لبنان
02 كانون الثاني 2020, 15:00

المطران بقعوني: لبذل الذّات والتّضحية من أجل بناء وطن جديد حقيقيّ نقيّ خال من الفساد والمفسدين

تيلي لوميار/ نورسات
صدحت الصّلوات أمس من كاتدرائيّة النّبيّ إيليّا- وسط بيروت، في قدّاس احتفاليّ ترأّسه راعي أبرشيّة بيروت وجبيل وتوابعهما للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران جورج بقعوني لمناسبة رأس السّنة وتذكار القدّيس باسيليوس، عاونه فيه كلّ من النّائب الأسقفيّ الأرشمندريت كميل ملحم والأب أغابيوس (ريشار) كفوري، وخدمته جوقة الكنيسة.

بعد الإنجيل المقدّس، ألقى بقعوني عظة قال فيها نقلاً عن "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "يصادف في مناسبة رأس السّنة الميلاديّة هذا العام أنّنا نمرّ في ظروف صعبة جدًّا، فلبنان في وسط إعصار لم يعهده من قبل، والجميع يحاول إيجاد الحلول، ولكن بحسب إيمانيّ فإنّ هذا الوضع بحاجة إلى حكمة، وإلى فكر الله، فجهودنا البشريّة وجهود جميع المسؤولين عن هذا الوطن منذ عقود حتّى اليوم لم تفلح في بناء وطن ينعم فيه جميع أبنائه بكلّ حقوقهم ونطمئنّ فيه لمستقبلنا، لذا فنحن بحاجة لحكمة الله. يقول لنا الله في سفر أشعيا: "إنّ أفكاري ليست أفكاركم وليست طرقكم طرقي". إذا أردنا فكر الله فيجب أن ندخل في علاقة شخصيّة وحيّة وحقيقيّة مع مخلّصنا يسوع المسيح.
يحذّرنا بولس الرّسول في الرّسالة من امتلاء أفكارنا من فكر هذا العالم ومن تقاليد النّاس الّتي تتضارب في جزء منها مع فكر الله، مع فكر يسوع المسيح. ويذكّرنا بولس الرّسول أيضًا بالعماد، وبأنّنا خلعنا الإنسان القديم ولبسنا الإنسان الجديد، ونلنا نصرة القيامة وصرنا أبناء وبنات لله. فإذا أردنا أن تكون سنة مباركة فيجب العودة لله. لقد قلت وأكرّر إنّنا بحاجة لتوبة شخصيّة، ان كنّا مسيحيّين أو غير مسيحيّين، فكما زرعنا حصدنا. والإعصار الّذي نمرّ به كشف لنا أنّنا بنينا وطننا على خشب والهيكل أصبح متزعزعًا وهو يتهاوى على رؤوسنا، والجميع بطريقة أو بأخرى مسؤول عن هذه الأوضاع، لذا علينا في بداية هذه السّنة البدء بالتّوبة. الكلّ يريد أن يغيّر، الكلّ يعتبر نفسه بارًّا والآخر مذنبًا. ويسوع يقول لنا في الإنجيل: بدل أن تخرج القذى في عين أخيك أخرج الخشبة من عينك.
أقول لجميع العاملين في القطاع العامّ من مسؤولين سياسيّين واقتصاديّين وفي مختلف الوزارات والمصالح، إنّ النّتيجة الّتي وصلنا إليها، تدلّ على أنّنا سمحنا لكثير من الفساد أن يعشّش في نفوسنا وفي مؤسّساتنا، وأشجّع الجميع على التّوبة. أيضًا هذا الإعصار كشف عمق الطّائفيّة والمذهبيّة المترسّخة في العقول والأذهان والمسؤوليّة تقع في الدّرجة الأولى على الأحزاب لأنّ معظم الأحزاب وإن كانت تحمل أسماء جميلة، فهي أحزاب دينيّة طائفيّة مذهبيّة. أنظروا إلى المنتمين إليها، فإذا أردنا أن نغيّر لبنان وأن ننزع المرض الّذي يضربه، فيجب أن يحصل تعديل في قوانين الأحزاب ويفرض عليها أن تضمّ أعضاء من مختلف الدّيانات والمذاهب وألّا يقبل أن تبقى الأحزاب من دين أو مذهب واحد، فليبدأ الحزبيّون ببناء أحزابهم وليبرهنوا أنّهم حقيقة وطنيّون، كلّهم يقولون إنّهم يعملون من أجل لبنان ولكن النّتيجة لا تظهر أنّ عملهم كان لصالح لبنان واللّبنانيّبن. وإلّا لماذا نحن في هذا الوضع؟ فالتّوبة مطلوبة في القطاع العامّ والخاصّ وفي الأحزاب، ومطلوبة أيضًا من رجال الدّين من إكليروس ومكرّسين ومكرّسات، كلّنا مدعوّون للتّوبة، فالبعض منّا إمّا صمت وإمّا شارك بطريقة أو بأخرى في هذا الفساد وساهم به، فعندما نتملّق السّياسيّين ونخشى أن نوجّه لهم الكلمات المناسبة أو عندما نتملّق بعض رجال الأعمال الّذين يحسنون إلى كنائسنا وجوامعنا وهم في الوقت عينه ساهموا في إفساد هذا الوطن ألّا نكون نشترك في هذا الفساد؟ عندما تكون خيرات الكنيسة لا تستعمل للغاية الّتي من أجلها وجدت ألّا يكون ذلك فسادًا؟
في الاجتماع الأخير لمجلس الأساقفة الكاثوليك اتّفقنا جميعًا على أن تنصرف الكنيسة الكاثوليكيّة إلى عمل المحبّة وأن تتوقّف عن أيّ مشاريع إنشائيّة وأن نعيش في أسلوب حياتنا المزيد من البساطة والتّواضع. والكنيسة مسؤولة أن ترافق أبناءها وترعاهم. والمسيح يطلب منّا الاهتمام بالفقراء، وفي إرشاده الرّسوليّ يحذّرنا البابا فرنسيس من الدّنيويّة الرّوحيّة، وإحدى تجلّياتها الاهتمام بنجاح المؤسّسات الكنسيّة من دون النّفاذ الحقيقيّ للإنجيل في حياة المؤمنين، أيّ من دون الاهتمام بالفقراء ومن دون نشر الإنجيل عن طريق الشّهادة والعمل. وأتمنّى أن يعي اللّبنانيّون هذه المرّة مقدار خطيئتهم وأن يتوبوا شخصيًّا وجماعيًّا بمختلف فئاتهم، لأنّ كارثة لبنان ناتجة أوّلاً عن الفساد وثانيًا عن سياسات التّعصّب الدّينيّ والمذهبيّ الّتي نتغطّى دائمًا وراءها لنبرّر لأنفسنا كلّ الممارسات الخاطئة.
يجب أن نعطي دائمًا الأولويّة لوطننا الحبيب، فالجميع مدعوّون لبذل الذّات والتّضحية من أجل بناء وطن جديد حقيقيّ نقيّ خال من الفساد والمفسدين".
وفي نهاية القدّاس، استقبل بقعوني التّهاني بالعيد في صالون الكنيسة.