دينيّة
02 أيار 2024, 13:00

سلامٌ ورجاء نستمدّه من ملك السلام ونبع الرجاء

تيلي لوميار/ نورسات
بقلم الأب انطونيوس مقار ابراهيم راعي الأقباط الكاثوليك في لبنان

 

"معًا نصلّي في هذا الأسبوع المقدّس صلوات البصخة أي صلوات العبور والتحرير. نصلّيها وقلوبنا مملوءة بالرجاء الذي نطلبه من الله في كلّ مرة نتلو فيها قانون الإيمان، نترجّى قيامة الموتى وحياة الدهر الآتي.

يدفعنا هذا الرجاء إلى الإلحاح والطلب من إله الرجاء والسلام أن يمنّ بسلامه على حياتنا وبيوتنا وأوطاننا ولا سيّما إنّنا نشاهد الدول والأفراد يتقاتلون ويتصارعون ويدمّرون بعضهم بعضًا، لماذا؟ لأنّهم فقدوا الرجاء أي فضّلوا السلوك في الظلمة بدل السير في النور مع أنّ دعوة الربّ واضحة وصريحة "سيروا في النور ما دام لكم النور"، كونوا أبناء سلام، أبناء رجاء.

ننتظر زمن القيامة لننتقل إلى ما نرجوه ونتمنّاه وهو الخروج من حال الحزن، واليأس القاتل والظلمة الدامسة إلى حال الفرح والعيش برجاء وتسليم كليّ لمحبّة الله وحنانه.

نرى في ليتورجيا هذا الأسبوع المقدّس يسوع المسيح وهو يشير بصورة واضحة إلى ما كان ينتظره في الأسبوع الأخير من حياته الأرضيّة، فهو تكلّم مرّات عدّة أمام تلاميذه عن آلامه وصلبه وقيامته: "وبدأ يسوع في ذلك الحين يُظهر لتلاميذه أن يجب عليه أن يذهب إلى أورشليم ويعاني آلامًا شديدة من الشيوخ وعظماء الكهنة والكتبة ويُقتل ويقوم في اليوم الثالث" (مت 16/20). نعم، كان يسوع يعي وعيًا كاملًا أنّ ساعة آلامه وموته قد أتت وهو قبِلها بكامل حريّته وقال : "يا أبتاه، لتكن مشيئتك لا مشيئتي" (لو 22/42).

لذا تدعونا الكنيسة دائمًا إلى أن نرفع عيوننا نحو الصليب المقدّس حيث يسوع مُعلّق وننظرَ إليه نظرة إيمان وحبّ ورجاء: "سينظرون إلى من طعنوا" (يو 19/37)، ونحن نتذكّر ما قاله يوحنّا المعمدان : "هذا هو حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم"(يو1/29).

نعم، نحن نؤمن بأنّ يسوع، بموته على الصليب، غفر خطايانا ومنحنا نعمة الخلاص والحياة الأبديّة، وصار موته شهادة حيّة ملموسة على محبّته غير المتناهية.

نؤمن أنّه دعانا من البداية إلى أن نتوب ونعود إليه بقلب منسحق وخاشع نادمين على خطايانا: "توبوا قد اقترب ملكوت السماوات" (مت 4/17).  

تأمُّلُنا في عمل المسيح الخلاصيّ والفدائيّ منذ تجسّده حتّى موته على الصليب، يخلق فينا الشوق إلى التوبة وعيش المشورات الإنجيليّة والفضائل الإيمانيّة حسب تعاليم الإنجيل الخلاصيّة. فمن دون التوبة الحقيقيّة النابعة من القلب، لا ينفعنا هذا العمل شيئًا، لأنّ المسيح مات من أجلنا لكي نحيا حياة جديدة، حياة النعمة، قبوله في حياتنا "إنّ الذين قبلوه أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أبناء الله" (يو 2).  

في الحقيقة نؤمن إيمانًا ثابتًا غير متزعزعٍ بأنّ يسوع المسيح حقًّا قام من بين الأموات وهو بكر الراقدين. وهبَنا بقيامته رجاءً حيًّا: "إنّ كلّ من رأى الابن، وآمن به كانت له الحياة الأبديّة، وأنا أقيمه في اليوم الأخير" (يو6/40).  

إنّ يسوع بقيامته من بين الأموات يريد أن يقول لنا بأنّ الموت ليس آخر المطاف في حياتنا والقبر ليس آخر مكان نوضع فيه، لأنّ الله الذي هو محبّة خلقنا لكي نعيش معه حياةً أبديّة ملؤها السعادة والسلام الدائمين.

لنصلّي متّحدين طالبين نعمة الروح القدس لكي تظهر في حياتنا الزمنيّة علاماتُ القيامة والحياة الجديدة ويؤهّلنا لكي نموت موتًا يتمجّد به يسوع ربُّنا وإلهنا.

نصلّي من أجل صعوبة الحياة ولأجل كلّ ما نقاسيه، من أجل الناس البعيدين، وذوي القلوب المتحجّرة والمليئة بالأشواك والعقول التي غابت عن الوعي وتاهت في طريق خارج الطريق الإلهيّ، والنفوس الضالّة والمتخاصمة. نصلّي من أجل السلام في البلدان كلّها، ولاسيما في شرقنا والأراضي المقدّسة وغيرها من البلدان المتحاربة، حتّى يحلّ ملك السلام بسلامه وليكملَ لنا هذه الأيّام المقدّسة والعظيمة بفرحٍ وطمأنينة قلب.

"يسوع المسيح إلهُنا الحقيقيّ الذي قبِل الآلام بإرادته وصلب على خشبة العار من أجلنا، يباركنا بكلّ بركة روحيّة ويعيننا ويُكمل لنا البصخة المقدّسة ويُرينا فرح قيامته"."