دينيّة
16 تشرين الأول 2016, 07:00

خاصّ- الكرمل يحتفي بإليزابيت للثّالوث قدّيسة، ويتحضّر لتطويب جديد وتقديس 37 كرمليًّا وكرمليّة قريبًا

ريتا كرم
"اليوم، في أديرة الكرمل الكثيرة المنتشرة في العالم، يطير طنين الأجراس إلى السّماء" وتنسحب الغيوم لتصفو الأجواء وتُشرَّع الأبواب لقدّيسة كرمليّة جديدة، اختارت أن تبذل ذاتها مثل يسوع منتقية الكرمل أتّون الحبّ الإلهيّ وموقده، صارخة للثّالوث الأقدس: "يا ثالوثي، يا كلّ ما لي.. إنّي أستسلم إليك كفريسة؛ فادفن ذاتك فيّ لأدفن ذاتي فيك، بانتظار أن أذهب وأتأمّل في نورك غور أعماق عظائمك"؛ هي إليزابيت/ إليصابات للثّالوث، إبنة السّتّة والعشرين سنة الّتي وهبت نفسها للأبد "في الكرمل الفقير، حيث كلّ شيء يتنفّس عطر السّماء" مسلّمة حياتها لعريسها السّماويّ "قربانتها البيضاء" الّذي وحده يعرف مقدار حبّها له.

 

إليزابيت ومعناه "بيت الله"، اختارت منذ أن ناداها صوت الرّبّ أن تتحوّل إلى هيكل فعليّ للثّالوث وتضيفه إلى اسمها الأصليّ يوم اتّشحت بالثّوب الرّهبانيّ في 8 ك1/ ديسمبر 1901، في دير الكرمل في ديجون الفرنسيّة، فأضحت مذّاك سُكنى للثّالوث، هي الّتي يشير اسمها أيضًا إلى إيليّا النّبيّ في قسمه الأوّل (إيلي/ زابيت) ومعناه الواقف دائمًا في حضرة الله، فهي دخلت الكرمل لأنّ لها فيه كلّ شيء.

هذه القدّيسة الجديدة عرّفنا أكثر عليها في حديث مع موقع "نورنيوز"، راهب تغذّى من نفس الينبوع الكرمليّ هو الأب نوهرا صفير من رهبانيّة الكرمل الحفاة في لبنان؛ فكشف أنّ تاريخ دخول إليزابيت عرس القداسة ليس بصدفة في 16 ت1/ أكتوبر، بل العناية الإلهيّة شاءت أن يحلّ في اليوم التّالي لعيد "أمّها الرّوحيّة" مصلحة الكرمل القدّيسة تريزا الأفيليّة الّتي بها تأثّرت تأثّرًا شديدًا، ومن خلالها اكتشفت الكثير من الحقائق الّتي رافقتها في مسيرتها الرّوحيّة. فأمامها انكشف جمال الصّداقة الرّوحيّة مع الله، بحسب الأب صفير، "فالله هو الصّديق الأكثر وفاء للإنسان الّذي لا يتعب من إظهار تقديره للإنسان بالرّغم من كلّ زلّاته"، وذاقت طعم "التّواضع الحقيقيّ أمام الله" فبالنّسبة إليها "التّواضع هو أن يعترف الإنسان بعظمة محبّة الله له بالرّغم من عدم قدرته على مبادلته الحبّ نفسه".

عمق روحيّ آخر اكتسبته إليزابيت للثّالوث من تريزيا الطّفل يسوع الّتي عاصرتها. فالاثنتان اختبرتا الرّبّ في حياة قصيرة زمنيًّا على هذه الأرض، وإنّما أدركتا روعة يسوع داخل أسوار الكرمل. تريزيا الطّفل يسوع كتبت متوجّهة إلى يسوع: "بك أتعلّق وبك أكتفي"، في حين أكملت إليزابيت: "لا أتعلّق بشيء على الأرض.. لأنّي ما عداه لا أتمسّك بشيء، إنّه كنزي وخيري الوحيد"، وإلى هذا الـ"يسوع" هدت النّفوس فـ"مهمّتي في السّماء هي أن أجذب النّفوس ومساعدتها على الخروج من ذواتها حتّى تلتصق بالله".

