دينيّة
26 شباط 2023, 08:00

خاصّ- الخوري كرم: هل نعطي وعيًا لقوّة الكلمة والإفخارستيّا؟

نورسات
"يصف مرقس الإنجيليّ أولى تجلّيات يسوع في الجليل بإبرائه الأَبرَص جسديًّا واجتماعيًّا وروحيًّا، وهذه هي إحدى الأدلّة أنّ يسوع هو المسيح المُنتظر، مخلّص العالم، قد أتى إلى العالم لشفائه. ولم يتوقّف يسوع فقط على شفاء الجسد من بَرَصه لكنّه أيضًّا مسّ النّفس من الدّاخل ليقودها إلى الاهتداء والعودة إليه. وهذه هي الغاية الأساسيّة ليسوع المسيح: أن يقود الإنسان إلى الإيمان به والثّقة فيه لينال الخلاص. ومن هنا تكمن أهمّيّة البحث في وقائع النّصّ الإنجيليّ وتطبيقاته." بهذه المقدّمة استهلّ الخوري الكاهن المتفرّغ لصلاة الشّفاء في أبرشيّة جبيل المارونيّة الخوري روجيه كرم تأمّله بحسب القدّيس مرقس في الأسبوع الثّاني من الصّوم الكبير.

وتابع متحدّثًا عن تطبيقات النّصّ الإنجيليّ بنقاط سبع فكتب:

 

"1-  يسوع يتحضّر للصّلاة قبل إنجاز أيّ عمل بالغ الأهمّيّة. وهو قدوة لنا لكي ندعم نشاطاتنا بقوّة من العلاء.

 

2-   يسوع يتخطّى الشّريعة داخلًا إلى عقر دار الأبرص من أجل خدمة المحبّة.

 

3-   حنان الرّبّ يسوع: فهو يقترب، ينظر، يتحنّن، يلمس، ويأمر المرض. المحبّة ليست فقط في العاطفة ولكن في العمل والتّفاعل والتّعاطف.

 

4-  مشيئة الرّبّ هي الشّفاء والرّبّ قادر أن يتمّم المعجزات. الأبرص يمنح عدوى المرض للبشر أمّا الرّبّ فقد غلب المرض بعدوى البركة وطاقة ولمسة الحبّ.

 

5-  إيمان الأبرص: إيمان ذاك الأخير جاذب للشّفاء وبناء إيمان الكنيسة وقد تحوّل إلى رسول وقد كان سابقًا لا يُسمح له الاقتراب من الجماعة فصار مبشّرًا لها. هذا كتب كي يقول لنا أنّ اللّقاء مع الرّبّ يجعل منّا رسلًا مبشّرين. عاد الأبرص إلى المشاركة في الحياة اللّيتورجيّة مسبّحًا إلهه "فيحِبّ الرَّبَّ إِلهه مِنْ كُلِّ قلْبِه وَمِنْ كُلِّ نفْسِه وَمِنْ كُلِّ قوّتِه".

 

تشير عبارة "ينادي" في الأصل اليونانيّ κηρύσσειν (معناها يكرز) إلى إعلان البشارة، والفعل هو ذاته الذي قام به يوحنّا المعمدان ويسوع نفسه، والرّسل الإثنا عشر أيضًا في إعلان بشارة الإنجيل. أمَّا عبارة "الخَبَر" في الأصل اليونانيّ λόγος (معناها الكلمة) فتشير إلى كلمة الله. وإن وضعنا الفعل "ينادي" إلى جانب كلمة "خبر" قد يوحي بأنّ الأَبرَص المعافى قد صار صورة سابقة للمُبشِّرين بالإنجيل. ولم يحترم الأَبرَص وصيّة يسوع بالسّكوت، لأنه لم يستطعْ أن يتمالك نفسه بدون إشعاع قدرة ابن الله في حياته. وكتم السّرّ، هو أمر صعب في مثل تلك الظّروف، لكن هذه الرّواية لا يُدرك معناها حقًا إلّا بعد قيامة يسوع. لكنّ الأَبرَص لم يطعْ أمر المسيح، ولعلّ ذلك أنّ المسيح أمره بالسّكوت تواضعًا وأنّه من واجب الشّكر أن ينادي بخبر شفائه.

