لبنان
05 شباط 2016, 07:00

رسالة البطريرك غريغوريوس الثَّالث بمناسبة الصوم الأربعيني الكبير

بمناسبة الصوم الأربعيني الكبير وجّه صاحب الغبطة البطريرك غريغوريوس الثَّالث لحام، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق رسالة الصوم جاء فيها :


 إلى الإخوة السَّادة المطارنة، أعضاء المجمع المقدَّس الموقَّرين وسائر أبنائنا وبناتنا بالمسيحِ يسوع، إكليروسًا وشعبًا، المدعوِّين قدِّيسين، مع جميع الذين يَدعُون باسم ربِّنا يسوع المسيح، ربِّهم وربِّنا نعمةٌ لكم وسلامٌ من الله أبينا، والرَّبِّ يسوع المسيح (اكور: ١-٣). الرحمة الإلهيَّة والبشريَّة "طوبى للرحماء فإنهم يرحمون" (متى 5: 7)

 

يُطِلُّ علينا الصوم هذا العام مبكِّرًا.  ولا بدَّ لي، جريًا على عادتي، من أن أوجّه إليكم رسالة  خاصّة  لمواكبة  هذه المسيرة السنويَّة الروحيَّة، التي ندعوها الصوم الأربعيني الكبير. 
أريدُ أن تكون هذه الرسالة صدًى للخواطر التي أعرب عنها قداسة البابا فرنسيس مؤخرًا  في رسالة بعنوان "وجه الرحمة"، خصّصها لـ"يوبيل الرحمة الاستثنائي".  كما سأستوحي أيضًا رسالتَه الصّادرة في 1 كانون الثاني 2016 احتفالا بيوم السّلام العالميّ.


الرحمة في صلواتنا الطقسية
في كلِّ صلاة من صلواتنا الطقسيَّة، نقرع باب الرَّحمة الإلهيَّة هاتفين: "يا ربُّ ارحم" ! هذا الهتاف المؤثّر يتردّد شرقًا وغربًا  بصيغته اليونانيّة المألوفة  (كيرياليسون)  في جميع الطّقوس: البيزنطيّ منها، واللّاتينيّ، والسّريانيّ، والقبطيّ، والأرمنيّ، والأشوريّ، والآراميّ...ولا عجب في ذلك، فرحمة الله لا تنضب لأنّ الله محبّة ورحمة!
كما أنّ طقسنا البيزنطيّ أو الأنطاكيّ يتميَّز بالإلحاح في طلب الرّحمة الإلهيّة،  سواء في اللّيتورجيَّة الإلهيّة (القدّاس)،  أم في الخدمات الطّقسيَّة النهاريَّة والليليَّة. فعبارة كيرياليسن (ياربّ ارحم) تتردَّد في صلواتنا حوالي 500 مرة يوميًا!

صلوات الاستغاثة  كثيرة، نخصّ  بالذّكر منها  نشيد الاسترحام الشعبيّ المحبّب الذي نرنّم به يوميًّا  في الصّوم الكبير وهو يتألّف من ثلاثة مقاطع، نوجّه الأوّل والثّاني منها للربّ:
1-" إرحمنا ياربّ ارحمنا، فإنَّنا عاجزون عن كلِّ دفاع!  لذلك نقدِّم لكَ نحن الخطأة هذا الابتهال بما أنَّك السيد: إرحمنا.
2- " إرحمنا ياربّ ارحمنا،  فإنَّا عليكَ توكَّلنا. لا تغضبْ علينا جدًا ولا تذكرْ آثامنا! بل انُظر الآن بحنوِّك، وأنقذنا من أعدائنا! فإنَّك أنتَ إلهنا، ونحن شعبك، وجميعنا صنعُ يديكَ، واسمَكَ ندعو.
3- أمّا المقطع الثّالث فمخصَّص لاسترحام أمّنا السّماويّة، والدة الإله. وما أجدره أن يسمَّى  "نشيد يوبيل الرّحمة":
"إفتحي لنا باب التحنُّن،  يا والدة الإله المباركة. لأنّنا  باتّكالنا عليك لا نخيب. بل نُنقَذ بك  من الشّدائد. فإنّك أنت خلاص كلّ المسيحيّين."
من المعلوم أنّ المزامير، ركنَ صلواتنا الطقسيَّة، تفيض باسترحام الله. ومن أبرزها المزمور المدعو "بوليئيليوس" أي  كثير المراحم،  نظرًا للازمته التي نردّدها بعد كلّ آية: " لأنَّ إلى الأبد رحمته. هليلوئيا."  أمّا مزمور الاسترحام الذي يمتاز على سواه بعُمق تأثيره في النّفس التّائبة،  فهو المزمور الخمسون ومطلعه :"إرحمني يا الله بعظيم رحمتك..."!
أجَل، رحمة الله عزّ وجلّ، لا حدّ لها. وما الرّسالة البابويّة إلّا نداءٌ يحثُّنا  على أن نفتح قلوبنا لرحمة الله،  كي تجتاح كياننا وتصيِّرنا رحماء على النّحو السّامي الذي يطلبه السيد المسيح: "كونوا رحماء كما أن أباكم السماوي هو رحيم" (لوقا 6: 36).
جُلّ ما  نتمنّى هو أن يسمع العالم هذه الدَّعوة فتتحوَّل القلوب المتحجّرة، النّاقمة، المبغضة، إلى قلوب إنسانيّة، من لحم ودم، رحيمة، مسامحة، مسالمة.
فما أحوجنا إلى رحمة الله الذي يطوِّب الرحماء، من أصفياء القلوب، ومحبّي الخير: "طوبى للرّحماء فإنَّهم يُرحمون!" (متى 5: 7). "طوبى لأنقياء القلوب فإنَّهم يعاينون الله" (متى5: 8). "طوبى لصانعي السلام فإنَّهم بني الله يُدعَون!" (متى 5: 9). الرَّحمة بكلِّ أبعادها هي مختصر لعظة الجبل وتعبير عن إرادة الله القائل :"إنّي أريد رحمة لا ذبيحة". (متى 9: 13).

