مصر
27 آذار 2019, 14:29

تواضروس الثّاني صلّى قدّاس الشّهيد "سيدهم بشاي" في دمياط

ترأّس بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة تواضروس الثّاني، أمس الثّلاثاء، قدّاس عيد الشّهيد "سيدهم بشاي" في كنيسته بدمياط، في إطار زيارته إلى أبرشيّة دمياط وكفر الشّيخ.

 

خلال القدّاس، ألقى البابا كلمة قال فيها بحسب "المتحدّث الرّسميّ بإسم الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة": "في هذا الصّباح المبارك تحتفل الكنيسة بمرور 175 سنة على استشهاد القدّيس سيّدهم بشاي قدّيس دمياط، وبمرور هذه السّنوات الطّويلة والذّكرى العطرة لا زالت محفوظة، وتنتقل من جيل إلى جيل. وهو تعبير قويّ عن كنيستنا الّتي نسمّيها "أمّ الشّهداء"، وفي التّرانيم القبطيّة ندعوها ونقول أمّ الشّهداء جميلة. ونحن في هذا الشّهر، شهر مارس، نحتفل بعدّة تذكارات مباركة: نحتفل بالقدّيس البابا كيرلّس السّادس والمتنيّح البابا شنوده الثّالث، ونحتفل أيضًا بأبينا ميخائيل إبراهيم أحد الآباء الّذين خدموا في مدينة القاهرة وقد تنيّح من 43 سنة وكتب عنه البابا شنوده كثيرًا وتكلّم عنه فكان أب اعتراف لكثيرين. وأيضًا نحتفل بمرور 40 عامًا على نياحة أبونا بيشوي كامل في الإسكندريّة وهو أيضًا إنسان بارّ خدم وتعب ونعرفه جميعًا. ونحتفل أيضًا بتذكار القدّيس سيدهم بشاي، وهذا فضلاً عن احتفالات عيد الرّبيع وعيد الأسرة أو عيد الأم....كلّ هذه التّذكارات تجتمع في شهر واحد. وهذه التّذكارات نحتفل بها ليس على المناسبة التّاريخيّة بل على ما نتعلّمه نحن الّذين نعيش في هذا الزّمان. القدّيس سيدهم بشاي إنسان بارّ، كان يعمل بتجارة الخشب، سيرته معروفه وكان يخدم في الكنيسة كشمّاس لكنّه تعرّض لشرّ انتهى باستشهاده، لكن ردّت له كرامته في جنازته وفي سيرته العطرة الّتي نحتفل بها جميعنا، وأيضًا بوجود جسده هنا في هذه الكنيسة المقدّسة. نحن أيضًا في هذا الشّهر نحتفل بالصّوم المقدّس وأريد أن أقف معكم عن هذا الصّوم الّذي يعتبر من أغنى فترات السّنة، فهو فترة روحيّة لنا جميعًا لكيما يعيش الإنسان ويدخل داخل قلبه. فالإنسان وسط عمله وانشغالاته يكون خارج قلبه مشغول بأنشطة كثيرة سواء في بيته أو عمله أو خدمات المجتمع، فالإنسان دائم الانشغال خارجًا ونادرًا ما يفحص قلبه داخلاً. القلب هو الهديّة الّتي سنأخذها معنا عندما نقف أمام الله. القلب معروف لدى الله فنحن نتعارف من خلال أعيننا ومقابلاتنا لكن القلب عند الله وحده يعرفه. والكنيسة جعلت فترة الصّوم لكي ما تكون فترة لينقّي الإنسان قلبه. أنتم جميعًا تحفظون هذه الآيه "طوبى لأنقياء القلب لأنّهم يعاينون الله" فبحسب ما في قلبك تستطيع أن ترى الله ففترة الصّوم هي الفترة المقدّسة الّتي نستطيع فيها أن ننقّي قلوبنا من الأفكار والسّقطات والخطايا والعلاقات الرّديئة من أحوال لا ترضي الله وهذا شيء هامّظن حتّى أنّ القدّيس بولس الرّسول قال تعبيرًا هامًّا وهو "بعد ما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضًا" فمن الممكن أن أحد يخدم ويتعب ولا يهتمّ بنفسه فتكون النّتيجة أن يصير مرفوضًا أمام الله.
مضى من الصّوم حوالى ثلاثة أسابيع والكنيسة جعلت من هذا الصّوم فترة منظّمة، فهناك أوّل أسبوعين وهما أحد الاستعداد والتّجربة. وهناك آخر أسبوعين هما أحد الشّعانين والقيامة، ولكن في الوسط هناك أربعة آحاد تمثّل قصّة واحدة لكن على أربعة مشاهد (الإبن الضّال- السّامريّة- المخلّع- المولود أعمى) وهذه الحدود الأربعة تحكي قصّة واحدة هي قصة الله والإنسان والخطيئة، هذه القصّة يعيشها الإنسان في كلّ زمان ومكان. المشهد الأوّل: الاختيار: الإبن الضّالّ: عن مثل قدمه السّيّد المسيح عن أسرة بها ابنين تعدّى الصّغير حدود اللّياقة وطلب نصيبه من المال وبعدما نصحه أبوه تركه لحرّيّته وخرج الإبن من البيت يظنّ أنّه سجن، وأنّ الخارج هو الحرّيّة فكان معه ماله وأصدقاءه لكن الحال مع الأيّام تدهور إلى أن وصل به الأمر إلى مزرعة الخنازير الّتي كان يشتهي طعامها، فلم يعطه أحد. وعندما اختبر هذا الوضع اختار أن يرجع لأبيه ويقدّم توبة. لهذا نسمّي المشهد الأوّل مشهد الاختيار. وعندما رجع أكرمه أبوه وألبسه الحلّة والخاتم وذبح العجل المسمّن. والقصّة قابلة للتّطبيق مع أيّ أحد يظنّ أن بيته أو كنيسته هو السّجن والخارج حرّيّة فتدور الأيّام لتثبت العكس أنّ بيتك هو الحرّيّة والخارج هو السّجن. 
المشهد الثّاني: التّكرار: السّامريّة: إمراة عاشت في الخطيئة وسيرتها كانت معروفة حتّى أنّ الكتاب المقدّس لم يذكر اسمها كنوع من حفظ السّرّ واحترامًا لها. وعندما تقابلت مع السّيّد المسيح ودخلت في حوار معه في البدء، كانت تخاطبه بجفاء إلى أن آمنت بإنّه هو المسيح وتحوّلت من إنسانة خاطئة إلى إنسانة مبشّرة. هذا مشهد التّكرار عندما يقع أحد في الخطيئة مرارًا ويقوم إلى أن تابت وصارت كارزة ويجوز لنا أن ندعوها قدّيسة.