عرفت الرّاهبة الشّابّة كيف تستقبل الله بدون تحفّظ وتقبل نعمة العماد والمصالحة، وتدرك حضور المسيح في الإفخارستيّا. عاشت الألم النّفسيّ والجسديّ، إذ خلال سنواتها القليلة في الرّهبنة (1901- 1906) اتّحدت بالمصلوب إثر اشتداد المرض الّذي أكل جسدها، فقبلت الألم بفرح "حبًّا ليسوع" وجعلت حياتها كما يشدّد الرّاهب الكرمليّ "جلجلة لتختبر مجد وعظمة القيامة"، قبل أن ترحل في صباح 9 ت1/ أكتوبر 1906 "إلى النّور، إلى الحبّ، إلى الحياة"، تاركة للكرمل إرثًا روحيًّا لاهوتيًّا، عقائديًّا وبيبليًّا وُثّق بعد غيابها الجسديّ.

هذه الرّاهبة الكرمليّة الحافية هي مثال للشّبيبة اليوم، فهي كما قال البابا يوحنّا بولس الثّاني عنها: "نبيّة الله لعصرنا، ورسالتها ستُنشر لشبيبة القرن الحادي والعشرين بزخم نبوءة، لأّنّها ستعطي إنسانيّتنا التّائهة الّتي لم تعد تعرف كيف تجد الله أو الّتي تشوّه صورته، والّتي تبحث عن كلمة لتؤسّس عليها رجاءها، إنّها تعطيها الشّهادة بالانفتاح الكامل على كلمة الله الّتي استوعبتها حتّى أصبحت غذاء لتفكيرها ولصلاتها"، فدير الكرمل في ديجون لا يزال يشهد لليوم نعمًا كبيرة وحضورًا كبيرًا لجماعات كنسيّة، وكلّها مدوّنة في سجلّات الدّير تذكرّ روّاده ليس فقط بالأعاجيب الّتي صنعتها باسم الرّبّ وإنّما أيضًا بقدر الارتداد الّذي يحصل بفضلها، تحقيقًا لأمنيتها.

واليوم، في حين تتحضّر الأم تريزا الأفيليّة وتريزيا الطّفل يسوع وكلّ قدّيسات وقدّيسي الكرمل لاحتضان وردة كرمليّة جديدة في السّماء، كشف الأب نوهرا صفير عن التّحضير لتطويب الأخ ماري- أوجين للطّفل يسوع في 19 ت2/ نوفمبر المقبل، في حين رُفعت أسماء 37 راهبًا وراهبة كرمليّين طوباويّين إلى الفاتيكان من أجل إعلان قداستهم، وهذا يؤكّد كم أنّ "الكرمل غنى للجماعة المسيحيّة"، كما جاء على لسان البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، "ففي صمته يستمرّ على مدى القرون كلّها يضخّ أزهارًا تعطّرها القداسة نفوس مغرمة بالسّماء، عضدت وتعضد ببطولتها رسالة الكنيسة أجمعها."

الرّاهب الكرمليّ الأب نوهرا صفير، لم يتردّد في هذه المناسبة عن توجيه- ختامًا- رسالة إلى كلّ الشّباب اليوم، في ظلّ تقديس راهبة شابّة مثلهم، داعيًا إيّاهم ألّا يحيدوا بنظرهم عن يسوع بحيث تبقى عيونهم موجّهة صوبه، ويكونوا بذلك علامة إلهيّة تدلّ على استمراريّة ما تركه لهم يسوع ويتمسّكون بأمانته في كلّ مكان، فيبنون علاقة صداقة معه ومع كلّ إنسان باعثين القداسة في كلّ زاوية من العالم.