الفاتيكان
26 نيسان 2023, 12:30

صدور رسالة البابا فرنسيس لليوم العالميّ للصّلاة من أجل الدّعوات

تيلي لوميار/ نورسات
"الدّعوة: نعمة ورسالة" هو عنوان رسالة البابا فرنسيس لليوم العالميّ للصّلاة من أجل الدّعوات 2023، والّتي صدرت ظهر اليوم.

وفي هذه الرّسالة كتب البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "إنّها المرّة السّتّون الّتي نحتفل فيها باليوم العالميّ للصّلاة من أجل الدّعوات، الّذي أنشأه البابا القدّيس بولس السّادس سنة ١٩٦٤، خلال المجمع المسكونيّ الفاتيكانيّ الثّاني. تريد هذه المبادرة الّتي أرادتها العناية الإلهيّة أن تساعد أعضاء شعب الله، أفرادًا وجماعات، لكي يجيبوا على الدّعوة والرّسالة الّتي يوكلها الرّبّ لكلّ واحد في عالم اليوم، بجراحه وآماله وتحدّياته وإنجازاته. أقترح عليكم هذه السّنة أن نتأمّل ونصلّي يقدنا موضوع: "الدعوة: نعمة ورسالة". إنّها فرصة ثمينة لكي نكتشف مجدّدًا بدهشة أنّ دعوة الله هي نعمة، وهي عطيّة مجّانيّة، وفي الوقت عينه هي التزام لكي نذهب ونخرج لنحمل الإنجيل. نحن مدعوُوّن إلى الإيمان الّذي يشهد، ويوثِّق بقوّة الرّباط بين حياة النّعمة، من خلال الأسرار والشّركة الكنسيّة، وبين الرّسالة في العالم. إذ يحرّكه الرّوح القدس، يسمح المسيحيّ بأن تسائله الضّواحي الوجوديّة، وهو حسّاس إزاء المآسي البشريّة، ويعي دائمًا أنّ الرّسالة هي عمل الله، ولا يمكننا أن نحقّقها بمفردنا، وإنّما في الشّركة الكنسيّة، مع الإخوة والأخوات، تحت إرشاد الرّعاة. لأنّه هذا هو حلم الله دائمًا وأبدًا: أن نعيش معه في شركة المحبّة.

يُشرِّع بولس الرّسول أمامنا أفقًا عجيبًا. قال: في المسيح، اختارَنا الله الآب "قَبلَ إِنشاءِ العالَم لِنَكونَ في نَظَرِه قِدِّيسينَ بِلا عَيبٍ في المَحبَّة وقَدَّرَ لَنا مُنذُ القِدَم أَن يَتَبنَّانا بِيَسوعَ المسيح على ما ارتَضَته مَشيئَتُه". إنّها كلمات تسمح لنا بأن نرى الحياةَ بمعناها الكامل: لقد خلقنا الله على صورته ومثاله ويريدنا أن نكون أبناءه: نحن قد خُلقنا من الحبّ، وبحبّ، وخُلقنا لكي نُحبّ. وخلال حياتنا، تبلغنا هذه الدّعوة، المطبوعة في نسيج كياننا، والّتي تحمل سرّ السّعادة، بواسطة عمل الرّوح القدس، بطريقة جديدة على الدّوام، وتنير عقلنا، وتفيض القوّة في إرادتنا، وتملؤنا بالدّهشة وتُضرم قلبنا. وأحيانًا تتفجّر فينا بشكل غير متوقّع. هكذا كان الأمر بالنّسبة لي في ٢١ أيلول/ سبتمبر ١٩٥٣ عندما كنت في طريقي إلى حفلة الطّلّاب السّنويّة، شعرت برغبة في أن أدخل الكنيسة وأعترف. وذلك اليوم غيّر حياتي وأعطاها بصمة لا تزال مستمرّة حتّى اليوم. لكن الدّعوة الإلهيّة لبذل الذّات تتكوّن فينا شيئًا فشيئًا من خلال مسيرة: في لقاء بحالة فقر، أو في لحظة صلاة، أو بفضل شهادة صادقة للإنجيل، أو في قراءة تفتح ذهننا، عندما نصغي إلى كلمة الله ونشعر أنّها موجّهة لنا، أو في نصيحة أخ أو أخت ترافقنا، أو في زمن المرض أو الحزن... إنّ مخيّلة الله الّذي يدعونا لامتناهية. ومبادرته وعطيّته المجّانيّة تنتظران جوابنا. الدّعوة هي "الحبكة بين الخيار الإلهيّ والحرّيّة البشريّة"، علاقة ديناميكيّة ومحفِّزة، يتحاور فيها الله مع القلب البشريّ. وهكذا فإنّ عطيّة الدّعوة هي كبذرة إلهيّة تنمو في تربة حياتنا، وتفتحنا على الله وعلى الآخرين لكي نتشارك معهم الكنز الّذي وجدناه. هذه هي الهيكليّة الأساسيّة لما نُسمّيه دعوة: الله يدعو بالحبّ ونحن، بامتنان، نجيب بالحبّ. فنكتشف أنّنا أبناء وبنات محبوبون من الآب عينه، ونعترف أنّنا إخوة وأخوات فيما بيننا. عندما رأت القدّيسة تريزا الطّفل يسوع أخيرًا هذه الحقيقة بوضوح، هتفت: "لقد وجدت أخيرًا دعوتي! دعوتي هي الحبّ! نعم، لقد وجدت مكاني في الكنيسة […]. في قلب الكنيسة، أمّي، سوف أكون الحبّ".

