وقدسها ومجدها ولذا فإنها أصبحت مظلة الإله الكلمة وقديسة أعظم من كل القديسين وتابوتاً مذهباً بالروح وكنزاً لحياة لا تفنى وتاجاً مكرماً للملوك وفخراً موقراً للكهنة وبرجاً للكنيسة لا يتزعزع وسوراً للمملكة لا يهدم وبها يقوم الظفر ويسقط الأعداء وهي شفاء الجسد وخلاص النفوس.
- البيت الرابع والعشرون: فيه هذا البيت وهو خاتمة نشيد الأكاثيسطوس تضرعات إلى البتول مريم الكلية القداسة والطهارة لكي تتقبل صلواتنا وتنقذنا من أصناف الشرور والشدائد.

بشفاعات والدة الإله يا مخلص خلصنا