الرحمة رسالة كلِّ الأديان
تجلِّيات الإيمان في الأديان كلِّها تُبرِز رحمة الله للإنسان، وتدعو الإنسان إلى رحمة أخيه الانسان. فما من دِين إلّا ويريد أن يُحدِّد رسالته الأساسيَّة بالرَّحمة. وقد أكَّد قداسة البابا هذا الواقع بقوله: " للرَّحمة قيمةٌ  تتخطّى حدود الكنيسة". إنَّها تربطنا  باليهوديَّة والإسلام، اللَّذين يعتبران الرَّحمة من أبرز صفات الله. فصفحات العهد القديم ملأى بالرَّحمة. "كما أنّ الإسلام، من جهته، يعدّ الرَّحمن الرّحيم  من أسماء الله الحُسنى،  وغالبًا ما تَرِد هذه الأسماء على شفاه المؤمنين الأتقياء،  الَّذين يشعرون بأنّ رحمة الله ترافقهم وتعضدهم في ضعفهم اليوميِّ. فهُم يؤمنون بأنْ ما من أحد يستطيع أن يحدَّ رحمة الله  لأنَّ أبوابها مفتوحةٌ دائمًا". (رقم 23)
ويقول صاحب القداسة: "على هذه السنة اليوبيليَّة  التي سنعيشها  في ممارسة الرَّحمة، أن تشجّع لقاءَنا مع هاتين الديانتين ومع باقي التقاليد الدينيَّة العريقة، وأن تجعَلَنا أكثر انفتاحًا على الحوار، فنتعارف ونتفاهم على نحوٍ أفضل، وأن تُزيل  كلَّ شكلٍ من أشكال الانغلاق والازدراء، وأن تُبعد كلَّ نوع من أنواع  العنف والتّمييز". (رقم 23)


روحانية جديدة
رسالة البابا هي أكثر من تحريض على ممارسة الرَّحمة. إنَّها تأكيد لروحانيَّة جديدة ينبغي أن تتميّز  بها الكنيسة - رعاةً وشعبًا -  في علاقاتها  مع العالم، في التواصل بين أبنائها،  في حياة الجماعات الكنسيَّة والرهبانيَّة، في الرعايا،  في الأسرة، في المجتمعات المدنيَّة... بحيث تكون الرَّحمة هي كلمة السرّ، هي خريطة الطريق، هي مفتاح الحوار مع الآخر، هي الرؤية لعالم جديد، هي الدّواء الشّافي من كل داء. هدف الرّسالة البابويّة  هو إذَن أن تعمَّ الرَّحمة  علاقات الإنسان بالله  خالقه،  وعلاقات الإنسان بأخيه الإنسان.
لذا اخترتُ أن أوجز في رسالتي هذه،  العناصر  "التواصليّة"  relationnelles) )   الواردة  في  رسالة يوبيل الرّحمة.


دواء الرحمة
"تُفضّل عروس المسيح الآن أن تستعمل دواء الرحمة بدلًا من أن تُشهر سيفَ القساوة والتزمُّت... إنّ قصّة السامريّ الرّحيم البليغة،  كانت نموذجًا لروحانيّة المجمع الفاتيكانيّ الثّاني  الذي ادان الأخطاء، ولا ريب. أما المُخطئون فاكتفى المجمع بأن يوجّه إليهم  التأنيب المقرون بالاحترام والمحبة."


