مصر
08 نيسان 2021, 13:50

تواضروس الثّاني يحتفل مع كنيسة الملاك ميخائيل في الإسكندريّة بيوبيلها الذّهبيّ

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة تواضروس الثّاني صباحًا، بمشاركة لفيف من أحبار الكنيسة وحضور عدد محدود من المؤمنين، القدّاس الإلهيّ في كنيسة الملاك ميخائيل- الإسكندريّة، لمناسبة مرور 50 سنة على الاحتفال بأوّل قدّاس فيها.

تخلّلت القدّاس ترقية أقدم شمامسة الكنيسة الدّياكون ميخائيل إلى "أرشيدياكون"، إضافة إلى عظة البابا الّتي جاء فيها بحسب "المتحدّث بإسم الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة":

"في هذا الصّباح المبارك أيّها الأحبّاء وفي هذا الإنجيل معجزة قام بها ربّنا يسوع المسيح في يوم سبت لامرأة منحنية لمدّة 18 عامًا، كانت متألّمة.

ومن المعجزة نعرف أنّ الشّيطان هو الّذي احتلّ روحها، فجاء السّيّد المسيح وشفاها، ويقول الكتاب "فَفِي الْحَالِ اسْتَقَامَتْ" ومجّد الكثيرون الله.  

ولكن على الجانب الآخر، هناك من اعترض ووبّخ رئيس المجمع الحضور وقال لهم "هِيَ سِتَّةُ أَيَّامٍ يَنْبَغِي فِيهَا الْعَمَلُ، فَفِي هذِهِ ائْتُوا وَاسْتَشْفُوا، وَلَيْسَ فِي يَوْمِ السَّبْتِ!". وكلمة سبت في العهد القديم تعني راحة وعندما يقول "اُذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ." إجعله يومًا من أجل تمجيد الله وتقديس اسمه، ولكن كما نقرأ في الإنجيل هناك معجزات كثيرة يوجد نوعان من النّاس:

- نوع يحمل في قلبه حجر.

- نوع يحمل في قلبه رحمة.

والّذي يدقّق في حياة ربّنا يسوع المسيح على الأرض يجد أنّه كان في معركة بين أصحاب القلوب الممتلئة بالقساوة وكيف يحوّلها السّيّد المسيح إلى قلوب تمتلئ بالرّحمة. وكان صراع بين القساوة والرّحمة، الإنسان من عمل الخطيّة قلبه يزداد سوادًا ويتحجّر ويخرج القسوة منه على كلّ المستويات، كان الصّراع الحقيقيّ والّذي حاول السّيّد المسيح من خلال المعجزات الّتي يصنعها وهي أعمال الرّحمة الكبيرة يصنعها يوم سبت مثل شفاء المفلوج، وكان يقصد ليرفع من النّاس هذه القساوة. وفترة الصّوم المقدّس هي فترة نعيشها كلّ عام لننزع من داخلنا القساوة. هذا هو هدف الصّوم أن يتحوّل قلب الإنسان من الجمود والقسوة وعدم الإحساس بالآخر وعدم الشّعور يتحوّل إلى قلب ممتلئ بالرّحمة وإلى قلب يصنع ويفيض بالرّحمة. جاء السّيّد المسيح لكي يحوّل القسوة إلى رحمة.

يوم الرّفاع نقرأ في إنجيل (متّى 6) "فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ" والمخدع هنا هو قلب الإنسان، ادخل إلى قلبك واعرف ما هي طبيعته؟ وإن كنت تنشغل بالآخرين طول العام ولكن فترة الصّوم انشغل بقلبك، "وأغلق بابك" الباب هو الفم، أغلقه عن الكلام والطّعام.

الأحد الّذي يلي أحد الرّفاع تعلّمنا الكنيسة في إنجيل (متّى 6) "سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِمًا" فسراج الجسد هي العين، هل عينك تقود جسدك بطريقة صحيحة؟!

تنبّهنا الكنيسة أن نحمي عيوننا لأنّها مدخل للقلب، الخطيّة تجعل القلب ناشف وقاسي تغيب عنه المشاعر وأوّلها مشاعر التّوبة.

في بداية رحلة الصّيام نعاين القلب وفي منتصف الصّيام يقول لنا "كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا، وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ" كلّ من يشرب من النّاموسيّة والحرفيّة لأنّ الحرف يقتل، من يمتلئ قلبه بالقساوة يظلّ عطشان ولا يشبع ولا يرتاح وهنا المقصود به العطش الرّوحيّ ومن يشرب من ماء هذا العالم يظلّ عطشانًا ولا يرتاح ولا يعرف أن يصنع رحمة ونرى في حوار المرأة السّامريّة مع السّيّد المسيح ويدقّق في اختيار الكلمات ويمدحها وتتدرّج المرأة حتّى تصل أن تترك جرّتها أهمّ شيء عندها وتقدّم الكرازة لأهل السّامرة. وهذه الجرّة تصنع من طين الأرض فهي تركت جرّتها تركت القساوة. في منتصف الصّيام ومع المرأة السّامريّة وهي تمثّل النّفس البشريّة يجب أن يترك الإنسان هذه القساوة الّتي تجعلك تدين كلّ إنسان.