إنَّ دعوة الله، كما قلنا، تتضمّن الإرسال. لا توجد دعوة بدون رسالة. ولا توجد سعادة وتحقيق كامل للذّات بدون أن نقدّم للآخرين الحياة الجديدة الّتي وجدناها. إنَّ الدّعوة الإلهيّة إلى الحبّ هي خبرة لا يمكننا أن نسكت عنها. قال القدّيس بولس: "الوَيلُ لي إِن لم أُبَشِّر!". وهكذا تبدأ رسالة يوحنّا الأولى: "ذاك الَّذي سَمِعناه ذاك الَّذي رَأَيناهُ بِعَينَينا ذاكَ الَّذي تَأَمَّلناه ولَمَسَتْه يَدانا– أيّ الكلمة الّذي صار جسدًا- نُبَشِّرُكم بِه أَنتم أَيضًا... لِيَكونَ فَرَحُنا تامًّا". لخمس سنوات خلت هكذا توجّهتُ في الإرشاد الرّسولي، "اِفَرحوا وابتَهِجوا"، إلى كلّ معمّد ومعمّدة: "أنتَ أيضًا تحتاج لأن تفهم حياتك بكاملها كرسالة". نعم، لأنّ كلّ واحد منّا، بدون أن نستثني أحد، يمكنه أن يقول: "أنا رسالة على هذه الأرض، ولهذا أنا موجود في هذا العالم". إنَّ الرّسالة المشتركة لنا جميعًا نحن المسيحيّين هي أن نشهد بفرح، وفي جميع الحالات، بالمواقف والكلمات، لِمَا نختبره بكوننا مع يسوع وفي جماعته الّتي هي الكنيسة. وهذا الأمر يُترجَم بأعمال الرّحمة الجسديّة والرّوحيّة، بأسلوبِ حياة مضياف ووديع، وقادر على القُرب والرّحمة والحنان، ويسير بعكس التّيّار بالنّسبة لثقافة الإقصاء واللّامبالاة. إنّ الاقتراب من الآخرين، على مثال السّامريّ الصّالح، يسمح لنا بأن نفهم "نواة" الدّعوة المسيحيّة: الاقتداء بيسوع المسيح الّذي جاء ليَخدُم وليس ليُخدَم. إنّ هذا العمل الإرساليّ لا يولد ببساطة من قدراتنا أو نوايانا أو مشاريعنا، ولا من إرادتنا ولا حتّى من جهدنا في ممارسة الفضائل، وإنّما من خبرة عميقة مع يسوع. عندئذٍ فقط يمكننا أن نصير شهودًا لشخص ما، ولحياة، وهذا الأمر يجعلنا "رُسُلًا". وحينئذ نعترف بأنّنا قد وسمنا بنار هذه الرّسالة لكي ننير ونبارك وننعش ونرفع ونشفي ونحرّر. إنَّ تلميذي عِمَّاوُس هما الأيقونة الإنجيليّة لهذه الخبرة. فبعد لقائهما بيسوع القائم من بين الأموات، اعترفا لبعضهما البعض: "أَما كانَ قَلبُنا مُتَّقِدًا في صَدرِنا، حينَ كانَ يُحَدِّثُنا في الطَّريق ويَشرَحُ لَنا الكُتُب؟". يمكننا أن نرى فيهما ماذا يعني أن تكون لدينا قلوب مُتَّقِدة، وأقدام تسير. وهذا ما أتمنّاه أيضًا لليوم العالميّ للشّباب القادِم في لشبونة، الّذي أنتظره بفرح والّذي يحمل شعار: "قامَت مَريمُ فمَضَت مُسرِعَةً". ليشعر كلّ واحدٍ منّا أنّه مدعوّ لكي يقوم ويمضي مسرعًا، بقلبٍ مُتَّقد!