يسوع مِثال الرحمة
يدعونا البابا إلى تثبيت النّظر في وجه يسوع المسيح الرّحيم،  والتأمّل  في كُنْهِ الله، الذي عبّر عنه يوحنّا  الحبيب  أروع تعبير بقوله: "إنّ الله محبة". (1يو 4: 8)
الرّحمة ظاهرة للعيان في كلّ ما قاله وفعله السيّد المسيح، ومنها: لـمّا رأى يسوع الجموع التي كانت تتبعه  رازحة تحت وطأة التّعب، كخراف لا راعي لها، أخذَته الشّفقة عليهم (راجع متى 9، 36). وبقوة هذا الحبّ الشفوق شفى المرضى الذين كانوا يُقدَّمون إليه (راجع متى 14، 14)، وبالقليل من الخبز والسّمك أشبع جموعًا كبيرة (راجع متى 15، 37). فالرحمة هي التي كانت تحرّك يسوع في جميع الظروف، ومن خلالها كان يقرأ ما في قلوب محاوريه ويستجيب حاجاتهم الحقيقيّة" (فقرة رقم 8)
هذا ما نلمسه في إشفاقه على أرملةٍ  في بلدة نائين، وشفائه مجنونًا في منطقة الجرجسيّين، ودعوته لمتّى الذي تحوّل من خاطئ إلى رسول وإنجيليّ.
"وفي الأمثال المخصَّصة للرَّحمة، يُظهر يسوعُ وجهَ الله على حقيقته: أبًا يأبى إلّا  أن يغفر الخطيئة ويتغلَّبَ على الرَّفض بالشّفقة والرَّحمة. نكتفي بذكر  ثلاثة من  تلك الأمثال : مثَل الخروف الضّالّ، ومثل الدرهم الضائع ومثل الأب الرّحيم وابنيه (را. لو 15، 1- 32 وهو معروف شعبيًّا باسم مثَل الابن الشّاطر). في هذه الأمثال، يظهر الله دائمًا وهو يفيض فرحًا لاسيما عندما يغفر. كما نجد فيها أيضًا نواة الإنجيل ونواة إيماننا، لأنها تعُدّ الرحمة قوّةً عارمة،  تتغلّب على كل عقبة، وتملأ القلب بالمحبة وتعزّيه بالمغفرة". (فقرة رقم 9)


المغفرة في اليوبيل
ويتابع قداسة البابا قراءة الإنجيل بعين الرحمة، فيذكر مثل العبد القاسي القلب  الذي سامحه سيّده بدَين باهظ،  ومع ذلك  كاد يخنق رفيقَه لأنه عجز عن وفاء دَين زهيد. ويستفيض البابا بكلمات رائعة حول مفهوم الغفران، وسموّ الصّفح، وما يجلبه من سلام وسكينة للإنسان.
"ينطوي هذا المثل على تعليم عميق لكل فرد منا. فيسوع يؤكّد أن الرحمة لا تتجلّى في  تصرف الآب فحسب، بل  تصبح المعيار الذي به ندرك مَن هم أبناؤه الحقيقيون. لذلك نحن مدعوون لنحيا بالرّحمة، لأننا قد رُحمنا أولاً، فتصبح مغفرةُ الإساءة التعبيرَ الأوضحَ للحبِّ الرَّحيم، وهو أمر يتعذَّر علينا نحن المسيحيين  أن نتجاهله. كم يبدو لنا من العسير أن نصفح! ومع ذلك فالمغفرة هي الأداة التي وُضعت بين أيدينا الضعيفة لنبلغ بها إلى سكينة القلب. إنّ نَبْذَ الحقد والبُغض والعنف والانتقام هو الشرط الضروريّ لنكون سعداء في حياتنا. فلنمتثلْ إذَن إلى دعوة الرسول: "لا تغرُبنَّ الشمس على غضبكم" (أف 4، 26). ولنُصغِ خصوصًا إلى كلام يسوع الذي جعل الرحمة  مثلًا أعلى لحياتنا ومعيارَ مصداقيّةٍ لإيماننا: "طوبى للرّحماء فإنّهم يُرحمون" (متى 5، 7) إنّها الطّوبى التي يجب أن تُلهمنا التزامًا خاصًّا بالرّحمة في هذه السنة المقدسة". (رقم 9)