الصّيام رحلة للتّخلّي عن قساوة القلب، وتعلّمنا الكنيسة "طوبى للرّحماء على المساكين" وليس المقصود الفقراء فقط ولكن من يمتلئ قلبه بالرّحمة وأكثر كلمة نصلّي بها في كنيستنا هي (كيرياليسون- ياربّ ارحم) أتعجّب من إنسان يصير قلبه جامدًا جافًّا مثل النّاس في المعجزة الّذين رأوا المرأة وهي 18 سنة تتعذّب وبعد شفائها ينتقدوا الأمر.

في جمعة ختام الصّوم تتردّد الكلمة الّتي قالها السّيّد المسيح عن أورشليم "يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا!" المسيح يريد أن يجمع فضائلك ومواهبك وقدراتك ويحوّلها في طريق الرّحمة ولم تريدوا!! وكان حكم السّيّد المسيح صعب جدًّا "هُوَذَا بَيْتُكُمْ يُتْرَكُ لَكُمْ خَرَابًا." بيت الإنسان القاسي يترك خرابًا وهذه نهاية القساوة.

في ليلة أبوغلمسيس ونحن سهرانين ونقرأ سفر الرّؤيا ونحن في رحلة التّخلّي عن القساوة ويقول لنا اختبار غريب جدًّا "مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ." إنتبه لمعنى كلّ ما نعيشه في الكنيسة ونتعلّمه في الإنجيل.

كان الصّراع أمام ربّنا يسوع المسيح كيف يصنع رحماء؟ "لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ" في مثل الإبن الضّالّ نجد أباه يأخذه في حضنه لأنّ هذه هي علامة الرّحمة، وكذلك مع المرأة السّامريّة والمفلوج والمولود أعمى، ربّنا يسوع المسيح يريد أن يحوّل الإنسان من قساوته الّتي سبّبها الخطيّة يحوّله إلى إنسان صانع للرّحمة ونجد في العالم الصّراعات والحروب والذّات المتحكّمة على مستوى الأفراد والشّعوب وذلك نتيجة للخطيّة، لذلك أيّها الحبيب ونحن أمام السّيّد المسيح في هذا القدّاس نصلّي إرفع قلبك واطلب أن ينزع القساوة والحرفيّة من قلبك" وقل له "يا ربّ أعطني هذا القلب". ونصلّي في صلاة نصف اللّيل ونقول "لأنّه ليس رحمة في الدّينونة لمن لم يعمل الرّحمة."  

الصّوم المقدّس هو الفرصة الذّهبيّة كلّ عام لكي يمتلئ الإنسان من رحمة الله يصير إنسانًا رحيمًا، وحسب الوصيّة "كُونُوا رُحَمَاءَ" ودائمًا اتّخذ الجانب الّذي يخدم الإنسان وليس الجانب الّذي يخدم الحرف الجانب القاسي.

نحن في هذا اليوم وهو يوم فرح ونحن نحتفل بمرور 50 عامًا على أوّل قدّاس في هذه الكنيسة المقدّسة، نذكر بالخير أبونا كيرلّس وتعبه ونذكر الآباء الأحبّاء الّذين يخدمون في الكنيسة ونذكر كلّ الأراخنة والشّمامسة وكلّ الشّعب في هذه الكنيسة المتميّزة بخدمتها وعملها وروحها الطّيّبة وشعبها. ويشترك معي كلّ الآباء الأساقفة الأحبّاء وأبونا الوكيل في الإسكندريّة، وهذا يوم فرح نتذكّر عبر 50 عامًا العمل الكبير وإلى منتهى الأعوام.

ونتذكّر كلّ الّذين تعبوا والّذين خدموا وجاهدوا و كلّ الّذين تابوا بسبب خدمة هذه الكنيسة وكلّ الّذين دخلوا في عهود جديدة مع الله بسبب الأسرار المقدّسة، ودائمًا عندما نحتفل بهذه المناسبات نحتفل بقيمة الوفاء، والوفاء قيمة إنسانيّة رفيعة وأن يكون الإنسان وفيًّا للمكان الّذي تعلّم فيه. ولذلك نحن سعداء أن نشترك معكم في هذا التّذكار المبارك في خدمة هذه الكنيسة، وزارها من قبل المتنيّح البابا شنوده، وكان أوّل مجلس فيها بقرار من البابا كيرلّس، ونتذكّر كلّ الآباء المطارنة والأساقفة الّذين زاروا الكنيسة وكلّ الآباء الكهنة من الإسكندريّة وخارجها، ويجعلنا الله نفرح ونقدّم في هذا اليوم وفاءً وإكرامًا وتذكار محبّة لكلّ الّذين عاشوا وتعبوا في هذه الكنيسة.

كلّ سنة وأنتم طيّبين ودائمًا فرحانين والله يزيد من المناسبات المفرحة، وكما أعلم أنّ أوّل قدّاس قام به المتنيّح الأنبا مكسيموس أسقف القليوبية سنة 1971 وهذا تذكار جميل ومن المفيد أن نعلّم أولادنا الصّغار والشّباب قيمة الوفاء، ونحن دخلنا على تعب آبائنا ومحبّتهم.

يصلّي لنا من انتقلوا إلى السّماء ويتشفّعوا من أجلنا، والله يعوّض كلّ من خدم وتعب في هذا المكان بكلّ خير ويبارك في حياتهم وأعمالهم ويحفظهم من كلّ شرّ، ونصلّي جميعًا أن يرفع الله الوباء. أرجوكم استمرّوا في الالتزام الشّديد بالإجراءات الاحترازيّة والله يتحنّن علينا ويرفع هذا الوباء."