الفاتيكان
29 أيار 2023, 06:30

ثلاث لحظات تميّز عمل الرّوح القدس، فما هي بحسب البابا فرنسيس؟

تيلي لوميار/ نورسات
نجد عمل الرّوح القدس في ثلاث لحظات: الخلق، الكنيسة وقلوبنا. هذه اللّحظات أشار إليها البابا فرنسيس خلال قدّاس أحد العنصرة الّذي ترأّسه في بازيليك القدّيس بطرس في الفاتيكان.

في اللّحظة الأولى أيّ الخلق، أكّد البابا أنّ "الرّوح القدس يعمل ومنذ البدء"، مذكّرًا بأنّنا "نصلّي مع المزمور فنقول: "تُرسل روحَكَ فيُخلَقون"، الرّوح هو خالق إذن وهكذا تتضرّع إليه الكنيسة دائمًا". وتابع قائلاً: "يمكن التّساؤل هنا عمّا يمكن أن يكون عمل الرّوح القدس بشكل محدّد، فأصل كلّ شيء يعود على الآب وقد خُلق كلّ شيء من خلال الابن، ما هو دور الرّوح القدس إذن؟"، وأجاب مشيرًا إلى حديث أحد آباء الكنيسة، القدّيس باسيليوس القائل إنّه "لا يمكن انتزاع الرّوح القدس من الخليقة لأنّ ذلك سيعني اختلاط كلّ الأمور وستبدو حياتها بدون قانون أو نظام. دور الروح القدس هو بالتّالي جعل كلّ ما هو مخلوق ينتقل من الفوضى إلى النّظام، من التّشتّت إلى التّلاحم، ومن التّخبّط إلى الانسجام، أسلوب العمل هذا نجده دائمًا في حياة الكنيسة. هكذا، وبكلمة واحدة، فإنّ الرّوح القدس يهب العالم الانسجام، فهكذا يوجّه مسيرة الأزمنة ويجدّد وجه الأرض."

ولفت الأب الأقدس في عظته إلى ما يعاني منه عالم اليوم من خلافات وانقسامات، فـ: "جميعًا متّصلون فيما بيننا إلّا أنّنا منفصلون، تُخدّرنا اللّامبالاة وتقمعنا الوحدة". وقال: "إنّ ما يمكن للإنسان أن يفعل من شرّ يبدو غير قابل للتّصديق، إلّا أنّ ما يغذّي عداواتنا هو روح التّفرقة، الشّيطان. إنّ جهودنا من أجل بناء التّناغم لا تكفي أمام شرّ الخلافات، وهكذا يفيض الرّبّ في العالم في ذروة فصحه وقمّة خلاصه الرّوح القدس الّذي يواجه روح التّفرقة وذلك لأنّه انسجام وروح وحدة يقود إلى السّلام".  

ودعا الأب الأقدس إلى التّضرّع يوميًّا طالبين عطيّة الروح القدس في حياتنا.

أمّا عن عمل الروح القدس في الكنيسة، فأشار البابا إلى أنّه "يجعل الكنيسة تبدأ بالنّزول على كلّ رسول حيث ينال كلّ منهم نعمًا خاصّة وكاريزما مختلفة. إنّ مثل هذه التّعدّديّة يمكن أن تؤدّي إلى التّخبّط، إلّا أنّ الرّوح القدس، وكما في الخلق، يصنع التّناغم من التّعدّديّة. وليس هذا تناغمًا مفروضًا أو تجانسًا، بل هناك نظام في الكنيسة يقوم على تنوّع العطايا والمواهب، وذلك حسب ما كتب القدّيس باسيليوس."  

وذكّر البابا بأنّ "الرّوح القدس لم يخلق لغة واحدة للجميع بل نزل على الرّسل بلغات مختلفة جاعلاً إيّاهم قادرين على التّكلّم بهذه اللّغات، أيّ أنّه لا يلغي الاختلافات والثّقافات بل يجعلها متناغمة. لا يبدأ الرّوح القدس بالتّالي العمل انطلاقًا من مشروع مخطّط كما نفعل نحن، بل يبدأ بتوزيع عطايا مجّانيّة ووفيرة. وقد جاء في سفر أعمال الرّسل "فامتلأوا جميعًا من الرّوح القدس"، هكذا بدأت حياة الكنيسة، لا من خطّة دقيقة ومفصَّلة بل من اختبار محبّة الله ذاتها".

وعن المسيرة السّينودسيّة الّتي انطلقت وتستمرّ، قال البابا: "إنّ هذه يجب أن تكون مسيرة حسب الرّوح القدس، لا برلمانًا للمطالبة بحقوق أو احتياجات أو مناسبة للسّير إلى حيثما تحملنا الرّياح، بل فرصة كي نكون مطيعين لنفخة الرّوح القدس الّذي به فقط تُبحر الكنيسة في بحر التّاريخ. إنّ بدون الرّوح القدس يصبح الإيمان مجرّد عقيدة والنّشاط الرّعويّ مجرّد عمل، أمّا مع الرّوح القدس فالإيمان هو حياة، هو محبّة الرّجاء الّتي تَكسبنا، ويُولَد الرّجاء مجدَّدًا. علينا أن نضع الرّوح القدس في مركز الكنيسة وإلّا فلن تتّقد قلوبنا بمحبّتنا ليسوع بل لذاتنا فقط".

واللّحظة الثّالثة: عمل الروح القدس في حياتنا، فقال: "إنّ يسوع قال للرّسل "خذوا الرّوح القدس، وذلك لهدف بعينه ألا وهو مغفرة الخطايا، أيّ المصالحة بين النّفوس، وذلك لإحداث تناغم بين القلوب الّتي مزّقها الشّرّ وفتّتتها الجروح وفكّكها الشّعور بالذّنب. إن أردنا تناغمًا فلنبحث عن الرّوح القدس لا عن الأمور الدّنيويّة، فلنطلبه بادئين كلّ يوم بالصّلاة وجعل أنفسنا مطيعين له."

ودعا البابا فرنسيس الجميع إلى التّساؤل لمناسبة عيد العنصرة، "إن كنّا نطيع تناغم الرّوح القدس أم أنّنا نتبع مشاريعنا وأفكارنا بدون أن نجعله يُشكّلنا ويغيّرنا، هل نعيش الإيمان بطاعة الرّوح القدس أم أنّنا نتسرّع في أحكامنا ونتّهم الآخرين ونغلق الأبواب أمامهم ونعتبر أنفسنا ضحايا الجميع وكلّ شيء؟ هل نستقبل قوّة الانسجام الخلّاقة؟ إن كان العالم مقسّمًا والكنيسة تشهد استقطابًا والقلوب مفتتة فلّا نضيّعنّ الوقت في انتقاد الآخرين والغضب من أنفسنا، بل فلنطلب الرّوح القدس، فهو قادر على حلّ كلّ شيء".

في الختام، أوكل البابا فرنسيس إلى الرّوح القدس، "روح يسوع والآب وينبوع التّناغم الّذي لا ينضب، العالم، ومكرّسًا للرّوح القدس الكنيسة وقلوبنا"، مصلّيًا: "تعال أيّها الرّوح الخالق، يا تناغم البشريّة، وجدّد وجه الأرض. تعال يا عطيّة العطايا وانسجام الكنيسة واجعلنا متّحدين فيك. تعال يا روح المغفرة، يا انسجام القلب، وغَيِّرنا كما تقدر أنت".