الكنيسة خادمة الرحمة
ثمّ يخاطب البابا  رعاة الكنيسة فيقول إنّ عليهم  أن يتحلَّوا بمقدار كبير- بل غيرِ محدودٍ - من الرّحمة في تعاملهم مع المؤمنين، ومع سائر النّاس. وهكذا تظهر الكنيسة من خلال رعاتها انها خادمة الرحمة على مثال معلمها الإلهي، الإله الرحيم المحب البشر.
"إن الدعامة الذي ترتكز عليها الكنيسة هي الرحمة. وكل نشاطها الرّعويّ ينبغي أن يتّسم بالحنان الذي تتوجه إلى المؤمنين. لا سيَّما في تبشيرها وشهادتها. إن مصداقية الكنيسة لا تظهر للعيان إلّا عن طريق المحبة  والرحمة[10] . وقد نكون نسينا لوقت طويل أن ندلّ على درب الرحمة ونعيشها. إن  المطالبة المستمرّة بالعدالة فحسب ، جعلتنا ننسى أنا العدالة ليست إلّا الخطوة الأولى التي لا غنى عنها. لكن الكنيسة تحتاج إلى الذهاب أبعد منذ ذلك لبلوغ هدف أسمى وأهم... إنّه حقًّا  من المحزن أن نرى  المغفرة  نادرة في ثقافتنا . ويبدو أن هذه الكلمة نفسها توشك أن   تتلاشى. لكن بدون المغفرة تصبح الحياة عقيمة وتفقد خصوبتها، فنُمسي  كمن يعيش في صحراء قاحلة. لقد آن الأوان أن تأخذ الكنيسة على عاتقها إعلان المغفرة بفرح. آن الأوان للعودة إلى ما هو جوهريّ كي نحمل على أكتافنا ضعف الإخوة ومتاعبهم. المغفرة هي قوة تُنهضنا وتقودنا إلى حياة جديدة وتبعث فينا الشجاعة اللّازمة للتطلّع برجاء نحو المستقبل ". (رقم 10)


أعمال الرحمة الجسديَّة والروحيَّة
يذكِّر الأب الأقدس المؤمنين بأعمال الرحمة الجسديَّة والروحيَّة:
"أتمنَّى بحرارة أن يفكِّر الشعب المسيحيِّ خلال اليوبيل في أعمال الرَّحمة الجسديَّة والروحيَّة.  إنّ من شأن هذه الأعمال أن توقظ ضميرنا الذي ينزلق غالبا إلى السُّبات إزاء مأساة الفقر ، وتحملنا على مزيد من التعمّق في قلب الإنجيل، حيث الفقراء هم المفضَّلون لدى الرَّحمة الإلهيَّة...علينا أن  نعيد اكتشاف أعمال الرَّحمة الجسديَّة: أن نطعم الجائع، ونسقي العطشان، ونكسي العاري، ونرحّب بالغريب، ونعتني بالمريض، ونزور المسجون ونشيّع الميت إلى مثواه. وعلينا ألّا ننسى أعمال الرحمة الروحيّة، أي أن  ننصح الشاكّ، ونعلّم الجاهل، ونحذّر الخاطئ، ونعزِّي المحزون، ونغفر الإساءة، ونتحمّل الشخص المزعج بصبر، ونضرع إلى الله من أجل الأحياء والأموات. علينا ألّا  ننسى كلمات القدّيس يوحنا الصليبيّ: "في مغيب الحياة سنُحاسب على المحبة". (رقم 15)


الصوم وأعمال الرحمة
صلواتنا الطقسيّة في مرحلة الصوم الأربعيني الكبير، تَزْخَر بالدَّعوة إلى ممارسة أعمال الرَّحمة. وهذه بعض المقاطع منها:
"مع صومنا أيها الإخوة جسديًّا، لنصُم أيضًا روحيًّا. ونحلَّ كلَّ وثاقٍ ظالم. ونفكَّ عُقَدَ المعاملات الابتزازيَّة. ونمزِّق كلَّ صكٍّ جائر. ونعطي الجياع خبزًا. ولنستضِف المساكين الذين لا مأوى لهم. لكي ننال من المسيح الإله الرحمة العظمى". (من كتاب ابتهالات مشرقيَّة مختارات من زمن الصوم المبارك ص 67)
"هلُمَّ أيُّها المؤمنون. نَعمَلْ في النُّورِ أعمال النور. ونواصلْ متجمِّلينَ بالأدب سَيرنا في النهار. ولنَقْلَعْ من أذهاننا كلَّ حكمٍ جائر على القريب. ولا نسببْ عثرة شك لأحد. ولننبذ ملَّذات الجسد. ونُنْمِ مواهب النَّفس. ونُعطِ المحتاجينَ خبزًا. ونتقدَّم إلى المسيح بتوبةٍ هاتفين: يا إلهَنا ارحمنا". (من كتاب ابتهالات مشرقيَّة مختارات من زمن الصوم المبارك ص 72)
نبؤة أشعيا: دعوة إلى أعمال الرحمة
هذه الصلوات هي صدى للدعوات التي نقرأها في سفر أشعيا النبي كما قال قداسة البابا، وهي خريطة طريق لسنة الرحمة: "بإمكاننا في زمن الصلاة والصوم والمحبَّة أن نتأمَّل  في صفحات سفر النبي أشعيا: "أَلَيسَ الصَّومُ الَّذي فَضَّلتُه هو هذا: حَلُّ قُيودِ الشَّرِّ وفَكُّ رُبُطِ النِّير وإِطْلاقُ المَسْحوقينَ أَحْراراً وتَحْطيمُ كُلِّ نير؟ أَلَيسَ هو أَن تَكسِرَ للجائِعِ خُبزَكَ وأَن تُدخِلَ البائسينَ المـَطْرودينَ بَيتَكَ وإذا رَأَيتَ العُرْيانَ أن تَكسُوَه وأَن لا تَتَوارى عن لَحمِكَ؟ حينَئِذٍ يَبزُغُ كالفَجرِ نورُكَ ويَندَبُ جُرحُكَ سَريعاً ويَسيرُ بِرُّكَ أَمامَكَ ومَجدُ الرَّبِّ يَجمعُ شَملَكَ. حينَئِذٍ تَدْعو فيَستَجيبُ الرَّبّ وتَستَغيثُ فيَقول هاءَنَذا. إِن أَزَلتَ مِن أَبْنائِكَ النِّير والإِشارَةَ بِالإِصبَعِ والنُّطقَ بالسُّوء. إِذا تَخَلَّيتَ عن لُقمَتِكَ لِلجائِع وأَشبَعتَ الحَلقَ المُعَذَّب يُشرِقُ نوُركَ في الظُّلمَة ويَكونُ دَيجوُركَ كالظُّهْر ويَهْديكَ الرَّبُّ في كُلِّ حين ويُشبِعُ نَفْسَكَ في الأَرضِ القاحِلَة ويُقَوِّي عِظامَكَ فتَكونُ كَجَنَّةٍ رَيَّا وكيَنْبوعِ مِياهٍ لا تَنضُب" (58، 6-11). (رقم 17)


