المونسنيور بيوس قاشا: نورسات وتيلي لوميار رسالة سماويّة أرضيّة
"الوطن مُلْكُ الجميع. هو المُلْك المشترك بين أعضاء البلد الواحد بغضّ النّظر عن انتماءاتهم وخلفيّاتهم المذهبيّة والطّائفيّة. فكلّنا شركاء في هذا الوطن، لذا علينا أن نتربّى بوطنيّة صميمة لنصوغ مفهومًا جديدًا وحقيقيًّا للوطن، للسّلام، من أجل الحقوق الدّستوريّة لكلّ مواطن، والسّهر على تطبيق القوانين وحماية الحقوق لكلّ مواطن. وهذا ما كان في زيارة رسوليّة للبابا لاون الرّابع عشر تحت شعار "طوبى لفاعلي السّلام" (متّى9:5) فقد جاء يُنشد السّلام في لبنان بلد التّعايش والخير، بلد العيش المشترك والحبّ.
فهنيئاً لكِ يا قناة نورسات وتيلي لوميار... عملتِ مثل النّحل، فأنتِ بأبهى الكلمات في ذلك دخلتِ كلّ بيت ودار ومكتب. أنتِ حُسبتِ للجميع، بل أنتِ في قلبنا. لقد أحببتِ ذلك لتكوني خادمة. فالعالم أُنشئ لأجلكِ من جديد. تحكين حكاية الله وكلمته، وتواصلي المسيرة، فالكلّ معكِ ومن أجلكِ يعملون لكي تبثّي النّور بين الجموع، إذ لا يغطّيه الإعلام الغير الصّادق ولا الفكرة الفاسدة بل هو عبر الحقيقة، عبر الرّسالة. فأنتِ للشّعب والشّعب منكِ، وعليكِ حمل الرّسالة لتكوني مع معلّمكِ رسولة الحياة، وفيه الرّسالة أمينة الموهبة لتقولي وتنقلي حقيقة الكلام مع آلاف البرامج.
هنيئًا لكِ... فأنتِ الدّين، ودينُكِ من أجل الإنسان لكي تحمليه إلى السّماء، وتلك أفكارٌ عبر طريق الكنيسة. فإنْ كان مريضًا أو مهمَّشًا توجّهين له الدّعوة الّتي تحمليها في قلبكِ وعلى لسانكِ علامةً للحبّ والسّلام، بحيث لا تنسين أنْ تحملي الدّعوة عبر الصّليب وفي قلب كلّ واحد لكي لا تكوني بعيدة عنه، فأنتِ حقيقة يسوع المسيح.
هنيئًا لكِ... فقد أنشأتِ علاقاتٍ وتفاهمًا مع الآخر المختلف، ومزجتِ الدّموع بالفرحة عندما زار قداسته دير الصّليب، ومع الّذين يحملون سِمات الإنسان بعدم النّظر والسّؤال عن انتمائهم الطّائفيّ والاجتماعيّ من أجل هويّة وطنيّة وإنسانيّة وإيمانيّة جامعة. وعملتِ على عدم التّمايز الطّائفيّ بل حتّى التّمييز، ولم تستعملي الغطاء المذهبيّ لكي لا يكون لكِ الوسيلة الأقدر والأفضل لنيل المطالب. فأنتِ تؤمنين بحرّيّة الفرد كاملًا كان أو ناقصًا، فكلّ واحد له مبادئ وحرّيّة، ويعبّر حسبه هو وحسب معتقده ليساهم بصورة مباشرة في وضع المبادئ وخاصّة الإعلاميّة والإعلان العالميّ الّذي حفظ كلّ الحرّيّات الإنسانيّة من أجل الخير العامّ.
هنيئًا لكِ... فأنتِ الوحدة بدعوتكِ، واستطعتِ أن تجمعي جميع الّذين يؤمنون بالمسيح الحيّ والّذين لا يعرفونه ببوصلة واحدة، فكلّهم من أجل لبنان. وأعطيتِ الثّقل للبلد الواحد لأنّه يتّجه نحو السّماء. فأنتِ وكلماتكِ ستكونين النّور للمؤمنين وغير المؤمنين. فالله موجود في القلوب، والثّقافة والوحدة طريقًا السّماء والسّلام. فأنتِ صغيرة بحجمكِ ولكن كبيرة بأعمالكِ وفي أفكارنا. فَمِن باب لبنان ينتظر الشّعب الثّمر، وينظر إلى الدّول الأخرى. وإن كانت حياتكِ اليوم مليئة بالهواجس، فلبنان سيرجع يومًا إلى الخارطة بزيارة قداسته إلى شربل القدّيس الّذي أصبح مزارًا دوليًّا. إنّه مزار حَجّ وتاريخيّ لتغيير المعادلات والمواقع. ولكن لنسأل: نحن ماذا نريد؟ والجواب هو عندكِ، ومنكِ يكون الجواب الشّافي. فأنتِ في مسيرتكِ يشترك القائد والفلّاح والعامل والعسكريّ، فأنتِ القائد الضّرورة لكلّ مَن لا يرى ولا يحسّ. أنتِ الغذاء للجائع والينبوع للعطشان، تنتظرين عودته لكي تفتحي له الأبواب من أجل سلامته. فأنتِ أمينة على أملاكه وحرّيّته.
