المطران إبراهيم زار برّ الياس للمرّة الأولى، وهكذا استقبله أهلها!
ثمّ احتفل المطران إبراهيم بالذّبيحة الإلهيّة بمشاركة النّائب الأسقفيّ العامّ الأرشمندريت نقولا حكيم، وكاهن الرّعيّة الأب إيليّا عون والأبوين أومير عبيدي وشربل راشد، وخدمته جوقة الكنيسة بمشاركة الأب إيلياس ابراهيم.
بعد الإنجيل المقدّس، رحّب الأب عون بالمطران شاكرًا إيّاه على زيارته ومحبّته، مقدّمًا له أيقونة النّبيّ إيليّا عربون محبّة وتقدير.
كما ألقى المطران إبراهيم عظة قال فيها: "أشكر الأب إيليّا على كلماته الجميلة النّابعة من القلب والّتي تمثّل مشاعركم جميعًا، مشاعر أهل هذه البلدة العريقة برّ الياس الّتي تحمل اسم نبيّ عظيم، النّبيّ إيليّا أو الياس ويبدو أنّه ترك أهمّ صفة لديه في كلّ الأشخاص في هذه البلدة من حماس وصدق وطيب الاستقبال. أشكركم على الاستقبال الرّائع، والمجد نحوّله دائمًا إلى الرّبّ.
أشكر الكهنة المشاركين معي في القدّاس اليوم، النّائب الأسقفيّ العامّ الأرشمندريت نقولا حكيم، والآباء أومير عبيدي، شربل راشد وإيليّا عون كاهن الرّعيّة. الكهنة اليوم يتحمّلون هذا الظّرف الصّعب كما يتحمّله كلّ النّاس، ليس من السّهل اليوم أن يكون الإنسان مكرّسًا للخدمة وكلّ الوسائل المتاحة للخدمة أصبحت نادرة أو صعبة المنال.
من المستحبّ اليوم كتابة الأيقونات من دون سلاح يدويّ كالسّيف أو الخنجر، لأنّنا كمسيحيّين سلاحنا الوحيد هو الصّليب الّذي هو صليب اللّاعنف الّذي تميّز به يسوع المسيح، الرّبّ الّذي قبل أن يصلب من أجل خلاص العالم من دون أن يتفوّه بكلمة. يسوع كان ملك اللّاعنف وأمير السّلام. ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى السّلام، قبل كلّ شيء وفوق كلّ شيء سلام القلب وسلام الفكر وسلام المنطق السّليم، فإذا كان الإنسان غير سليم من المستحيل أن يكون ساعٍ للسّلام.
من الأشياء الجميلة الّتي صادفتها اليوم إلى جانب الاستقبال الكريم، نثر الأرزّ والورود من قبل إخوتنا المسلمين وهذا مشهد رائع جدًّا لأنّه يرمز إلى أهمّيّة العيش الواحد، ويسوع في إنجيل اليوم تلا صلاة الوحدة "أصلّي لكي يكونوا واحدًا كما أنا وأنت أيّها الآب واحد". الوحدة هي ميزة إلهيّة وميزة إنسانيّة في نفس الوقت، فالّذي لا يستطيع أن يرى الله في الآخر لا يمكن أن يتعرّف عليه بغضّ النّظر عن مدى اختلاف هذا الآخر باللّون أو الإيمان أو العقيدة أو المستوى الاجتماعيّ. وهذه الأشياء جميعها لا يمكن أن تشكّل قاعدة تزرع التّميّز بين النّاس بمستوى كراماتهم وأهمّيّتهم، فالنّاس متساوون بالكرامة والأهمّيّة.