يروي مرقس الإنجيليّ اللّحظة الّتي دعا فيها يسوع إليه التّلاميذ الاثني عشر، كلَّ واحد باسمه، وأقامهم ليكونوا معه وليرسلهم ليكرزوا ويشفوا الأمراض ويطردوا الشّياطين. هكذا وضع الرّبّ يسوع أساسات جماعته الجديدة. كان التّلاميذ الاثنا عشر أشخاصًا من خلفيّات اجتماعيّة ومهنيّة مختلفة، ولم يكونوا من الطّبقات المهمّة. ومن ثمَّ تروي لنا الأناجيل عن دعوات أخرى، مثل دعوة التّلاميذ الاثنين والسّبعين الّذين أرسلهم يسوع اثنين اثنين. إنَّ الكنيسة هي Ekklesía، وهو مصطلح يونانيّ يعني: جماعة من الأشخاص المدعوّين، لكي يكوِّنوا جماعة تلاميذ وتلميذات مرسلين ليسوع المسيح، وملتزمين في عيش محبّته فيما بينهم وبنشرها بين الجميع لكي يأتي ملكوت الله. وفي الكنيسة، نحن جميعًا خدّام وخادمات، بحسب الدّعوات والمواهب والخدمات المختلفة. إنَّ الدّعوة إلى بذل الذّات في المحبّة، والمشتركة للجميع، تتجلّى وتصبح ملموسة في حياة المسيحيّين العلمانيّين الملتزمين في بناء العائلة ككنيسة صغيرة بيتيّة وفي تجديد بيئات المجتمع المختلفة بخميرة الإنجيل؛ وفي بشهادة المكرّسين والمكرّسات، الّذين قدّموا ذواتهم لله من أجل إخوتهم وأخواتهم، كنبوءة لملكوت الله، وفي الخدّام الّذين نالوا السّيامة الشّمّاسيّة والكهنوتيّة والأسقفيّة وأُقيموا لخدمة الكلمة والصّلاة وشركة شعب الله المقدّس. في العلاقة مع الدّعوات الأخرى فقط تظهر كلّ دعوة خاصّة في الكنيسة بكامل حقيقتها وغناها. بهذا المعنى، تُشكّل الكنيسة سيمفونيّة دعوات، مع جميع الدّعوات المتّحدة والختلفة في انسجام معًا، تخرج تنطلق لكي تُشع في العالم الحياة الجديدة لملكوت الله في العالم.

وختم البابا فرنسيأيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، الدّعوة هي عطيّة وواجب، وينبوع حياة جديدة وفرح حقيقيّ. ولذلك على مبادرات الصّلاة والتّنشيط المرتبطة بهذا اليوم أن تُعزّز الوعي والحسّ بالدّعوات في عائلاتنا، وفي الجماعات الرّعويّة وفي جماعات الحياة المكرّسة، وفي الجمعيّات والحركات الكنسيّة. ليُنهضنا روح الرّبّ القائم من بين الأموات من خمولنا وليمنحنا الوئام والتّعاطف، لكي نعيش كلّ يوم متجددِّين كأبناء الإله المحبّة، ونكون بدورنا مولِّدين للحياة في المحبّة: قادرين على حمل الحياة إلى كلّ مكان، ولاسيّما حيث هناك الإقصاء والاستغلال والفقر والموت. بهذه الطّريقة تتوسّع فسحات المحبّة ويملك الله بشكل أكبر في هذا العالم. لترافقنا في هذه المسيرة الصّلاة الّتي كتبها البابا القدّيس بولس السّادس بمناسبة اليوم العالميّ الأوّل للدّعوات، ١١ نيسان/ أبريل ١٩٦٤: "يا يسوع، راعي النّفوس الإلهيّ، يا من دعوت الرّسل لكي تجعلهم صيّادِي بشر، أُجذب إليك نفوس شباب مُتقدّة وسخيّة لكي تجعلهم أتباعك وخدّامك؛ واجعلهم يشاركون في عطشك الشّامل للفداء، [...] افتح لهم آفاق العالم بأسره، [...] لكي وإذ يجيبوا على دعوتك، يواصلوا رسالتك هنا على الأرض، ويبنوا جسدك السّرّي، الّذي هو الكنيسة، ويكونوا "ملح الأرض" و"نور العالم"."