لبنان
30 أيار 2019, 13:48

رسالة البابا فرنسيس لمناسبة اليوم العالميّ الثّالث والخمسين لوسائل الإعلام

عُقد قبل ظهر اليوم في المركز الكاثوليكيّ للإعلام مؤتمر صحافيّ، بدعوة من اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام، للإعلان عن رسالة قداسة البابا فرنسيس لليوم العالميّ الثالث والخمسين لوسائل الإعلام تحت عنوان: ""فإِنَّنا نحن أَعضاءٌ بَعضُنا لِبَعْض" (أف ٤، ٢٥). من جماعات شبكات التّواصل الاجتماعيّ إلى الجماعة البشريّة". على أن يترأّس رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر القدّاس الإلهيّ للمناسبة، نهار الأحد 2 حزيران/ يونيو 2019 السّاعة العاشرة والنّصف صباحًا، في كنيسة القلب الأقدس – بدارو.

 

شارك في المؤتمر إلى جانب المطران بولس مطر، ممثّل وزير الإعلام جمال الجرّاح مستشاره أندريه قصّاص، نقيب المحرّرين جوزف قصيفي، ومدير المركز الكاثوليكيّ للإعلام الخوري عبده أبو كسم، وحضور عدد من أعضاء اللّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام وإعلاميّين ومهتمين.

مطر

رحّب المطران مطر بالحضور مقدّمًا الرّسالة فقال:

"أيُّها الأحبَّاء، نحيِّيكم جميعًا ونحيِّي منكم بخاصَّةٍ الإعلاميَّات والإعلاميِّين في اليوم الَّذي تكرِّم فيه الكنيسة الكاثوليكيَّة على مدى العالم كلِّه أهلَ الصَّحافة على أنواعها، المكتوبة منها والمسموعة، المرئيَّة وتلك الَّتي تُدعى بالرَّقميَّة، وقد صارت هذه الأخيرة في زمننا الحاضر مالئة الدُّنيا وشاغلة النَّاس. وما من عجب في الأمر فالصَّحافة الرَّقميَّة هي الأوسع مدى في انتشارها والأسرع في نقل الخبر من أقاصي الأرض إلى أقاصيها وبلحظة لا تتجاوز حدود طرفة عين."

تابع: "لقد بلغ عمر هذا التَّقليد الَّتي شاءته الكنيسة ثلاثة وخمسين عامًا إلى اليوم. وقد اتَّخذ الباباوات المتعاقبون على الكرسيِّ الرَّسوليِّ لزامًا عليهم بأن يوجِّهوا في مثل هذا اليوم من كلِّ عام رسالة إلى المؤمنين الكاثوليك ومن ثمَّ إلى العالم كلِّه وبخاصَّةٍ إلى المُنْضَوِين تحت لواء الإعلام، يطلبون فيها نشر الحقيقة وتنوير النّاس من أجل المواقف الَّتي يقفون والقرارات الَّتي يتَّخذون."

أضاف: "ولكي ندخل مباشرةً إلى فحوى رسالة قداسة البابا فرنسيس لهذا العام 2019 والَّتي اتَّخذ لها شعارًا من القدِّيس بولس في رسالته إلى أهل أفسس حيث يقول: "نحن أعضاء في جسد واحد بعضنا لبعض"، نطرح على ضمائركم وعلى الضَّمير العالميِّ بأسره هذا السّؤال: هل تحوَّل النَّاس فعلاً في العالم إلى أعضاء متضامنين في جسد واحد كما يريده رسول الأمم وكما يدعو إليه باسم معلِّمه يسوع المسيح؟ أمْ نحن في حالٍ مُشَرْذمَةٍ رهيبة حيث العداوة تتَّخذ لها ساحات ولا أوسع، وحيث عدم التَّفاهم هو سيِّد الموقف بين شعوب كثيرة وحيث انقطاع الحوار بين مَن يفترض فيهم أن يلتقوا على الخير يؤدِّي بهم إلى بعثرة الصُّفوف وخسارة فرص التَّعاون لما فيه مصلحة الجميع؟"

