العراق
28 أيلول 2022, 09:30

ساكو: لتكريس شهر الورديّة للصّلاة من أجل السّلام في العالم

تيلي لوميار/ نورسات
وجّه بطريرك الكلدان مار لويس روفائيل ساكو دعوة، عشيّة بداية شهر الورديّة، إلى تلاوة صلاة الورديّة من أجل السّلام في العالم.

وفي دعوته، كتب ساكو بحسب إعلام البطريركيّة: "لنكرّس شهر الورديّة لشهر تشرين الأوّل هذا العام، للصّلاة في جميع كنائسنا وبيوتنا، من أجل السّلام في العالم، خصوصًا أنّ الأوضاع الحاليّة مقلقة، وفضاعات الحروب مرعبة، ولا  نعرف ماذا سيكون الغد!

من خلال قراءتي للنّصوص المريميّة في تراث كنيستنا الكلدانيّة، وقبلها الطّقوس اللّيتورجيّة، ودراستي لها  بتمعّن وتأمّل، وجدت أنّ بعض العبارات غير مقبولة، والأوصاف غير موفّقة، والمبالغات مشوّهة. مريم إنسانة واقعيّة رائعة، وليست أسطورة! إنّها عاشت خبرة إيمانيّة عالية وروحانيّة أصيلة، إذ حملت المسيح واتّحدت به اتّحادًا وثيقًا، وهي بالتّالي صورة لكلّ مؤمن للاتّحاد بالمسيح وحمله إلى الآخرين.  

يتحتّم علينا أن نميّز بفطنة بين التّكريم والسّجود. التّكريم هو للطّوباويّة مريم (والقدّيسين) بصفتها أمّ المسيح، أمّا السّجود فهو لله الثّالوث وحده.  

مريم علامة تحفّزنا لأن نرى شيئًا له معنى في حياتنا. لمريم دور محترم في ليتورجيا الكنيسة، لكن أحيانًا لا ننتبه إلى استقامة العقيدة، أيّ ما يقتضيه الإيمان وما نعبّر به عن تكريمنا  بنضج لاهوتيّ وقوّة روحيّة.

لا ينبغي أن  تقتصر صورة مريم على جانب واحد، إنّما يجب أن تشمل كلّ مميّزات حياتها: أمومتها متعلّقة دومًا بالمسيح، وبتوليّتها الّتي تندرج في العقيدة الإيمانيّة، نموذج  للبتوليّة المكرّسة في  الكنيسة.

طاعتها وثباتها وتحمّلها للصّعوبات (الهرب إلى مصر وصلب ابنها) والانتقادات، تقودنا إلى اتّباع نداءات الله الّذي يقودنا.

إهتمامها بالآخرين كما فعلت بزيارتها لنسيبتها أليصابات (لوقا1/39-45) و في أزمة عرس قانا (يوحنّا 2/ 1-13)، دعوة لنا لنهتمّ بإخوتنا لاسيّما المحتاجين معنويًّا ومادّيًّا.

حضورها مع الرّسل (الكنيسة) خصوصًا في العنصرة (يوم حلول الرّوح القدس) نداء لنا لكي نلتفّ حول الكنيسة ونلعب دورنا كأبناء فيها.

مريم كانت ولا تزال قناة للحضور الإلهيّ، لها مغزى روحيّ للكنيسة ولكلّ واحد منّا، في مقدورها أن تساعدنا على كيف نؤمن، وكيف نعيش إيماننا في زماننا..

الإستغاثة بمريم اكتسبت قوّة من خلال اللّيتورجيا والأعياد المخصّصة لها. لذلك  نحتاج إلى أن نحرّر أنفسنا من كلّ ما يمنعنا من المشاركة الحيويّة في اللّيتورجيا.

من الأهمّيّة بمكان أن يكون لنا قدرًا من الصّمت والإصغاء حتّى تدخل الكلمات إلى أعماق روحنا، فتصبح حضورًا لله الّذي نحتفل به، وحضورًا لمريم الّتي نكرّمها، حينها نشعر بدفء الكلمات وهمسها: "فكانت تحفظ جميع هذا الكلام وتتأمّل به في قلبها". (لوقا 2/19).

نحن بحاجة إلى قوّة الصّمت لاكتشاف الحضور الإلهيّ في هذه النّصوص الطّقسيّة من خلال الإصغاء إلى  كلمات الكتاب المقدّس، والتّمتّع بالألحان الشّجيّة، والاستفادة من الوعظ، والاستجابة لها بالصّلاة والاهتداء والعمل. هذا الاستقبال لكلمة الله بشوق وخشوع على مثال مريم، سيجعلنا نلاحظها على وجه المصغي والمصلّي الحقيقيّ.