مبادرات لسنة الرَّحمة
هذا وقد أشرت في رسالتي إلى إخوتي الأساقفة حول رسالة قداسة البابا (بروتوكول 610/2015، دمشق في 28/11/2015)، إلى مبادرات عملية لإحياء سنة الرَّحمة، وهذا بعضها :
1- الحجّ إلى المزارات الشعبيَّة بروح التوبة والإقبال على إصلاح السّيرة.
2- ممارسة أعمال الرحمة الروحيَّة والجسديَّة
3- الاحتفال برتبة توبة جماعيَّة. وقد وضعنا لهذا الغرض صلاة ابتهاليَّة طلبًا للرحمة الإلهيَّة،  كي تُتلى في رتبة التوبة،  على مدار سنة اليوبيل.
4- إرشاد المؤمنين  إلى قبول  سرّ التوبة (الاعتراف)، وقيام  كهنة الرعايا بتهيئة المؤمنين لممارسة هذا السرّ المقدّس، وإعلام المؤمنين  بالأوقات المخصّصة لسماع الاعترافات، أثناء القدّاس الإلهي وغيره من الخدمات الطقسيّة، وخارجًا عنها.
5- وسيمنح قداسة البابا سلطات استثنائيّة  للحلّ من الخطايا الجسيمة المحفوظة للسلطة الكنسيَّة العليا، وذلك للكهنة الذين يختارهم ليكونوا "رسل الرحمة". ولهم أن يتجوَّلوا في جميع الأبرشيَّات والرعايا لخدمة المؤمنين.
6- ودعا الحبر الأعظم إلى القيام "بإرساليّة شعبيَّة" لمدَّة أسبوع في كلّ رعيَّة، وإلى  وضع برنامج خاصّ من الرياضات الرّوحيّة  والمحاضرات والصلوات والتوبة  الجماعيَّة،  حثًّا للمؤمنين على التوبة والعودة إلى الله وإلى القيم الإنجيليَّة المقدَّسة.


الرحمة إزاء اللامبالاة
يعالج البابا  نوعًا  من  إهمال  أعمال الرّحمة، سمّاه "اللامبالاة". وكثيرًا ما تَرِد هذه الكلمة في عظاته ورسائله. فهو يطلب إلى الجميع ان لا يغمضوا عيونهم عن مآسي الناس، لاسيَّما الذين هم فقراء جسديًّا وروحيًّا، والمهمَّشين، والمهمَلين... وقد عالج موضوع اللّامبالاة   في الرّسالة التي نشرها بعنوان  "فرح الإنجيل"  والرسالة  التي أصدرها لمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للسّلام  في مطلع العام الجديد 2016.
"ما أكثر المحن والمآسي في العالم! كم من جراح مبرِّحة في أجساد مَن لا  صوت لهم، لأن صراخهم اضمحل وانطفأ بسبب لامبالاة الشعوب الغنيّة! في هذا اليوبيل ستُدعى الكنيسة أكثر من أي وقت مضى للاعتناء بهذه الجراح ومداواتها ببلسم العزاء وتضميدها بالرحمة ومعالجتها بالتّعاضد والعناية الواجبة.
علينا ألّا ننساق إلى اللامبالاة التي تُذِلُّ الإنسان، ولا إلى العادات الرّتيبة  التي تحُولُ دون اكتشاف ما هو جديد ولا إلى الصّفاقة التي تحطّم مكارم الأخلاق. فلنفتحْ أعيننا كي نرى بؤس العالم، و جراح العديد من الإخوة والأخوات المحرومين من الكرامة. لنشعرْ بأننا مستنفَرون للإصغاء لصرخة النجدة التي يطلقونها. لنمدَّ أيدينا لإسعافهم. لنجذبْهم إلينا كي يشعروا بحرارة حضورنا وصداقتنا وإخائنا. لتصبحْ صرختهم صرختنا، ولنهدمْ معًا حاجز اللّامبالاة التي غالبا ما تُخفي كثيرًا من الخبث والأنانية" (رقم 15)