أردف: "والأكثر من كلِّ هذا، فإنَّنا نقف أمام مفارقة رهيبة يجب أن نفكَّ لغزها وأن نجد حلاًّ للمشاكل الكثيرة الَّتي تسبِّبها بين النَّاس. والمفارقة هي في ما تَرَوْنَ بأمِّ العين وفيما تعجبون لحدوثه وعلى غير توقُّع. فالعالم بات على مقدرة من معرفة كلِّ شيء، والاطِّلاع على كلِّ ما يجري من أحداث مهما كانت ساحاتها بعيدة. لكنَّ هذا التَّواصل الصَّحفيَّ الَّذي لا سابقة له في تاريخ البشر، لم يُقرِّب النَّاس بعضهم من بعض، ولا هو حوَّلهم إلى أخوة متضامنين؛ ولم يُوحِّد جهودهم حكمًا من أجل قيام إنسانيَّة أفضل في علاقاتها وفي تصرُّفاتها. بلْ على العكس، ورُبَّما صحَّ قول القائلين: أنَّه بمقدار ما يزيد هذا العالم تواصلاً صحافيًّا ورقميًّا، بذلك المقدار أيضًا يخفُّ التَّضامن بين أبنائه ويتدنَّى منسوب تفاهمهم على الأسُس الثَّابتة للتَّقارب فيما بينهم ولوحدة صفوفهم."

تابع: "لأجل ذلك يدعو قداسة البابا في رسالته اليوم إلى القيام برحلة علينا جميعًا أن نسير فيها فننتقل من شرذمة تُسبِّبها الشَّبكات الإلكترونيَّة نحو الوحدة الَّتي نقيمها بالتَّفاهم والمحبَّة في الجماعة البشريَّة. فيقول قداسته بهذا المعنى إنَّنا جميعًا مدعوُّون لأن نتلاقى. فالإنسان لا يعيش وحده ولا يتقدَّم. أمَّا شبكات التَّواصل الَّتي نعرفها اليوم، فهي وإنْ سهَّلت لنا طرق الوصول إلى المعرفة وبوسائل لم يكن لها مثيل من قبل، فيمكنها أن تُسبِّب أيضًا تزويرًا للحقائق واختلاطًا في المفاهيم وقلبًا للواقع رأسًا على عقب. وهي قادرة بهذا المعنى أن تسعى لا إلى نشر المحبَّة واحترامها، بلْ إلى ترويج أفكار سياسيَّة واجتماعيَّة لا علاقة لها بالموضوعيَّة ولا باحترام حقِّ الآخر بالكرامة ولا بالحياة السَّليمة. وفي هذا الاتِّجاه أيضًا يمكن لشبكات الإعلام أن تزيد البعض غباء بترويج الأفكار المسبقة عن الآخرين سواء في مجال التَّفرقة الإتنيَّة أَمْ في مجال صراع الأديان ومن أجل تأجيج هذا الصِّراع. فتنقلب هذه الشَّبكات من جسور مفتوحة للنَّاس لكي يلتقوا بعضهم ببعض إلى مجرَّد معارض لأفكار مسيئة وهدَّامة لتواصلهم ولتقدُّم حياتهم."

أضاف: "ويذهب قداسته في عرض السَّلبيَّات الَّتي قد تحملها وسائل التَّواصل الحديثة ليقول أنَّ المعلومات المعروضة عبر هذه الوسائل قد تتحوَّل أيضًا إلى شبكات عنكبوت تنقضُّ على فريستها فتحوِّله من إنسانٍ إلى فردٍ معزول عن الآخرين وإلى كيان غارقٍ في سلبيَّاته وفي غُربته عن أقرانه وعن الحياة الاجتماعيَّة الحقَّة. كلُّ هذه الأخطار يحمِّلها قداسة البابا لسياسة الكذب الَّتي قد يتعاطاها المُغرضون ليستغلُّوا الآخرين بدلًا من أن يُسهِموا وإيَّاهم في خلق عالمٍ إنسانيٍّ يُعوِّلُ على أهمِّيَّة الجماعة المتضامنة على الخير وعلى التَّواصل الصَّحيح. وهكذا بعد أن يعرض قداسته الدَّاءَ النَّاجِمَ عن الإعلام الخاطئ والمُضلِّل ينتقل إلى وصف الدَّواء الَّذي بمقدوره أن يشفي المجتمع من هذه الإصابات الهدَّامة لحياته وتضامن بنيه. فيقول أنَّ الإنسانيَّة لا تُبنى على الكذب بلْ على الحقيقة وعلى الحقيقة وحدها. وهو الَّذي يضع أمامه إنجيل الرَّبِّ القائل: "تعرفون الحقَّ والحقُّ يُحرِّرُك". لهذا يستشهد البابا بالقدِّيس بولس في رسالته إلى أهل أفسس حيث يقول بالتَّحديد: «أيُّها الأخوة، انبذوا عنكم الكذب وليكلِّم كلُّ واحد منكم قريبه بالحقِّ، فإنَّنا أعضاء بعضنا لبعض" (أفسس 4، 25)."

