دينيّة
12 حزيران 2022, 07:00

خاصّ- الأب أبي عون: الثّالوث الأقدس.. محبّة، نعمة وشركة

نورسات
"تحتفلُ الكنيسة كلّ سنة، في مثل هذا الأحد الّذي يلي أحد العنصرة، بعيد الثّالوث الأقدس. فهي تعتبر أنّ هذا العيد هو تتويجٌ طبيعيّ لمسيرة روحيّة- ليتورجيّة نعيشَها خلال السّنة الطّقسيّة، تبدأ بذكرِ التّدبير الإلهيّ الخلاصيّ للآب، ويتحقّق بإرساله إبنه الوحيد، من زمن الميلاد والمعموديّة أو الغطاس، إلى زمن الصّوم والآلام والقيامة، ثم الصّعود، وأخيرًا حلول الرّوح القدس في العنصرة. نرى في مختلف هذه الأزمنة والأعياد عمل ودور كلّ أقنوم من الأقانيم الثّلاثة في سبيل حياة الإنسان وخلاصه. هو التّدبير الخلاصيّ نفسه الّذي تتشكّل منه صلاة الإفخارستيّا في القدّاس الإلهيّ: نذكر أوّلًا عملَ الآب بالصّلاة التّمهيديّة للكلام الجوهريّ، ثمّ ثانيًا عملَ الإبن بالكلام الجوهريّ والصّلوات الّتي تليه، وأخيرًا عمل الرّوح القدس باستدعائه علينا نحن الجماعة وعلى القرابين.". بهذه المقدّمة اللّيتورجيّة الدّقيقة خصّ رئيس أنطش سيّدة التّلّة- دير القمر وخادمه الأب جوزف أبي عون الرّاهب المارونيّ المريميّ موقعنا بتأمّله حول إنجيل أحد الثّالوث الأقدس للقدّيس متّى (28/ 16 -20).

وفي هذا السّياق، فسّر الأب أبي عون أنّ عيد الثّالوث الأقدس "يأتي هنا، مباشرةً بعد العنصرة، أيّ بعد الانتهاء من عملِ كلّ أقنوم من الأقانيم الثّلاثة في هذه المسيرة التّدبيريّة الّليتورجيّة، بمثابة فعلِ شكرٍ للثّالوث الأقدس وإعلانِ إيمانٍ بأنّ إلهنا الّذي خلّصنا وفتحَ لنا باب الحياة الجديدة والأبديّة هو إلهٌ واحد في ثلاثةِ أقانيم. لهذا، تقرأ علينا الكنيسة إنجيل متّى الفصل الأخير، الّذي فيه إشارة واضحة إلى أنّ إلهنا هو ثالوث أقدس، حيثُ يوصي الرّبّ يسوع تلاميذه بأن يعمّدوا باسم الآب والإبن والرّوح القدس. صحيح بأنّ التّعبير اللّاهوتيّ العقائديّ بذاته "الثّالوث الأقدس" غير مذكور في الكتاب المقدّس، لكن عندما تمّ إعلانَه في مجمع نيقيّة ٣٢٥، كان ثمرة إيمان الكنيسة وصلاتها وليتورجيّتها، منذ البدء، المُرتكز على هذا النّصّ من الإنجيل وغيره من نصوص الإنجيل وعلى رسائل مار بولس وخصوصًا في ختام رسالته الثّانية إلى أهل كورنثية ١٣/ ١٤، حيث يوجّه البركة، ونحن نعيدها دائمًا في قدّاسنا المارونيّ قبل الكلام الجوهريّ: "محبّة الله الأب ونعمة الإبن الوحيد وشركة وحلول الرّوح القدس. آمين".

وتابع رئيس أنطش سيّدة التّلّة لافتًا الانتباه إلى نقاط ثلاث: "أوّلاً، إنّ يسوع لم يطلبْ من تلاميذه أن يعمّدوا النّاس بأسماء الآب والإبن والرّوح القدس وكأنّهم ثلاثة آلهة منفصلين غير متّحدين بعضهم البعض، بل للتّأكيد على وحدانيّة الله بالثّالوث الأقدس، على أنّه إلهٌ واحد، ذُكرَ "باسم الآب والإبن والرّوح القدس".

ثانيًا، ظلّت الكنيسة تستعمل في صلاتها صيغة "الآب والإبن والرّوح القدس" من دون ذكرْ بعدها "الإله الواحد" حتّى الفتح الإسلاميّ في الجيل السّابع. فإضّطرت، للدفاع عن إيمانها والتّأكيد بأنّ إلهها هو واحد وليس ثلاثة آلهة، إضافة "الإله الواحد آمين".

ثالثًا، إنّ الله لا يُمكن إِلَّا أن يكون مثلّث الأقانيم. لأنّ الله محبّة، والمحبّة الحقّة تفرض بذاتها وكيانها وجودًا آخر، وإلّا تُصبح أنانيّة وانطواء، فالله هو ثالوثٌ أقدس يتحاور في ذاته بالحبّ الإلهيّ الأزليّ، ونحن البشر فيض من هذا الحبّ الحواريّ بحيث خلقنا على صورته ومثاله".

وكان ختام تأمّل الأب أبي عون "مسك" بصلاة أرادها أن تكون عبرة للعيش بعمق المحبّة، فقال: "أعطنا أيّها الثّالوث الأقدس الإله الأوحد أنْ نحبّ مثلكَ "بحبّ حواريّ" يؤول إلى بناء الملكوت السّماويّ، لا بفضل من هو الأقوى في الذّهنِ العالميّ، بل من هو الأقوى في هذا الحبّ الحواريّ، على مثالكَ. آمين."