اللامبالاة نقيض الرحمة
ويتابع البابا موضوع الرَّحمة في رسالته ليوم السلام العالمي وعنوانها "تغلَّبْ على اللّامبالاة واصنع السلام". إنّها دعوة إلى التّوعية  والقيام بالواجب في مكافحة اللّامبلاة.  فالرَّحمة هي في الواقع من أجمل مظاهر التعبير عن المسؤوليَّة تجاه الآخر: الفقير، البيئة، الطبيعة، المجتمع...
من كان قاسي القلب يستعبد الآخرين، ويستغلّ الطبيعة، ويستأثر بالسلطة، وبالحكم... ولا يتعاطف مع المتألّمين... أمَّا الرحيم فيشعر بأنَّه  مسؤول عن الآخر وعن آلامه. كما ورد في وثيقة المجمع الفاتيكانيّ الثانيّ، بعنوان "فرح ورجاء": "إنَّ آمال البشر وأفراحهم  وأحزانهم  ومحنهم في زمننا هذا ، لاسيَّما الفقراء منهم والمعذبين ، لهي أيضًا أفراح تلاميذ المسيح وآمالهم وأحزانهم ومحنهم". (رقم 10)
ثمّ يستعرض البابا بعض مآسي العام 2015 ومنها: الحروب، والأعمال الإرهابيَّة مع تبعاتها المأساويَّة: خطف الأشخاص، والاضطهادات لأسباب إثنية  أو دينيَّة أو سواها، وسوء استعمال السلطة، وقد طبَعَت العامَ الماضي من البداية حتَّى النهاية، و تزايدت بشكلٍ مؤلم في مناطق عديدة من العالم، لدرجة أنَّها اتَّخذتْ شكل ما يمكن أن يسمَّى حربًا عالميَّة ثالثة مجزأَّة". (رقم 2)
أمام هذه الصورة القاتمة، يدعو الأب الأقدس إلى  التمسّك بالرجاء، وبقدرة البشر، بنعمة الله،  على تخطِّي الشَّر، ورفض الاستسلام للقنوط واللاَّمبالاة، فلا نقع في ِ اللّامبلاة، بل نقف موقف المسؤوليَّة  والتضامن المشترك.

الرحمة مسؤوليَّة تضامنيَّة
إن المسؤولية التضامنيّة المشتركة، هي أساس الدعوة الجوهريّة للإخاء والحياة المشتركة، وصيانة كرامة الإنسان والعلاقات بين الأشخاص. إنّها تميّزنا ككائنات بشريّة أرادها الله على صورته ومثاله، كما تملك كرامة لا يجوز التّنازل عنها. ذلك إن وجودنا مرتبط بإخوتنا وأخواتنا الذين نحمل مسؤولية تجاههم، ونتضامن معهم. فإذا تنكّرنا لهذه العلاقة، تخلّينا عن إنسانيّتنا. ولهذا الأمر بالذات تشكِّل اللامبالاة تهديدًا للعائلة البشريّة. وبينما نباشر الدّخول في عام جديد أريد أن أدعو الجميع إلى  التغلّب على اللامبالاة لكسب السلام. (رسالة السلام ٢٠١٦) (مقطع 3)