وقال: "كمْ هو جميل هذا الكلام من رسول الأمم! لأنَّنا إنْ كنَّا أعضاء لجسد واحد، فإنَّ هذا يعني أنَّه يستحيل علينا أن نكذب بعضنا على بعض بدون أن نُوقِع الضَّررَ بالجسد الواحد الَّذي نُمثِّل. وإنْ كنَّا أعضاء في جسد واحد فنحن لا نستطيع أن نتآمر بعضنا على بعض لأنَّنا بذلك نقتل بعضنا بعضًا ولن يسلم بيننا من جرَّاء هذه الفعلة أحد. أمَّا إذا أردنا أن نحيا فعلينا أن نحيا معًا وأن نتعاون من أجل صحَّة الجسد الَّذي ننتمي إليه جميعًا فتسلم الجماعة وتسلم لها الحياة وتبقى."

تابع: "ومن هذا المنطلق يتعمَّق قداسته بهذا الموضوع ليذكِّرنا أنَّ هُوِّيَّتنا هي "الإنسان" بذاته وهي هوِّيَّة تواصليَّة ومنفتحة على الحياة أصلاً ودعوة، ونحن المسيحيِّين نُقرُّ ونعترف أنَّنا جميعًا أعضاء في جسد المسيح الواحد. وهذا ما يدفعنا إلى التَّفكير بأنَّنا لسنا مدعوِّين إلى أن ينافس أحدنا الآخر ولا أن يُهمِّشه ويلغيه. بلْ دعوتنا جميعًا هي وصول كلٍّ منَّا إلى قمَّة العطاء وقمَّة المحبَّة وقمَّة الحياة. لا بلْ أكثر من ذلك، فإنَّ وحدتنا البشريَّة تنبع من وحدة الثَّالوث الأقدس. فلندرك بواسطة هذه الحقيقة الإلهيَّة السَّامية أنَّ الله هو محبَّة وليس عزلة منفردة. وإنْ كنَّا نحن مخلوقين على صورة الله ومثاله فإنَّنا نحن أيضًا مدعوُّون للحبِّ وللتَّلاقي مع أخوةٍ لنا في هذا العالم."

أضاف: "فإذا تنبَّهنا لكلِّ هذه الحقائق، أدركنا طريق الخلاص. وهي الطريق الَّتي تُلزِمنا استعمال وسائل الاتِّصال لا كبديل لنا من إلتقاء الآخرين، حيث نكتفي بالرّقم وبعالم الخيال الواهي، بلْ نستعملها لكي يصبح اجتماعنا بعضنا مع بعض أكثر حقيقة وأكثر فعلاً. علينا الاستفادة من الصَّحافة الرَّقميَّة ولكنْ من أجل عيشنا المشترك والآخذ بالتَّوسُّع والتَّعمُّق ضمن جماليَّات المعرفة ومحبَّة الحياة."

وإختتم مطر: “فَلْنَسعَ معًا أيُّها الأحبَّاء إلى صحافة حرَّة ومحرِّرة من التَّكاذب والاستغلال. ولتكن الصَّحافة خادمة للجماعة ولتلاقي النَّاس على أساس إنسانيَّتهم الواحدة ووطنيَّتهم الواحدة ومحبَّتهم الواحدة للحياة وللسَّعادة. عندئذ تتحوَّل الصَّحافة إلى وسيلة رجاء وإلى فرصة إنقاذ للإنسانيَّة من كبواتها القاتلة، وتجاه أمنيات نتبادلها بعضنا مع بعض يصبح جواب كلٍّ منَّا للآخر: "آمين". حقًّا والسَّلام لجميعكم.”

قصّاص

وألقى ممثل وزير الإعلام المستشار اندريه قصّاص كلمة جاء فيها:

"شرف لي أن يكلّفني معالي وزير الإعلام الأستاذ جمال الجرّاح تمثيله في هذا المؤتمر، حيث نجتمع جميعًا حول طاولة الكلمة التي كانت في البدء، والتي تجعلنا نتحرّر من كلّ ما يحيط بنا من سطحيّة قد أصبحت، للأسف، مسيّرة لخطواتنا التي تحتاج في زمن السّرعة إلى المزيد من التأمل ووضوح في الرّؤية، بعيدًا عن المؤثرات البصريّة والظّرفيّة الخادعة".

