عبد السّاتر: علينا أن نثق بأمانة الله ووعوده وبمحبّته لنا
وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران عبد السّاتر عظة جاء فيها بحسب إعلام الأبرشيّة: "نحتفل معًا في هذا المساء بعيد شفيع رعيّتكم القدّيس ساسين. ذاك الأسقف الّذي في القرن الرّابع عُرف بشجاعته في الدّفاع عن إيمانه المسيحيّ في زمن الاضطهادات. فكان الشّاهد على حقيقة الله، لا يغيّر فيها ليحمي نفسه من الموت ولا يُبدِّل ليُرضي سامعيه فلا يضطهدونه. قبل الله في حياته كما هو وأحبَّه كما هو وعمل إرادته من دون تردّد حتّى ولو لم يُدرك دومًا مغزاها. فكان قدّيسًا في جماعة القدّيسين حتّى قبل أن ينال إكليل الشّهادة.
إخوتي وأخواتي، في علاقتنا الفرديّة والجماعيَّة مع الرّبّ نجعله أحيانًا كثيرة على صورتنا ومثالنا وإذا اختلف عن تصوّرنا له توقّفنا عن محبّته وعن الإيمان به. فنريده مثلًا أن يحبّ من نحبّ وأن يُعاقب من أساء إلينا وبالعقاب الّذي نختاره. نريده رحومًا علينا وديّانًا قاسيًا على غيرنا، وإلّا فلا نعود له تلاميذ. نعتبره صديقًا أحيانًا وتاجرًا أحيانًا أخرى، أو ننتظر منه أن يلبّي رغباتنا وإلّا شكّكنا بقدرته وبمحبته لنا. نطلب منه أن يعمل مشيئتنا في كلِّ شيء لا كما نصلّي في الأبانا: "لتكن مشيئتك في السّماء كذلك على الأرض ..." وإلّا فهو ليس حقيقيًّا.
إخوتي وأخواتي، دعونا نتذكّر أنَّ الله هو هو وحقيقته لا تتغيَّر بتغيّر التّاريخ أو الجغرافيا. هذه الحقيقة الّتي كشفها لنا الرّبّ يسوع والّتي تكتشف الكنيسة غناها على مدى العصور بفعل الرّوح القدس فيها. دعونا لا ننسى أنّ لله إرادته وحرّيّته وتدبيره وأنَّه علينا أن نثق بأمانته ووعوده وبمحبّته لنا. لنودعه حياتنا وحياة من نحبّ فهو يعرف ما هو الأفضل لنا. لنتوقّف عن التّشكيك به وبوجوده لمجرّد أنّ إرادته لا تنسجم وإرادتنا ومشروعه لا يتطابق ومشروعنا.
إخوتي وأخواتي، لم يرضَ مار ساسين إلّا أن يُعلن حقيقة الله كما كشف عنها الرّبّ يسوع وكما قرأها في الكتاب المقدّس. أعطى حياته للحفاظ على هذه الحقيقة ولنقلها لمؤمنيه. ونحن أيضًا في مساء هذا العيد مدعوّون إلى أن نقبل حقيقة الله وننقلها إلى من حولنا خالصة من كلِّ تشويه وتحريف. فالله محبّة وهو يريد خلاص كلِّ البشر من دون استثناء وخلاص الخليقة كلِّها. هو صادق في وعوده وأمين لها. له حرّيّته وله إرادته. وهو لا يفرح بموت الخاطىء أبدًا. ولنردِّد مع بولس الرّسول: "من يفصلنا عن محبّة المسيح؟ أشدّة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عري أم خطر أم سيف؟" (روم 8: 35)".
وكانت كلمة للخوري بيار الشّمالي قال فيها: "بفرح متجدّد نلتقي حول راعينا ومطراننا بمناسبة عيد شفيع رعيّتنا مار ساسین- فرحنا هذا المساء متجذّر في الرّجاء على الرّغم من كلّ مظاهر الاضطراب في وسطنا ومن حولنا.
نحن اليوم من خلال حضوركم ومحبّتكم وبركتكم نجدّد ارتباطنا بالكنيسة في مناسبة عيد مار ساسين الّذي هو مثلكم أسقف، غيور، مدافع عن هويّة الكنيسة من خلال اشتراكه في مجمع نيقيا حيث كانت علامات الإضطهاد ما زالت مرسومة في أجساد وأرواح المشاركين.
نحن أيضًا في قلبِ ما نعيش نتساءل أمامكم سيّدنا: "أيّ رعيّة نريد أن نكون اليوم، أيّ رعيّة نريد أن نكون غدًا؟."