بعض أشكال اللّامبالاة
ويصف صاحب القداسة بعض أشكال اللاَّمبالاة فيقول: "إن موقف اللامبالاة هو بالتأكيد موقف الإنسان  الذي يُغلق قلبه  عن  بؤس الآخرين، و يُغمض عينيه لكي لا يرى ما يحيط به، أو يتنحّى لكي لا يتأثّر بمشاكل الآخرين". ويشير إلى أنّ اللّامبالاة ليست بجديدة، بل هي منتشرة وحاضرة في كل مرحلة من التاريخ. لكن هذا الأمر قد تخطّى في أيامنا الإطار الفردي ليتَّخذ بعدًا عالميًّا ويُسبِّب ظاهرةَ "عولمة اللامبلات". إن أوّل أشكال اللامبالاة  في المجتمع البشريّ هي اللامبالاة بالله، وعنها  تنجم  اللامبالاة بالقريب والخليقة. إنها إحدى النتائج الخطيرة لأنسنةٍ مزيَّفةٍ ولماديَّةٍ مستشرية، تمتزجان بفكرٍ نسبيٍّ وعَدَمي". (رقم 3)
في حالات أخرى تظهر اللامبالاة  في قلّة الاهتمامٍ بالواقع الذي يُحيط بنا، لا سيّما إذا كان بعيدًا. فيُفضِّل بعضُ الأشخاص  أن يتجنّبوا البحث والاطّلاع   ليعيشوا في رفاه وراحة، ويصمّوا آذانهم عن صرخةِ ألمِ البشريَّة المـُعذَّبة.  نكاد لا نتنبّه أنّنا أصبحنا غير قادرين على الشعور بالرأفة تجاه الآخرين ومآسيهم، ولا يهمُّنا الاعتناءُ بهم،  كما لو كان ذلك أمرًا غريبًا ليس من شأننا. "عندما نكون نحن بخير وعندما نشعر بالراحة، ننسى، بكلِّ تأكيد، الآخرين. (وهذا ما لا يفعله الله الآب أبدًا). لا نهتمّ لمشاكلهم، ولا لآلامهم ولا للمظالم الّتي يتحمّلونها... عندها يقع قلبنا في اللامبالاة: عندما أكون بخير وراحةٍ نسبيّا، أنسى أمر الّذين ليسوا بخير". (رقم 3)،
ويؤكّد البابا أنَّ السلام أصبح في خطر من جرّاء اللّامبالاة العالميّة. "إن اللامبالاة  بالآخر وكرامتِهِ وحقوقهِ الأساسيّة وحريَّتهِ، إذا اقترَنَت بثقافةٍ مطبوعةٍ على الربح واللذّة، وشملت الصعيد المؤسّساتي، فإنّها تُعزِّز وتُبرِّر تصرّفاتٍ وسياساتٍ تؤدّي في نهاية  المطاف إلى تهديد السلام.  وموقف اللامبالاة هذا بإمكانه أيضًا أن يقود إلى تبرير بعض السياسات الاقتصاديّة الدّنيئة، التي تُفْضي إلى الظلم والخلافات والعنف، في سبيل تحقيق الرفاهية الخاصة أو رفاهية الأمَّة". (رقم 4)


الرحمة في قلب الله
أمام استشراء اللاَّمبالاة  يدعو البابا إلى الرَّحمة وإلى ارتداد القلب. "فالرَّحمة هي قلب الله، ويجب أن تصل إلى قلب كلِّ إنسان. الله يرى، ويسمع، ويعلم، وينقذ. الله ليس غير مبالٍ، إنَّه متنَّبِّه ويعمل. يسوع لامس الأشخاص، وحدَّثهم، وعمل لصالحهم، وصنع الخير للمحتاج، وسمح لنفسه أيضًا أن يتأثر ويبكي" (يو 11: 1-57)، ويعطي صاحب القداسة أمثلة يدعو فيها النّاس أن "يتعلموا كيف يتوقّفون أمام آلام هذا العالم لتخفيفها، وأمام جراح الآخرين لتضميدها بالوسائل المتاحة، بدءًا من تخصيص الوقت الكافي لهذا الواجب، على الرغم من الانشغالات الكثيرة. وغالبا ما تلتمس اللّامبالاة  الأعذار: احترام المراسم الطقسيّة، كثرة الأمور الواجب فعلها، العداءات التي تبعد بعضنا عن بعض،  وشتّى الذّرائع  التي تمنعنا من مؤازرة الآخرين".  (رقم 5)

الرحمة قلب الكنيسة
ويدعو البابا الكنيسة، لا سيَّما  رعاتها، إلى ممارسة الرحمة قائلا:
"الرُّكن الحقيقيّ الأوّل الذي تقوم عليه الكنيسة هو محبة المسيح. لذا تجعل الكنيسة من نفسها خادمة ووسيطة لهذه المحبة التي تصل إلى حد المغفرة وبذل الذات.  فحيث توجد الكنيسة يجب أن تتجلّى رحمة الآب بوضوح. لا بد أن يجد كلّ  شخص واحة من الرحمة في رعايانا، وجماعاتنا وجمعياتنا وحركاتنا، وحيثما كُنّا. فنحن أيضًا مدعوون  لأن نجعل من المحبة والرأفة والرحمة والتعاضد برنامج حياة حقّا، ونمط تصرّف في علاقاتنا المتبادلة. هذا يتطلب ارتداد القلب، وبه تُحوِّل نعمةُ الله قلبَنا الحجريَّ إلى قلبٍ من لحم ( حزقيال ۳٦، ۲٦)، قادر على الانفتاح على الآخرين بتعاضد أصيل.  (رقم 5)