تابع: "لقد حمّلني معاليه إلى سيادتكم ومعاونيكم الكرام أصدق التّحيّات، آملاً في تلاقي جميع اللّبنانيّين حول الكلمة الطّيّبة، التي توحّد ولا تفرّق، تجمع ولا تقسّم، لما لهذه الكلمة من تأثير فعّال في تصويب المسارات في عالم يسوده الصّخب وتتملّك في مفاصله الغوغائيّة والتّهرّب من تحمّل مسؤوليّة كلّ كلمة ننطق بها، سواء في السّرّ أو في العلن."

أضاف: "أيّها الأخوة الكرام، تجمعنا اليوم، ونحن في نهاية شهر فضيل تعانقت فيه ابتهالات اللّبنانيّين، مسلمين صائمين، ومسيحيّين متعبّدين للعذراء مريم، رسالة الحبر الأعظم قداسة البابا فرنسيس في اليوم العالميّ الثّالث والخمسين لوسائل الإعلام، بعنوان: "من جماعات شبكات التّواصل الاجتماعيّ إلى الجماعة البشريّة"، مع ما تحمله من روحانيّة ضاربة في عمق أعماق البشريّة، التي تتحكّم بها وسائل التّواصل الاجتماعيّ، بسلبيّاتها وإيجابيّاتها، مع تشديده على أهميّة تثمير عمليّة التّواصل بين النّاس وسيلة لتقريب المسافات بينهم وتوحيد الرّؤى المشتركة، إلى أيّ فئة أو طائفة أو منطقة جغرافيّة انتموا، في عمليّة تكامليّة في مسيرة الإرتقاء بالنّفس البشريّة إلى ما يرسّخ القيم التي بدأت تتلاشى بفعل ما نشهده من تفكّك داخل الأسر والمجتمعات السّائرة  شيئًا شيئاً نحو الإنغلاق والقوقعة والتّعصب."

أردف: “ما أستوقفني في رسالة قداسته إشارته إلى أن الإنترنت، على رغم أنّه يمثّل إمكانيّة مميّزة للحصول على المعرفة، ظهر كأحد الأماكن الأكثر عرضة للتّضليل والتّشويه الواعي والمتعمِّد للوقائع والعلاقات الشّخصيّة التي غالبًا ما تأخذ شكلاً من أشكال النّيل من المصداقيّة، وفي هذه الإشارة ما يجعلنا نتوقّف عند الكمّ الهائل من المعلومات والأخبار المغلوطة التي يتمّ تداولها عبر مواقع التّواصل الاجتماعيّ من “فيسبوك” و”تويتر” و”انستغرام” وغيرها، وهي لا تستند إلى وقائع حسّيّة وإلى دلائل موثوقة وموثقة، وهذا ما لا يفعله الإعلاميّون المحترفون، الذين يدّققون في كلّ معلومة والتّأكد من صحّتها قبل نشرها."

تابع: "ويزيد قداسته، “علينا أن نعترف بأنَّ شبكات التّواصل الاجتماعيّ، إن كانت تساعد من جهة على خلق مزيد من التّواصل بيننا وعلى التّلاقي ومساعدة بعضنا البعض، فهي تسمح من جهة أخرى بالتّلاعب بالمعلومات الشّخصيّة بهدف الحصول على مكاسب على الصّعيد السّياسيّ أو الاقتصاديّ، بدون الاحترام الواجب للإنسان ولحقوقه."

أضاف: “وبذلك يضع قداسته يده على الجرح النّازف بفعل تنامي فكرة التّقليل من أهميّة الكلمة ومفاعيلها، خاصّة لدى بعض الذين لم تعد القيم الإنسانيّة تعني لهم الكثير."

وقال: “وينهي قداسته رسالته بخلاصة نرى فيها بداية لمسار طويل من النّقاش توصلًا إلى ما يريده من هذه الشّبكة التي لا تهدف إلى أسر الأشخاص بل إلى حمايتهم، بإعتبارهم شركة أشخاص أحرار."