المشهد الثّالث: الاستمرار: الإنسان المخلّع: إنسان ظلّ مريضًا 38 عامًّا وكان هناك بركة حسدًا ككفّ اليد لها خمسة أروقة والمرضى يجلسون عندها، والتّقليد يقول إنّه عندما يحرّكها الملاك أوّل من ينزل فيها ينال نعمة الشّفاء. لكنّه ظلّ عمره مريضًا لأنّه لم يكن له أحد. فهنا نرى قساوة البشر لكن عندما جاء له وهو مريض ومطروح السّيّد المسيح سأله سؤالاً "أتريد أن تبرأ؟" ... هل لك إرادة أن تقوم وتنال الشّفاء؟ أحيانًا عندما يقع أحد في الخطيئة يستحلي هذا الوضع. كالخروف والخنزير عندما يقعا في بركة طين الخروف لا يطيق هذا الوضع عكس الخنزير الّذي يحبّ هذا الوضع جدًّا. فإن كانت لك عادة مستمرّة معك زمانًا تظنّ أنّك غير قادر على تغيّرها هذه القصّة تقول إنّ بيد المسيح الممدودة إليك تستطيع أن تقوم.
المشهد الرابع: المرار: المولود أعمى: فهو مولود لا يرى النّور وخلق الله له عينان فصار مبصرًا فبدل الظّلمة الّتي كان يعيش فيها، الآن يبصر النور فأصبح له الحياة والنّور بعد مرارة الظّلمة.
الاختيار– التّكرار– الاستمرار– المرار أربعة مشاهد لقصّة واحده قصّة الإنسان الّذي يتوب، فباب التّوبة مفتوح لكلّ إنسان من أجل نقاوة القلب ونحن في فترة الصّوم، وعندما نتذكّر اليوم استشهاد قدّيس عظيم كسيدهم بشاي، نتذكّر نقاوة قلبه وثباته على الإيمان ونتذكّر حياته وجهاده الّتي ربّما نعرف عنها قليلاً لكن واضح من سيرته، ومن نهايته أنّه كان نقيّ القلب لذلك ظلّت سيرته حيّة "شكرًا لله الّذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كلّ حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كلّ مكان لأنّنا رائحة المسيح الذّكيّة"، فعندما نضع حنوطًا لنقاوة سيرة هؤلاء القدّيسين. 
هو يوم مفرح وأنا سعيد أنّني أزوركم، هنا جئت قبلاً مرّتين وأنا راهب وأنا أسقف في حبريّة المتنيّح المطران الأنبا بيشوي، ونحن هنا يجب أن نتذكّر تعبه وخدمته سنين طويلة، وربّنا أرسل لكم نيافة الأنبا ماركوس للخدمة في هذه الأبرشيّة المحبّة للمسيح. نحن نصلّي القدّاس بحضور الآباء المطارنة والأساقفة والآباء الكهنة والشّمامسة، ومعالي الوزيرة منال محافظ دمياط، وكلّ القيادات الأمنيّة والتّشريعيّة وقيادات المحافظة الهادئة الجميلة الّتي لها شهرة في كلّ العالم لاهتمامها بصناعات الأثاث المتميّزة في وسط العالم.
نفرح بوجودنا في تذكار هذا الشّهيد ونصلّي لله أن يحفظكم ويعطيكم نعمة ومعونة لكلّ المسؤولين في هذه المحافظة من أجل نموّها وتنميتها.

أشكر محبّتكم جميعًا ومحبّة نيافة الأنبا ماركوس، وسعيد إنّني أزور هذه البلاد الّتي لها تاريخ عظيم ربّنا يحافظ عليكم ويبارك في حياتكم .
ومعنى كلمة "سيدهم" أيّ سيّد الشّعب أيّ كيرلس، فمعاني الأسماء لها دلالات قويّة... ربّنا يحفظكم ويكون معكم".