دينيّة
26 آب 2018, 07:00

خاصّ- كبرياؤه كبّله ومحبّتها خلّصتها

غلوريا بو خليل
لطالما حكم الإنسان على أخيه الإنسان وغالبًا ما كان حكمه سلبيًّا ديّانًا، غير أنّ المسيح بنعمته ورحمته صوّب أفكارنا بأمثال ملموسة ووجّهها إلى الصّلاح والبرّ لنعيش حياتنا بالمحبّة والتّواضع وقبول الآخر، وترك لنا حرّيّة العيش والاختيار. وإنجيل الأحد الخامس عشر من زمن العنصرة للقدّيس لوقا (7/ 36- 50) خير دليل على هذه الحرّيّة، فهو يضعنا أمام نقيضين بالشّخصيّة والإرادة الصّالحة، فنرى تفاعل المرأة الخاطئة التي اقتحمت بحبّها وبتوبتها بيت الفرّيسيّ المتّشح بالكبرياء وإدانة الآخرين لتنتصر على خطيئتها وتنال الغفران. وللتّعمق أكثر بهذا الإنجيل وسبر غوره، كان لموقع "نورنيوز" الإخباريّ حديث مع المسؤول الإعلاميّ لأبرشيّة جبيل المارونيّة الخوري أنطوان عطالله الذي وضعنا بأجوائه شارحًا :

 

"لقد اعتاد اليهوديّ أن يعبّر عن ترحيبه وإكرامه لضيفه بثلاثة أشياء: يقدّم ماء لغسل قدميه لكي يريحه من تعب الطّريق، يقبّله بقبلة التّرحيب ويمسح رأسه بدهن لإزالة ملامح عناء الطّريق. أمّا سمعان، فلم يقدّم الإكرام اللّازم وواجب الضّيافة الذي يعرفه لضيفه يسوع، بل اكتفى بأن أجلسه في بيته."

وأكمل الخوري عطالله: "وفجأةً تقتحم امرأة خاطئة البيت قاصدة رؤية يسوع، هي التي تستحقّ الرّجم حتّى الموت بحسب الشّرع اليهوديّ.  فتلتقي مع المسيح كعريسٍ سماويّ لها، في بيت سمعان الفرّيسيّ من دون دعوة ظاهرة توجّه إليها. لكنّ سمعان أدان يسوع والمرأة الزّانية عندما قال في فكره: "لَوْ كانَ هذَا نَبِيًّا لَعَلِمَ أَيَّ ٱمرَأَةٍ هِيَ تِلْكَ الَّتي  تلْمُسُهُ! إِنَّهَا خَاطِئَة". أمّا المسيح فأنّبه لتقصيره، الذي كمّلته المرأة بمحبّتها. وبلقائه هذه الخاطئة جذب نفوسًا كثيرة للتّوبة، إذ أعلن صداقة الله الحقيقيّة للخطأة ومحبّته لكلّ نفسٍ، واشتياقه لخلاص كلّ إنسان. وهو ما زال يجذبنا بمحبّته الغافرة في سرّ التّوبة وخاصّةً في كرسيّ الاعتراف."

واستشهد الخوري عطالله بقول القدّيس أغسطينوس فقال:  "لقد انطلقت المرأة الخاطئة إلى الوليمة من دون دعوة، إذ كان الطّبيب على المائدة، وبجرأة مقدَّسة سألته الصّحّة... لقد عرفت جيِّدًا قسوة ما تعانيه من المرض، كما أدركت أنّ الذي تأتي إليه قادر أن يهبها الصّحّة ... إقتربت لا إلى رأس الرّبّ بل إلى قدميه، هذه التي سلكت في الشّرّ زمانًا، تطلب الآن قدميه لتخطو خطوات البرّ".

واستطرد الخوري عطالله قائلًا: "لقد سأل سمعان الفرّيسيّ السّيّد المسيح أن يأكل معه، فدخل الرّبّ بيته لكنّه لم يدخل قلبه، لكنّ المرأة دخلت مقتحمة بحبّها وبتوبتها البيت والتقت مع الرّبّ يسوع كعريسٍ لنفسها. لم يقِّدّم الفرّيسيّ ماء لغسل قدميّ السّيّد، لم يقبّله بقبلة التّرحيب ولم يمسح رأسه بدهن لإزالة ملامح عناء الطّريق. أمّا المرأة فقدّمت دموعًا لغسلهما. مسحت بشعر رأسها قدمي يسوع وبلّلتهما بدموع توبتها."

واستخلص الخوري عطالله الإنجيل بالقول: "لم ينتفع الفرّيسيّ من لقائه مع المخلِّص، بسبب إصراره على الكبرياء وإدانة الآخرين جاعلًا من ذاته المرجع للحكم. أمّا المرأة الخاطئة فربحت الكثير لأنّها أحبّت كثيرًا من خلال روح التّواضع والاعتراف بخطيئتها.  لقد جاء المسيح حتّى يفي ديوننا، مهما كثر الدّين أو قلّ، ويترأّف على الكبير والصّغير، حتّى لا يُحرم إنسان أيًا كان الخلاص. ولكي يقدّم لنا السّيّد مثالًا واضحًا لرحمته حرّر هذه المرأة الخاطئة من شرورها بقوله لها: "مغفورة لك خطاياك"".

وتوجّه الخوري عطالله إلى كلّ منّا بعبرة وحكمة فقال: "أخواتي وأخوتي بالرّبّ يسوع المسيح، لا تقلقوا وتيأسوا إذا أحسستم بثقل وطأة خطاياكم السّابقة، فإنَّ رحمة المسيح واسعة المدى ومهما كانت خطيئتكم عظيمة، إلّا أنّ رحمة المسيح أعظم، فبنعمته يتبرّر الخاطئ، ويُطلق سراح الأسير. وبطريق الحياة والنّعمة، نسير منذ الآن إلى موطننا السّماويّ، حيث نرث ملكوت القدّيسين الأبرار ونصبح أعضاء في مملكة المسيح."

وأنهى الخوري عطالله "بصلاة مار شربل الأخيرة وهو رافع الكأس قبل أن يُصاب بالفالج ويهوي أرضًا، والتي تعبّر عن محبّة الآب اللّامتناهية للبشر:

"يا أبا الحقّ، هذا ابنك ذبيحة ليرضيك. إقبله لأنّه لأجلي مات، وبه يُغفرُ لي.

خُذ هذا القربان من يديّ وارضى عنّي، ولا تذكر لي خطاياي التي ارتكبتها أمام عظمتك.

إليك دمه مسفوكًا على الجلجلة لخلاصي، وهو يشفع لي إليك. فاقبل طلبتي بشفاعته.

ما أكثر ذنوبي! وما أغزر مراحمك! فإنّ وزنتها رجح حنانك كثيرًا على الجبال الموزونة لديك...".

وفي الختام كان للخوري عطالله تمنيًّا ورجاءً، فقال: "تعالوا جميعنا نذهب إلى الرّبّ يسوع، ولنخلع عنّا الخطيئة ونتطهّر بدموع التّوبة، لننال الحياة من محبّة يسوع المسيح الغافرة، له المجد ولأبيه وروحه القدّوس، إلى الأبد، آمين."