تابع: “حسبنا أنّ مثل هذه الرّسائل، وما تحمله من تطلّعات تستطيع أن تفعل فعلها في خميرة الشّبيبة، التي نعلّق عليها أهميّة كبرى، لأنّ المستقبل لها، الذي نأمل أن يكون واعدًا ومحرّرًا من عِقد الماضي".

وإختتم بالقول: “لا يسعني في الختام إلّا أن أتوجّه بالشّكر لسيادة المطران مطر وللقيّمين على المركز الكاثوليكيّ للإعلام على ما يقومون به على الصّعيد الإعلاميّ لكي يبقى الإعلام في لبنان حرًّا ومسؤولًا وملتزمًا قضايا الإنسان."

قصيفي

ثم تحدّث نقيب المحررين جوزف قصيفي فقال:

“نلتقي في رحاب المركز الكاثوليكيّ للإعلام اليوم لإعلان رسالة البابا فرنسيس لمناسبة اليوم العالميّ للإعلام، هذه الرّسالة التي قدّمها وعرضها سيادة المطران بولس مطر بوصفه رئيسًا للّجنة الأسقفيّة لوسائل الإعلام المنبثقة من مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك، وهو خير من يشرح ويقدّم نظرًا لعلوّ همّته وهامته، وثقافته الواسعة، وعمق تفكيره."

وأشار: “إلى أنّ رسالة البابا تركّز على محوريّة الإنسان، لأنّه هو الغاية والهدف، وعلى صورة الله ومثاله. وإنّ أيّ مقاربة لا تأخذ هذا الأمر في هذا الاعتبار تجعل الإعلام متفلّتًا من الضّوابط الأخلاقيّة النّاظمة للمجتمع".

وشدّد على أنّ “وسائط التّواصل الاجتماعيّ يجب أن تستهدي قيم الأديان السّماويّة وما يترتّب عليها من سلوكيّات، والسّيّد المسيح كان الإعلاميّ الأوّل عندما قال "ليضىء نوركم للنّاس، ولا يوقد سراج ويوضع تحت مكيال. تعرفون الحقّ والحقّ يحرّركم"..".

وقال: “إنّ الإعلام يحرّر بالحقّ ويتحرّر به، وإنّ ما يبدو من جنوح لدى وسائل التّواصل الاجتماعيّ يحمل في طيّاته بذور التّدمير المعنويّ، يعود إلى عدم وجود قانون يضبط عملها، ويردع هذا الجنون. وإنّ كلام البابا فرنسيس يعكس روح الحياة، ويوجّه النّاس نحو تلمّس معنى الخير وعدم استخدام الإعلام بكافّة وجوهه لتحوير الحقائق، وتذرير الأخلاق، وتشويه صورة الإنسان، وتسعير مشاعر الكراهيّة، وتدمير صورة الله، الرّحوم الرّؤوف، من خلال رفض الآخر، وانهيار التّضامن والإخاء البشريّ."

ورأى القصيفي "أنّ من واجب الشّبكات التّواصليّة أن تعتمد مدوّنات تحترم الموضوعيّة والحقيقة، وعدم تبنّي الأفكار الخبيثة. إنّ خطر الشّبكات على المجتمع الإنسانيّ يفوق خطر الحروب الدّامية. لذلك لا بدّ من شرعة تنظّم هذه الشّبكات وقانون يضبطها، كما هو شأن الإعلام الكلاسيكيّ: المرئيّ والمسموع والمكتوب والإلكترونيّ."

وقال: "سيكون لدينا الكثير من الكلام حول هذا الموضوع في طالع الأيّام لأنّنا لن ندع للفوضى التي تسود مواقع التّواصل أن تقوّض الأركان القيميّة التي يقوم عليها وطننا، من خلال رؤية تضع الأمور في نصابها، وتحوّل هذه المواقع إلى طاقة إيجابيّة في خدمة الإنسان والمجتمع."

 وإختتم: "هناك مخاطر كبيرة من جرّاء الانفلات غير المقيّد من قبل وسائل التّواصل الاجتماعيّ، هذا الانفلات يجب ألّا ندعه يمرّ مرور الكرام، بل يجب أن نتصدّى له قبل أن يسحقنا وأن يسقط الكثير من مقوّمات الوطن والدّولة."