عندما تولّيت مهامي الأسقفيّة في أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع قلت في خطاب التّولية إنّ أهل زحلة أوجدوا لاهوتًا خاصًّا دون أن يعلموا، فعندما بدأوا بمناداة الآخر "يا ديني"، أي أنت أيّها الآخر بعد الله ديني، الله لا يحتاج شيئًا من البشر لأنّه الكمال، هو يحتاج الصّلاة لكي يجعلنا نصلّي، يحتاج محبّتنا إليه لكي نحبّ نحن، الحاجة هي جهتنا، فكلّ ما قمنا بهذه الأشياء الّتي تظهر صورة الله فينا يفرح قلب الله. الله يحتاجنا لأنّه يحبّنا، من منطلق المحبّة ولو لم يكن يحتاج محبّتنا بهذا المعنى اللّاهوتيّ لما كان مات على الصّليب حبًّا بالبشر كما نقول في ليتورجيّاتنا.
وأحببت شيئًا آخر لديكم هو اتّباعكم البروتوكول الصّحيح، من ناحية تظهرون احترامًا واهتمامًا بمن لديه مسؤوليّة مميّزة في البلدة أو المنطقة أو الوطن وتجلسوهم في الصّفوف الأماميّة، ونحن في صلواتنا نذكر دائمًا المسؤولين ليس لأنّهم كاملين بل ليكتملوا، نحن نؤمن أنّ السّلطة تعطى للنّاس من فوق. هؤلاء المسؤولون هم من اختيار الشّعب ومن إرادة الشّعب المبنيّة على الحرّيّة الّتي أحيانًا تكون عظيمة وأحيانًا أخرى تكون حرّيّة مهترئة مع الأسف، وهذه الحرّيّة المهترئة توصلنا إلى قرارات ونتائج مهترئة ومفكّكة، لكن الله يحترم حرّيّتنا حتّى ولو كانت مفكّكة لدرجة أنّ هذه الحرّيّة أحيانًا تختار أن تقول "لا إله" فقط وهذا الكفر بعينه والإلحاد ومع ذلك الرّبّ يحترم حرّيّتنا.
وبالعودة إلى البروتوكل الثّاني الّذي لم أره في غير كنائس وهو جلوس الأطفال في الصّفوف الأماميّة، وهذا برأيي أفضل وأجمل بروتوكول، هذا بروتوكول الوعي بأنّ الكنيسة هي الغد وليس فقط اليوم. إذا كنّا نريد إبقاء الأولاد خارج الكنيسة لأسباب تعرفونها جميعًا، وهذا الأمر أكرّره في كلّ الكنائس الّتي أزورها ليسمعوا هذا التّفكير الّذي علينا اتّباعه في التّعاطي مع الأطفال والأولاد والشّباب، ونحن تعوّدنا أنّه إذا بكى الولد علينا إخراجه من الكنيسة ممّا يؤدّي إلى ردّات فعل من الأهل بعدم العودة إلى الكنيسة إلى بعد أن يكبر، وهذا أمر خاطئ. الأولاد يجب أن يعتادوا على الكنيسة وهم على أيدي أهلهم، يجب أن يروا الأيقونات ويسمعوا التّرانيم ويتنشّقوا رائحة البخور ومشاهدة الجماعة المصلّية، يجب أن يعيشوا طفولتهم في الكنيسة هذه الطّفولة الّتي تحدّث عنها يسوع عندما قال "إن لم تعودوا كالأطفال لن تدخلوا ملكوت السّماوات" ممّا يجعل اللّاهوت حركة تنازليّة لا تصاعديّة في الحكمة والفهم.
أطلب من الرّبّ أن يبارك هذه الرّعيّة الحيّة وهذه الكنيسة التّاريخيّة الجميلة، والأيقونات الحيّة الجالسة على المقاعد الّتي توازي وتفوق ربّما الأيقونات الموجودة على جدران الكنيسة قيمةً.
أطلب من الرّبّ أيضًا أن تكمّل هذه البلدة مسيرتها المميّزة في العيش الواحد، وأن تكونوا دائمًا في برّ الياس عائلة واحدة لأنّ الإنسان هو واحد في الإنسانيّة والله هو واحد في اللّاهوت، ومهما تفرّقنا نحن البشر يبقى الله واحدًا لا نستطيع تجزئته ومهما تفرّق النّاس الإنسانيّة تبقى واحدة".
بعد القدّاس، إنتقل الجميع إلى صالون الكنيسة حيث قُطع قالب حلوى للمناسبة.