هنيئًا لكِ... إذ نقلتِ الزّيارة بكلّ عطاء ومحبّة وتفانٍ، فكنتِ أنتِ صوت الضّمير دون أن تبالين بالأتعاب. فمئات المقابلات أجريتِ، ومئات الأناشيد أنشَدْتِ، والعديد من الإعلاميّين كانوا على وجه الحقيقة، وكلّ ذلك من أجل ترحاله وحلّه، حيث صلّى قداسته وزار وحجّ وقدّس، وعملتِ ذلك ضدّ توظيف السّياسة بالدّين والّتي لا تُنتج إلّا أضرارًا. فأنتِ تراعين الشّؤون الرّوحيّة والدّينيّة، وقد رفضتِ أن تدخل الدّولة في شؤون الكنيسة، فعملتِ ما لقيصر لقيصر وما لله لله (مر17:12) وهكذا كان شعار "أخ نور" الّذي يعمل من أجل السّماء ليقول الحقيقة أينما حلّ وأينما كان عبر الكلمة المسموعة والمرئيّة والمقروءة، وأنتم وأنتنّ جميعًا معه.
هنيئًا لكِ... يا مَن التقطتِ صورًا وعملتِ على إرسالها لتكوني في مسار الحقيقة. فلم تتنازلي عن حقيقتكِ حيث أراد الكثيرون من السّياسيّين استغلالكِ، ولكن كنتِ بالمرصاد. ولم تُفسدي القاعدة في مسيرتكِ وعطائكِ ورسالتكِ السّامية. لقد كنتِ في قلب البشريّة بوجودٍ مستقلّ وعطاءٍ حيث لا عطاء، وكنتِ الحقيقة حيث الفساد والكذب يتغذّيان من الحقد ويرفعان راية الدّين، والدّين منهم براء. فقد حرّرتِ الدّين من قبضة البشر والسّياسة، ومنعتِ من اقتحام ذلك، ولم تسمحي أن يتحالف رجال الدّين للحصول على امتيازات معيّنة ولا على مزايداتٍ سياسيّة، فقد كنتِ تقولين "أنا والمسيح الحيّ والآخر المختلف ولا شيء آخر". إنّها دعوة صريحة من الّذين يرفعون علنًا سلامًا يناقضونه ليلًا.
هنيئًا لكِ... لأنّكِ تعملين وتبذلين كلّ جهودكِ لتقديم المعونات رغم الإمكانيّات المحدودة. فأنتِ تؤمنين بأنّ الإنسان مخلوق على صورة الله ومثاله، محافظةً على كرامته في تقديم يد المساعدة من طعام ومأوى ومسكن وتعليم، فالبابا فرنسيس يقول: "ليس اللّاجئون والمهاجرون حجارة شطرنج" فأنتِ تعملين على تحرير المهجّرين واللّاجئين من أجل حياتهم وكرامتهم.
هنيئًا لكِ... فقد أدَّيتِ واجبًا كان عليكِ كلمةً ثمّ طلبًا بأمانةٍ وإخلاص، بوفاءٍ وشجاعة. كنتِ الكلّ في الكلّ لتربحي الكلّ (1كو22:9) فاللّه موجود في القلوب. فحملتِ الفرح- وإن كان خارجيًّا- برجاءٍ تحت الصّليب لتحيا المسكونة بأسرها. فأنتِ الكرامة، وإليكِ يتطلّع المريض والمهمّش والفقير والمَسبي، وكما يقول البابا فرنسيس شفيع الفقراء: كنتِ الألم فكنتِ فرصة للحبّ، وهذا هو عملكِ، ومن أجل ذلك كنتِ ولا زلتِ وستبقين.
هنيئًا لكِ... لأنّكِ تزرعين الحبّ والسّلام والتّآخي. فأنتِ للشّعب والشّعب منكِ. زرعتِ الّتجديد لكي تجدّدي وجه المسكونة بوجه الله، وتحملي ذلك إلى البلدان البعيدة والعقول العطشى إلى ينابيع الإيمان لكي يكون عملًا جبّارًا من أجل لبنان والشّرق. فأنتِ الشّرق، لا بل تقودينه من لبنان الرّسالة. أنتِ الحارس الأمين، وستبقى بعونه أجراسنا ونواقيسنا تدقّ رغم المصاعب والآلام، فأنتِ معنا في المقدّمة تقرعين الأجراس لأنّكِ في بلد التّعايش من أجل ريادة السّلام، وإنّكِ إطار لصورة الكنيسة المجاهدة من أجل نشرها. فدوركِ تاريخيّ لأنّكِ تحملين لبنان والشّرق على صعيد الإعلام والثّقافة والإيمان. فأنتِ لبنان، ولبنان شرقنا، وشرقنا منكِ، لعطائكِ المستمرّ ولتضحيتكِ المتفانية.
هنيئًا لكِ... زيارة قداسة البابا لاون الرّابع عشر. "طوبى لفاعي السّلام"... جاء ليذكّرنا بأنّ السّلام موهبة من الله لكم أنتم المكرّسون والمكرّسات، الرّهبان والرّاهبات، الكهنة والخوارنة، الأساقفة والمطارنة والبطاركة. إنّكم أنتم حرّاس التّعليم المسيحيّ وتعليم الكنيسة، فكونوا أمناء وأوفياء لِمَا أعطاكم الرّبّ من نِعَمٍ ومواهب وعفّة وفقر وتواضع وطاعة. واعلموا أنّ إرادة السّماء غير إرادة أهل الأرض من أجل خير الإنسان. ومن أجل ذلك كانت إرادة ربّ السّماء.
هنيئًا لكِ... فقد حملتِ الرّجاء بكرامة الإنسان، وعيوننا تصرخ إلى يسوع "ارحمنا" وإن كنّا نشكو نفسيًّا وروحيًّا وصرنا بهذا فنحن لها. فقيمة الإنسان ليست بصحّته بل بنعمة وجوده. فالأهمّيّة الكبرى الإنسان، وما هو إلّا نعمة من الله، وهذه جعلتكِ تنتقلين من الآخر إلى الآخر المختلف ولخير الإنسان وحقيقة العيش وحقيقة السّماء."