أبو كسم

وفي الختام تحدّث الخوري عبده أبو كسم فقال:

“يتكلّم قداسة البابا فرنسيس في رسالته الخاصّة بيوم الإعلام العالميّ الثّالث والخمسين: "من جماعات التّواصل الاجتماعيّ إلى الجماعة البشريّة"، عن أهميّة الإعلام الّذي أصبح، وعيشنا اليوميّ، توأمان متلازمان."

تابع: “كيف لا، والإعلام أصبح بكلّ أوجهه محرّكًا لزماننا ومصدرًا للمعارف والعلاقات، وهذه نعمة كبرى يجب الإفادة منها، ولكن للأسف يبدو واضحًا أنّ هناك، في بعض الأحيان، صراع بين البحث عن الحقيقة وبين التّضليل المتعمّد من قبل وسائل الإعلام وشبكات التّواصل للوقائع وللعلاقات الشّخصيّة المتبادلة، والّتي غالبًا ما تضرب المصداقيّة المرجوّة منها، وقد تسمح أيضًا بالتّلاعب بالمعلومات الشّخصيّة بهدف الحصول على مكاسب سياسيّة أو اقتصاديّة بعيدًا عن احترام الإنسان وحقوقه. وفي هذا الإطار يوضح قداسته أنّ الإحصاءات تشير أنّ شابًّا من بين أربعة شبّان صغار يتورّط في حالات من التّشويه الأخلاقيّ الإلكترونيّ."

أضاف: “لكن في المقابل ينوّه قداسته بالقدرة الإيجابيّة الّتي لدى شبكات الإنترنت في حياة المجتمعات، ويحثّ على التّفكير جديًّا في بناء هيكليّة تنظّم وتضبط عمليّة التّفاعل معها، إذ أنّها تجسّد صورة الجماعة البشريّة الّتي يجب أن تعمل كشبكة متضامنة مبنيّة على الإصغاء المتبادل والحوار القائم على الاستعمال المسؤول للّغة الّتي تحكمها."

وأضاف: "يجب التّنبّه من أن تصبح شبكات التّواصل مدخلًا إلى الإنعزال الشّخصيّ فيما دورها الأساسيّ يكمن في تعزيز فرصة اللّقاء مع الآخرين، محذّرًا في هذا المجال إلى أنّ الأولاد هم الأكثر عرضة لخطر الإنعزال وباتوا يسمّون بالنّسّاك الاجتماعيّين".

وقال: "من هذا المنطلق، يرى قداسته أنّه أصبح من الملحّ أن تسعى الكنيسة إلى تحديد رؤية واضحة للشّبكة العنكبوتيّة لتجعل منها شبكةً حرّةً منفتحةً وآمنةً، بغية تعزيز الاستعمال الإيجابيّ لها."

أردف: "وفي القسم الثّاني من الرّسالة، يتوجّه قداسته إلى المسيحيّين ليتفاعلوا مع شبكات التّواصل الاجتماعيّ إنطلاقًا من روحانيّة لاهوتيّة، فهو يدعونا إلى التّفكير بعمق في العلاقة الّتي تجمعنا كمسيحيّين، فيقول: "نحن أعضاء في الجسد  الواحد الّذي رأسه يسوع المسيح، وهذا يقودنا إلى التّأمّل في هويّتنا القائمة على الشّراكة والاعتراف بالآخر. فنظرة الاندماج هذه تجعلنا نكتشف الآخر كجزء غير منفصل عنّا، وبالتّالي فالشّراكة مع بعضنا البعض وبالاتّحاد مع اللّه هي شركة محبّة ولقاء مع الآخر، فتصبح لغتنا إذ ذاك لغة المحبّة عبر شبكات التّواصل، وتنطلق المسيرة الأصيلة للأنسنة من الفرد الّذي ينظر إلى الآخر كخصم إلى الشّخص الّذي يرى فيه رفيق الرّبّ."

وفي الختام "يختم قداسته “تذكّرنا صورة الجسد والأعضاء بأنّ استخدام شبكات التّواصل الاجتماعيّ هو مكمّل للّقاء الشّخصيّ الّذي يحيا من خلال جسد الآخر وقلبه وعينيه ونفسه، فتصبح هذه الشّبكات فرصة للتعّرف على روايات وخبرات جميلة أو حتّى مؤلمة بعيدة عنّا، ونبحث معًا عن الخير عبر إعادة اكتشاف ما يجمعنا، فاتحين الطّريق أمام اللّقاء والحوار والفرح فتضحي شبكات التّواصل منبرًا لعيش المحبّة وإعلان الحقيقة"."