الفاتيكان
21 تشرين الأول 2020, 13:30

برتلماوس في لقاء السّلام: لقد دقّت ساعة التّصرّف!

تيلي لوميار/ نورسات
تحت عنوان "الإيكولوجيا، خلاص البشريّة والخليقة كلّها"، ألقى بطريرك القسطنطينيّة المسكونيّ برتلماوس الأوّل بالأمس كلمته في لقاء الصّلاة من أجل السّلام: "لا أحد يخلص بمفرده- السّلام والأخوّة"، قال فيها بحسب "فاتيكان نيوز":

"كي نبني الأخوّة الّتي تقود إلى السّلام والعدالة والاحترام والتّفاهم، ولكي نشعر أنّنا أقرباء كمن يقيمون في كنف منزل واحد، علينا أن نبدأ من الاعتناء ببيتنا المشترك، الّذي نتواجد فيه جميعنا، أبناء هذه الإنسانيّة وكلّ ما خلقه الله. لقد ولّى زمن الموضة الإيكولوجيّة، وزمن إضفاء المثاليّة عليها أو تحويلها إلى أيديولوجيا. لقد دقّت ساعة التّصرّف.

ممّا لا شكّ فيه أنّ العديد من الدّول، والحركات والتّيّارات الفكريّة، والعلماء ومواطني العالم عملوا منذ فترة وما يزالون يعملون من أجل مداواة كوكبنا المريض. وقامت بطريركيّتنا المسكونيّة منذ أكثر من ثلاثين عامًا بتحديد الجذور الرّوحيّة لهذه الأزمة الإيكولوجيّة: فقد نُظّمت المؤتمرات واللّقاءات والمنتديات وصيغت شرعاتٌ للإيكولوجيا، لكن كلّ ذلك طُرح جانبًا بسبب الأزمة الصّحّيّة والاقتصاديّة العالميّة، الّتي سبّبتها الجائحة الرّاهنة، والّتي بدورها طرحت علينا تساؤلات جديدة. على التّصرّف من أجل البيت المشترك أن يتّخذ مسارًا جديدًا، وعليه أن يتطوّر في ضوء مختلف. علينا أن نبدّل النّظام الاجتماعيّ– الثّقافيّ الدّنيويّ ونستشعر بالجزء الإلهيّ الموجود ضمنه.

في القرن السّادس قبل المسيح طرح الفيلسوف الإغريقيّ أنكسيمانس المالطيّ نظريّة العناصر الأربعة، وهذه النّظريّة اجتازت تاريخنا كلّه لتصل إلينا اليوم. منذ البدء قام الفلاسفة وعلماء الرّياضيّات والخيمياء بالتّقصّي والدّراسة حول العناصر الطّبيعيّة والأساسيّة الأربعة الّتي يتألّف منها الكوكب: الهواء، المياه، النّار والأرض. كلُّها متوازية من حيث الأهمّيّة وهي تتبادل باستمرار وتسمح بالنّموّ المتناغم للحياة وبمسار العالم الطّبيعيّ.

لكن آن الأوان لندرك أنّ علاقتها مع الحياة تكون على هذا الشّكل، إذا ما تضمّنت الحياةُ صيغة البيت المشترك. فبدون الحفاظ على البيئة الطّبيعيّة، وبدون البيت المشترك، تنتمي العناصر الأربعة إلى الفضاء الكونيّ، لا إلى الحياة الّتي خلقها الله. فمن هنا تنبع ضرورة أن تكون العناصر الأربعة موازية للبيت المشترك، لأنّ معه فقط يمكن أن ينجو الجنسُ البشريّ والخليقة برمّتها.

وفي الوقت نفسه، تقدّم لنا ديانات العالم الكبيرة ونصوصُها المقدّسة، إطارا شبيها جداً بعمل الخلق الذي قام به الله، والذي يوجد الإنسان في صُلبه. فالإنسان هو جزء من الخليقة، مع كل ما تتضمنه. بحسب التقليد المسيحي، لقد خُلق الإنسان على صورة الله ومثاله، وفي كثير من الأحيان فسّر بعض اللّاهوتيّين هذا المفهوم كنوع من تسلّط الإنسان على باقي الخليقة. لم يُفسّر كمقاسمة لهذه "النَّفْس الحيّة" الموجودة في عمل الخلق كلّه (الّذي قام به الله) بل كسلطة مطلقة للكائن البشريّ على الكون بأسره. علينا أيضًا أن نبدّل هذا النّظام الأنتروبولوجيّ، وأن ندرك أنّ البيت المشترك هو كبيتِ المرايا. إنّه مرآةٌ نرى فيها انعكاس صورتنا، وصورةِ كلّ أخ لنا وكلّ عنصر في الخليقة.

إذ خُلقنا على صورة الله ومثاله نرى في داخلنا صورة أخينا، ونرى لدى كلّ كائن بشريّ جزءًا إلهيًّا. من خلال النّظر إلى الخليقة المحيطة بنا، نرى العمل الإلهيّ المتواجد فيها.  

في البيت المشترك، لا يكون السّلام والأخوّة عنصرين من التّعصّب الدّينيّ أو الثّقافيّ، لكنّهما حرّيّة حقيقيّة تجعلنا نفهم في هذه المرحلة المظلمة، أنّ لا أحد يخلص لوحده."