دينيّة
16 أيار 2021, 07:00

خاصّ- عبّود: يا ربّنا، أعطنا النّعمة لنكون تلاميذًا في مدرسة حبّك

غلوريا بو خليل
أوصى يسوع تلاميذه بالمحبّة، فهو الذي يعرف عمقها وأبعادها وثمارها. أوصانا بها لنعيشها على مثاله، ولتكون حياتنا أفضل وأسمى، وليكون لنا الخلاص. المحبّة تحرّرنا من ذاتنا، فهي وسم كلّ مسسيحيّ مؤمن، وهي تطلقنا لنشعّ فرحًا وتواضعًا وعطاء. وما أحوج عالمنا اليوم إلى هذه المحبّة لنتعامل على أساسها مع بعضنا البعض، ولنتساعد ولنتضامن، مصغين إلى وصيّة يسوع المسيح، عاملين بها فنكون شهود محبّة للعالم أجمع، فتمرّ هذه المرحلة الصّعبة بأقلّ ضرر ممكن علينا جميعًا. وللتّوغّل في أبعاد وصيّة يسوع الجديدة في إنجيل هذا الأحد السّابع من زمن القيامة للقدّيس يوحنّا (13/ 31 – 35)، كان لنا حديث روحيّ مع الخوري المساعد في رعيّة مار جرجس في درب عشتار والقدّيسة مريم المجدليّة - المجدل، جوزاف عبّود الذي أبحر بنا شارحًا:

""التّتلمذ على الحبّ" دعوة إله الحبّ للإنسان، وهو الّذي أراد بحبّه اللّامحدود أن يُشرِك الإنسان في حياته الإلهيّة. وهكذا زرع فيه نعمة الحبّ، ودعاه ليعنى بهذا الزّرع الّذي متى أثمر وحّد "الكنيسة" برباط الحبّ.

وهكذا كانت السّاعة (يو 1: 13) الّتي سيتمجّد فيها ابن الإنسان. فبعد أن غسل الرّبّ أقدام تلاميذه، وأعطاهم قدوة بالتّواضع والخدمة (يو 13: 15) وقبل "أن ينتقل إلى الآب" (يو 13: 1) أعطاهم وصيّة المحبّة على مثال حبّه لنا، ومنحهم بها هويّة تلاميذ الرّبّ الحقيقيّين. ولا شك في أنّ هذه التّلمذة تتجلّى من خلال المحبّة التي هي المقياس والشّهادة. وهنا لبّ الدّعوة الإلهيّة للتّلاميذ وهو أن يشهدوا للمحبّة ضمن الجماعة المسيحيّة النّاشئة. والسّؤال هنا: ما هي مقتضيات هذا التّتلمذ على الحبّ؟

التّتلمذ في العهد القديم يختلف عنه في العهد الجديد، وجدّته تكمن في ارتباطه بوصيّة المحبّة التي يزرعها المعلّم "حبّة قمح" في أرض التّلاميذ الخصبة لتثمر مئة، وستّين وثلاثين (متّى 13: 8).  وهذا التّتلمذ يقتضي اتّباع خطوات حبّ لا يخجل من الانحناء لغسل الأقدام كما فعل الفادي الذي أخلى ذاته آخذًا صورة عبد (في 2: 7)."

وأضاف: "التّتلمذ يقتضي كذلك الإصغاء لكلمة الحياة تتدفّق من فم "الكلمة الذي كان عند الله" (يو 1:1) والذي أحبّنا حبّ الآب "الذي جاد بابنه الوحيد كي لا يهلك من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة" (يو 3: 16). والإصغاء بدافع الحبّ يدفع التّلميذ حرًّا إلى التّعلّق بكلمة "الكلمة"، وهي "النّير اللّيّن والحمل الخفيف" (متّى 11: 30).

والتّتلمذ على الحبّ يقتضي الثّبات على الثّقة بمن "اختارنا أوّلًا" (يو 15: 16) وأطلقنا شهود محبّته. والثّبات هو مقياس الإيمان، به يصمد بنيان الحياة في وجه العواصف (متّى7: 25).

ومن مقتضيات هذا التّتلمذ الاستعداد للإنطلاق لنشر كلمة الحياة، هذا الاستعداد الّذي لا يخشى الصّليب عند أدائه الشّهادة للمحبّة، مهما صُمّت الآذان، وأعميت العيون (إر 5: 21) عن رؤية نور الرّبّ السّاطع الذي أبهر عيني شاول على طريق دمشق (أع 9: 4). وتلاميذ الرّبّ الذين يحيون هذه المحبّة هم شهود للحبّ الإلهيّ في العالم، وعليهم "أن يضيئوا كالنيّرات" (في 2: 15) في عالم "فضّل الظّلمة على النّور"(يو 3: 19).

والتّتلمذ على الحبّ يجعلنا من خاصّة الرّبّ "تلاميذي"، وهو "الذي أحبّ خاصّته في العالم، أحبّهم للغاية" (يو 13: 1)."

وعن زبدة هذا التّتلمذ قال: "الهدف الأسمى من هذا التّتلمذ تماهي التّلميذ مع معلّمه، و"حسب التّلميذ أن يكون مثل معلّمه" (متّى 10: 25). وفي حال التّماهي بالحبّ يكون المسيح قد أدرك التّلميذ (في 3: 12)، هذا الإدراك هو الدّافع  لتفجّر نعمة الحبّ في قلب التّلميذ، حبّ في حال خروج دائم للبحث عن الآخر، على مثال الرّبّ الذّي خرج يطلب الإنسان الّذي ضاع مختبئًا ما بين شجر الجنّة خوفًا من إله كان يظنّه قاسيًا، فإذا به يكتشفه بالمسيح إلهًا محبًّا يبحث عن الخروف الضّائع لينقذه (لو 15: 5)."

وإختتم الخوري عبّود حديثه بصلاة قلبيّة، فقال: "يا ربّنا، أعطنا النّعمة لنكون تلاميذًا في مدرسة حبّك، فيها نتعلّم كيف نحبّ الحبّ الصّادق الّذي أحببتنا به، ومن مدرسة الحبّ هذه تطلقنا نحو العالم رسل حبّ يمهّدون طريقك صوب كلّ قلب يبحث عنك. علّمنا يا ربّ أنّنا مهما تقدّمنا في مدرسة حبّك سنبقى تلاميذك، نجلس عند قدميك كما جلست مريم مصغية لكلمتك كلمة الحياة."