ساكو: مسيحيّو العراق بعد الانتخابات إلى أين؟
وكتب ساكو بحسب موقع البطريركيّة:
"إذ أهنّيء جميع الفائزين في الدّورة السّادسة من الانتخابات النّيابيّة، أتمنّى لهم التّوفيق في مسؤوليّاتهم الوطنيّة والأخلاقيّة. كما آمل أن يتعاونوا مع جميع المؤسّسات العراقيّة السّياسيّة والمدنيّة والثّقافيّة، ويهتدوا إلى مسارٍ مؤكّد يقود إلى إرادة وطنيّة توحّد العراقيّين، وتُزيل الجدارات الّتي تقسّمهم، ويختاروا بسرعة حكومة ترسم سياسة جديدة صحيحة لبناء دولة مدنيّة واضحة المعالم، تُرسي العدالة والمساواة، وتجمع الكلّ في فسيفساء إثنيَّة ودينيَّة، وتحتضنهم وتخدمهم، بعد سنوات عجاف!
العراقيّون المسيحيّون
لقد تعرّض العراقيّون المسيحيّون بالرّغم من تاريخهم الحضاريّ والقيَم الإنسانيّة، لحالات خطف وقتل وإقصاء وتهميش وتهجير جماعيّ من بلداتهم، ما دفع ثلثَهم للهجرة إلى الخارج بحثًا عن ظروفٍ أفضل. وجودهم لا يزال مهدّدًا إذا استمرّ الإقصاء، وعدم إهتمام الحكومة بإنصافهم، ومعاملتهم كمواطنين إسوةً ببقيّة العراقيّين "بالأفعال" وليس بالكلام الطّيّب!
من هذا المنطلق المصيريّ، وفي ظلّ الظّروف الدّاخليّة والتّحوّلات الإقليميّة غير المستقرّة، على العراقيّين المسيحيّين، خصوصًا الأحزاب المستقلّة، والمرجعيّات الكنسيّة العمل على بقاء المسيحيّين على أرضهم، والمحافظة على حقوقهم وحضارتهم ولغتهم، وتواصلهم المتناغم مع شركائهم في الوطن. الشّراكة تُعيد الثّقة، وبقاؤهم يَضمن استمرار التّنوّع والتّعدّديّة.
في هذا الشّأن ينبغي على المسيحيّين الخروج من العواطف والوهم، بعد دورات الانتخابات المتعاقبة، للعمل معًا كفريق واحد.
وأورد النّقاط الآتية كشاهد للتّاريخ:
1. تأسيس مجلس مستقلّ، يكون بمثابة مرجعيّة سياسيّة للمكوّن المسيحيّ، يُعبّر عن صوتِهم. يتولّى مهام توحيد المفاهيم والمواقف، ومراجعة الجهات الحكوميّة المختصّة للمطالبة بحقوقهم الأساسيّة، مع التّأكيد على الثّوابت المشتركة والتّصدّي لأيّ تعصّب وتطرّف. يتشكّل هذا المجلس من أحزاب كلدانيّة وأشوريّة وسريانيّة وآخرين، ونوّاب مستقلّين شرفاء وأمناء، ونشطاء وخبراء واستشاريّين من الدّاخل والخارج، من دون إقحام رجال الكنيسة فيه.
2. ضرورة تحقيق تمثيل سياسيّ عادل للمسيحيّين،من خلال المطالبة بتعديل قانون الانتخابات، وحماية الكوتا وحصر التّصويت بهم، لمنع الأحزاب المتنفّذة والميليشيات من الاستيلاء عليها من أجل توسيع نفوذها. كيف يمثّل المسيحيّين من لم يصوّتوا له ويثقوا به؟
3. العمل من أجل تغيير بعض القوانين الجائرة، وخاصّة قانون الأحوال الشّخصيّة عام 2024، وسنّ قانون يضمن حقوقهم: حقوق الزّوجة والأطفال ما يضمن استقرار العائلة والأمن الاجتماعيّ، ورفع أيّة عبارات تسيء إلى المكوّنات في مناهج التّعليم. هذا ما تطالب به شرائح متنوّعة من المجتمع المدنيّ، وسيلعب دورًا هامًّا في تطوير الشّأن العراقيّ.
4. توحيد إدارة بلدات سهل نينوى، المطالبة بإخراج الميليشيات من بلدات سهل نينوى كما حصل في قره قوش/ الحمدانيّة ليشمل أيضًا بلدات تلكيف وبطنايا، وتسليم الملفّ الأمنيّ إلى حراسات من البلدات ذاتها، بعد تدريبها من خلال تنظيم دورات خاصّة. إداريًّا تعيين الموظّفين من أبناء البلدات، بعيدًا عن دائرة الصّراعات الحزبيّة والإقليميّة، وتمكينهم من إدارة شؤونهم بأنفسهم ضمن إطار وطنيّ مستقرّ بحيث تكون بلدات سهل نينوى واحة نموذجيّة للعيش المشترك والتّنوّّع الوطنيّ والتّعاون الأخويّ.
5. المحافظة على التّسميات التّاريخيّة الحضاريّة، الكلدان والاشوريّون والسّريان.أيّة تسمية جديدة يجب أن يتّفق عليها الجميع، ولا يجوز ترويج تسمية من طرف واحد تجعل الأطراف الأخرى تبعيّة!فالشّعوب لا تنقرض بسبب الحروب وتغيير الأنظمة.التّسمية تشكّل هويّتنا القوميّة وتعبّر عن صِلاتنا الأخويّة واستمرار تنوّعنا وتاريخنا وتُنمّي جذورنا. من غير المنطقيّ تذويبها بتسمية مركّبة مستهجنة تحجب تنوّعنا وتاريخنا! كما أنّ الخلط بين الهويّة الدّينيّة والهويّة القوميّة التّاريخيّة خطأ كبير. جمال الوحدة هو في التّنوّع. كنّا كنيسة واحدة جامعة تضم شعوبًا وأقوامًا متنوّعة من بلاد ما بين النّهرين وبلاد فارس والجزيرة العربيّة والهند والصّين، واليوم نحن عدّة كنائس.
6. الجامع الرّئيس الّذي يجب أن يَجمعنا ويوحّدنا هو إيمانُنا الّذي يجعلنا جميعًا إخوة وأخوات، وكذلك حقوقُنا ومستقبلُنا، وهو ما يجب أن يُعزّز وحدتنا وعملنا الجماعيّ، ويرجع بالنّفع على بلدنا. العراق أرض التّاريخ، وكنيستُنا الّتي تعود جذورها إلى فجر المسيحيّة هي رائدة في الرّسالة، وأعطت العديد من الشّهداء، فهي تحمل في جسدها الآم المسيح وقوّة قيامته. إنّ التزمنا بهذه الرّوحيّة، ستؤثّر إيجابًا على التّعاون والتّفاهم ومواجهة العراقيل بالرّجاء."