شعار سنة الرحمة
الرسم الذي صدّرنا به رسالة الصّيام هذه، هو شعار سنة الرَّحمة، وهو في حدّ ذاته رسالة بما يحمل من معانٍ، ورموز، كما أنه موجز لمفاهيم سنة الرَّحمة.
في هذا الرَّسم نجد يسوع الإله الرَّحيم المحبّ البشر يحمل على كتفيه الإنسان التائه، الجريح، المريض... ونجد في طقسنا الشّرقيّ إشارة جميلة إلى ذلك، في "الأوموفوريون"  وهي قطعة من حُلَّة المطران تغطّي كتفيه  وتتدلّى إلى صدره. ويقول المطران عند ارتدائها: "أيها المسيح لقد حملتَ الطبيعة الضالَّة على كتفيك. ولما صعدت قدَّمتها للآب". كما نقول في المجدلة الكبرى مخاطبين السيّد المسيح :"يا حامل خطايا العالم، ارحمنا".
ذلك ما نجده أضًا في مثَل الرّاعي الصالح الّذي ضربه يسوع (يوحنا10: 11)، وفي مثل السامريّ الحنون (يوحنا 10: 25-37). أمّا الرمز الأكثر عمقًا  في الرَّسم فهو أنَّ الوجهين متقاربان، يشدُّهما شعورٌ قويّ بالحنان، والرحمة، والمحبَّة. ويُلاحَظ أنَّ هناك ثلاث عيون، لا أربع:  عين يسوع وعين الإنسان، ثم عين مشتركة واحدة تجمع بين يسوع الإله الإنسان، وآدم أي كل إنسان... فيسوع ينظر بعين آدم ابن الانسان وآدم الإنسان ينظر بعين يسوع.


الرحمة مسيرة الصوم الكبير
تلك هي الرؤية المسيحيَّة،  تجمع بين الله والإنسان، وبين الإنسان وأخيه الإنسان! هذا هو إيماننا المسيحي، وهذا هو معنى سر التجسُّد الإلهيّ، حيث تتحقق المقولة اللاهوتيَّة الشهيرة: "لقد أصبح الله إنسانًا لكي تصبح أنتَ الإنسان إلهًا". الله ينظر بعين الإنسان لكي تتحوَّل نظرة الإنسان، فتصبح  كنظرة الله إلى الإنسان.
ذلك هو مختصر مسيرة الصَّوم الأربعيني الكبير المبارك.  إنَّها مسيرة على درب الصليب والآلام، والمعاناة، والتّضامن، والرحمة، والحنان، وصولًا إلى نشوة انتصار القيامة.
بل هذا مختصر لمسيرة البشر على هذه الأرض: أن يتراحموا، ويتحابّوا، ويتلاقوا، ويتعاونوا... كما قال بولس الرسول: "أُبكوا مع الباكين، وافرحوا مع الفرحين" (روما 12: 15) وقال أيضًا في هذا الصّدد:  إنَّنا جسدٌ واحد! إذا تألَّم عضو فيه، تألَّم معه سائر الأعضاء، وإذا فرح عضوٌ فرحت معه سائر الأعضاء، وهكذا تتداعى الأعضاء لمساعدة العضو المتألم. (1 كورنثس: 26-27).


ختام! صوم مبارك!
ختامًا، نهنئ إخوتنا أصحاب السيادة المطارنة الأحبَّاء، والرؤساء العامين والرئيسات العامَّات المحترمين، وجميع أبنائنا  بمسيرة الصوم المبارك.
إنّ الصوم وقت مقبول. إنَّه وقت خلاص. إنّه حقًا مدرسة الرَّحمة والمسؤوليَّة، مدرسة الفضائل المسيحيَّة السّامية. هذا ما تدعونا إليه صلواتنا الطقسيَّة في مسيرة الصوم النافعة للنفس، وهي في عرف الآباء القديسين، "ربيع النفس". فلنسمع  ما تقوله أمنا الكنيسة،  بلسان آبائنا القديسين:
"لِنَبتَدِئْ بالإمساكِ الكاملِ الإكرامِ مسرورين، متلألئينَ بأشعَّةِ أوامِر المسيحِ إلهِنا المقدَّسّة، وبِضياءِ المحبَّة السَّاطع، وسناء الصَّلاة،  ونقاوة العَفاف، وقوَّةِ الشجاعة،  لكي نَبْلُغَ مُضيِئينَ بنوُرِ عدمِ الفساد. إلى قيامةِ المسيحِ المقدَّسة. الثُّلاثيَّةِ الأيَّامِ المبهجة المسكونة" (مختارات طقسية ص61)

مع محبَّتي وبَرَكَتي
+ غريغوريوس الثَّالث

بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندريَّة وأورشليم
للرُّوم الملكيّين الكاثوليك