نحن نعيش في وطن يفرّقنا عن أحبّائنا، عن أولادنا. هَمُّ الأهل بات كيف يُسفّروا أولادهم ليؤمّنوا حياتهم بعيدًا عن وطنهم ومشاكله! أهل صاروا يكتفون بالتّكلّم مع أولادهم وأحفادهم على الهاتف، تؤلمهم غرف أولادهم الفارغة الّتي تمتلىء فقط لأسبوع في السّنة.
أيّ رعيّة نريد أن نكون اليوم وغدًا في وطن صارت فيه الهويّة المسيحيّة تحجبها صور نمطيّة حزبيّة وسياسيّة بعيدة كلّ البعد عن حميميّة العلاقة بربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح.
أيّ رعيّة نريد أن نكون اليوم وغدًا في وطن يتلاعب في مصيره ومستقبل أولاده، واستقراره الأمنيّ، والاقتصاديّ، بعض الّذين يدّعون المسؤوليّة والحفاظ على تراب الوطن.
أيّ رعيّة نريد أن نكون اليوم وغدًا في قلب عالم تتطوّر فيه التّكنولوجيا والذّكاء الاصطناعيّ بشكلٍ غير مسبوق وبسرعة الضّوء.
إذا كنّا نتساءل اليوم كلّ هذه الأسئلة وأمامكم سيّدنا، ليس لأنّنا محبطون، لا بل لأنّنا ندرك بأنّ لنا دور ومسؤوليّة كرعيّة، ونحن أمام سيادتكم نريد أن يكون انتماؤنا الكنسيّ فعّالًا، صادقًا، يخاطب الواقع الّذي نعيش فيه.
إنّه سؤال أحمله لذاتي مع أبونا فادي، وكلّ أبناء وبنات الرّعيّة واللّجان والمجالس لنفكّر اليوم معًا في دعوتنا ورسالتنا وإلتزامنا. على الرّغم من كلّ ما نعيشه سنبقى نبحث كيف نعلن الرّجاء الحقيقيّ، الرّجاء الّذي لا يخيب، لأنّ الرّبّ يأتي دائمًا ليسكن ويقيم معنا.
ولأنّ العيد هو احتفال بالفرح، أنهي كلمتي حيث بدأت، بفرح متجدّد نرفع اليوم بحضورك سيّدنا، علامات الابتهاج والرّجاء. عندما يغيب الفرح تتحوّل الحياة إلى موت. وإحتفالنا اليوم هو إحتفال للتّأكيد أنّ علامات الحياة ستبقى، على الرّغم من كلّ التّحدّيات، حاضرة فينا وفي كلّ أعمالنا.
باسم الخوري فادي شكّور وباسمي، شكرًا لكم سيّدنا على ما تفعله من أجل الكنيسة والأبرشيّة ومن أجل رعيّتنا ومن أجل كلّ فرد.
شكر من القلب للرّهبانيّة الأنطونيّة، ممثَّلة بالأب المدبّر بشارة إيليّا، وإلى جمهور دير مار يوحنّا القلعة، على حضورهم المميّز والرّهبانيّ في الرّعيّة، وعلى ما يقدّمونه من خدمات بمحبّة وفرح وفي روح الشّركة الكنسيّة. نفتخر ونعتزّ بهذه العلاقة الأخويّة الّتي تجمع بين الدّير والرّعيّة، راجين للآباء دوام النّعمة والبركة في رسالتهم.
شكر كبير لبلديّة بيت مري ولرئيسها على التّعاون العميق في خدمة الإنسان الواحد.
شكرًا لك أبونا حارث مع أبناء وبنات رعيّة مار الياس على التّكاتف والتّضامن في كلّ الأوقات.
شكر لكلّ العائلات الدّرزيّة العريقة والّتي هي جزء لا يتجزّأ من تاريخ بيت مري وحاضرها ومستقبلها.
شكرًا لكم آبائي وأخواتي الرّاهبات وكلّ الفعاليّات والأحبّاء والمحاضرين.
صلاتنا معًا لكي يبقى حبّ الرّبّ مشتعلًا في قلوبنا لنبقى ونكون دائمًا شهودًا حقيقيّين للإيمان الّذي نعيشه على مثال مار ساسين وبشفاعته. آمين".
وبعد القدّاس الإلهيّ، التقى المطران عبد السّاتر أبناء الرّعيّة وبناتها في باحة الكنيسة.