طقوسنا الشّرقيّة تحتاج إلى لحظات صمت للتّأمّل الشّخصيّ، هذا ما قرّرنا تطبيقه في تجديد طقوسنا، إذ وضعنا لحظات صمت بعد قراءة الإنجيل، ورتبة التّوبة والمناولة..

في اللّيتورجيا يجب أن تُلفظ الكلمات بيقظة  ووضوح (إنّنا نقرأ لأنفسنا وللآخرين)، وكأنّنا في غمار الرّوح، لأنّ اللّيتورجيا هي قبل كلّ شيء ليتورجيا الأحياء، وشهادة إيمان الجماعة الكنسيّة، وليست طقوسًا رتيبة ومملّة..

اللّيتورجيا هي سرُّ العهد، أيّ مكان الحضور الإلهيّ، وكأنّنا أمام العلّيقة المشتعلة (خروج 3/ 1-4)، بكياننا الحميميّ الكامل، أيّ في وحدة الجسد والرّوح والمشاعر.

إنّ الإيمان مرتبط بالحياة. الإيمان رؤية صوفيّة تتعلّق بمفاهيم روحيّة أساسيّة تتجدّد باستمرار وليس بالضّرورة أن يتغيّر جوهرها.. هذا الإيمان العامل في الحياة هو أساس اللّيتورجيا المسيحيّة الّتي ترقى إلى القرون الأولى وتستمرّ  متجدّدة إلى يومنا..  

ما نحتاجه هو كيف يمكن العبور بإيماننا إلى عالمنا اليوم، وثقافتنا. ما آمن به آباؤنا وتأمّلوه وصلوه وعاشوه  ينبغي أن نعيه، ونترجمه إلى ثقافتنا الحاليّة، لنعيش بيقين معنى وجودنا، وحتّى لا يكون عالمنا أقلّ إيمانًا من السّابق… هذا ما تهدف إليه الكنيسة الكاثوليكيّة في عمليّة تأوين تعليمها وليتورجيّتها ونظمها. وأعتقد أنّ الغاية من دعوة البابا فرنسيس الكنيسة إلى السّينوداليّة عام 2023 تهدف إلى ذلك.

لمريم مكانة كبيرة في الكنيسة ولدى المؤمنين، فهي ليست أم المسيح المخلّص فحسب، بل هي أمّ الكنيسة وأمّنا "هذا ابنك، وهذه أمّك" (يوحنّا 19/26-27).

مثالها وكلماتها القليلة ينبغي أن تمسّ قلبنا وحياتنا اليوم، كما مست قلوب المسيحيّين في الماضي. هذه الكلمات إشارات واقعيّة مؤثّرة.  

إنّ تكريم آباء الكنيسة لمريم بإشعارهم وشروحاتهم، والتّراتيل الّتي ننشدها في طقوسنا والابتهالات الّتي نصلّيها صباحًا ومساءً طلبًا للحماية والسّلامة والشّفاعة تؤكّد على أهمّيّة دورها في تاريخ الخلاص.

مريم سيّدة من نوع فريد. إنّها تخاطب الملاك بغية أن تفهم البلاغ وتأخذ القرار: "ها أنا خادمة الرّبّ، ليكن لي كما قلت" (لوقا 1/38). هل نحن أيضًا نفعل ذلك؟ هل نتساءل عن مبادئء إيماننا لنفهمها كما يجب، هل نسعى للمشاركة في طقوسنا بفرح وحماسة؟

لمريم إيمان واعٍ وراسخ، وروحيّة عميقة، وإرادة قويّة ممّا ساعدها على أن تربّي يسوع في أسرة مؤمنة ومتناغمة.

الصّلوات المريميّة وأسرار ورديّتها هي إشارات- فلاشات لتقوية إيماننا وعلاقتنا بالله وبمريم وترسيخ العلاقات بين أفراد أسرتنا ومع الآخرين، والمشاركة بكثير من الحنان والمحبّة والاهتمام، والشّهادة على الحضور الإلهيّ فينا وبيننا.

"يا مريم اُمَّ يسوعَ الملك، ابتهلي معنا إلى إبنكِ، ليُحِلَّ السّلامَ في العالم ويحفظَ البيعةَ من الأشرار" (ترتيلة مساء الأربعاء من الطّقس الكلدانيّ)."