 

6-  "كانَ يُقيمُ في ظاهِرِها في أَماكِنَ مُقفِرَة" فتشير إلى تهرّب يسوع من حماسة الجماهير الصّاخبة الذين سيحاولون أن يقيموه ملكًا كما سيفعلون بعد تكثير الأرغفة. لكن إقامة يسوع في المكان "المُقفِر" الذي يجب أن يُقيم فيه البُرص، دلّ على أنّه طهّر المكان بحضوره، فلا مكان نجس. وفيما كان هذا المكان علامة البُعد عن الآخرين وإقصائهم، صار النّاس يأتون إليه من كلّ مكان. ممّا يعني أنّ البرّيّة، خارج المدينة، التي كانت مسكن البرص والمُبعدين، أصبحت مكانًا مأهولاً، مقصودًا من الجميع، لأنّ يسوع ذهب إلى هناك فتحقّقت نبوءة أشعيا "لِتَفرَحِ البَرِّيَّةُ والقَفْر ولْتَبتَهِجَ الباديَةُ وتُزهِرْ كالنَّرجِس" (أشعيا 35: 1). إنّ زمن الخلاص، الذي يتكلّم عنه أشعيا، قد بدأ بمجيء يسوع. فها هو يُفرِّح البرّيّة، بحضوره، فتصبح مأهولة. أنّ وجود يسوع في البرّيّة وشفاء الأَبرَص، هما تحقيق لأزمنة الخلاص المسيحانيّة التي تنبّأ عنها أشعيا النّبيّ.

 

7-  كل عملٍ ليسوع هو عمل إفخارستيّ: الشّفاء تمّ بإعلان الكلمة (قسم الكلمة) وبلمس جسد الرّبّ. "مَدَّ يَدَه" فتشير إلى علامة لخلاص الرّبّ كما جاء في كلمات المزامير "تمدّ يدك فتخلّصني يمينُك" (مزمور 138: 7) التي تتردَّد في سفر الخروج، وبه يُخلّص الله شعبه؛ إنّه الله الذي يتابع عمله في تاريخ الإنسان على النّحو ذاته. إنّه عمل خلاصيّ يقوم به يسوع الآن تجاه الأَبرَص. فقد هدم بمدِّ يديه الحاجز القائم بين الطّاهر والنّجس وأعاد المعوز والمُبعد إلى ذويه ومجتمعه. " فلَمَسَه" تشير إلى علامة صداقة ومودَّة واهتمام بالآخر، وعلامة على تكريمه وتقديره حيث تضامن يسوع مع الضُعف البشريّ الذي يُلفت النّظر. مع أنّ يسوع كان بإمكانه أن يشفي الأَبرَص مع بقائه بعيدًا عنه، كما فعل أليشاع مع نعمان السّوريّ؛ وكان بإمكانه أن يكتفي بالتّلفّظ بكلمات بركة وشفاء عليه، لكنّه فضَّل لمْسه كي يُعطي الأَبرَص اليقين أنّه لم يَعدْ بعيدًا منبوذًا. "ويُعلق البابا فرنسيس "اللّمْس هو لغة التّواصل الحقيقيّة، تلك اللّغة الوجدانيّة التي نقلت الشّفاء للأَبرَص"."

 

وإختتم الخوري كرم تأمّله بعبرة توعويّة للعيش، فقال: "هل نعطي وعيًا لقوّة الكلمة والإفخارستيّا؟ لجسد ودم يسوع؟ وقد يعطي الغذاء للأجساد والخلود للنّفوس؟"