لبنان
22 تشرين الأول 2018, 10:07

في شرتون كنيسة جديدة على اسم مار شلّيطا

دشّن رئيس أساقفة بيروت المارونيّة المطران بولس مطر كنيسة مار شلّيطا الجديدة في بلدة شرتون- قضاء عاليه، وترأّس القدّاس الإلهيّ على مذبحها عاونه به كاهن الرّعيّة الخوري توفيق أبي خليل والآباء روجيه شرفان ورودريك شرتوني وفادي شكّور، بمشاركة النّائب الأسقفيّ المونسنيور إغناطيوس الأسمر ورئيس مدرسة الحكمة برازيليا الخوري بيار أبي صالح، وسط حضور رسميّ وشعبيّ.

 

وللمناسبة، كانت كلمة للمطران مطر قال فيها بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "هذا هو اليوم الّذي صنعه الرّبّ، تعالوا نسرّ ونفرح به، هذا هو اليوم الّذي نبارك وندشّن كنيسة شرتون على اسم مار شلّيطا لمجد الله وإكرامه ولعودة شرتون كاملة إلى سابق أفراحها وصلواتها وعزّتها مع أهل المنطقة جميعًا من دون استثناء، ومن الواجب أن نذكر أوّلاً مار شلّيطا شفيع الكنيسة بالذّات لأنّنا على اسمه اجتمعنا ونقيم الذّبيحة للرّبّ يسوع المسيح إكرامًا لشهدائه، كان ذلك سنة 363 أيّ منذ 1655 سنة يوم استشهاد مار شلّيطا في مطر، وكان قائدًا مسؤولاً من قبل قسطنطين الملك الّذي بعد أن اضطهدت المسيحيّة ثلاثة قرون أعلنت قيامة الدّولة الامبراطوريّة وصعدنا من الدّياميس من تحت الأرض لنعلن إيماننا بالرّبّ بكلّ فرح واطمئنان وسلام.

ولكن مع الأسف بعد نصف قرن من بداية تلك الامبراطوريّة وصل إليها امبراطور اسمه جوستيان الجاحد الّذي عاد إلى الوثنيّة ونكّل بالمسيحيّين من جديد، فاضطهد شلّيطا، وكلمة شلّيطا لها علاقة بكلمة شلطونو أيّ السّلطان صاحب القوّة والحكمة والحاكم باسم الملك شلّيطا السّلطان، لكن مشكلة شلّيطا أنّه كان يؤمن بسلطان واحد هو الرّبّ له المجد إلى الأبد، وكان يؤمن أنّ المسلّطين على الأرض هم منفّذو المشيئة الإلهيّة لخدمة شعب الله، هذا ما صنعته المسيحيّة من انقلاب في العقليّات القديمة بما يخصّ السّلطة والمسؤوليّة، قبل المسيحيّة كان الحاكم يمتلك الأرض والنّاس معًا، هم رعاياه، أمّا رعايا من البشر أو دون البشر كلّهم رعايا، المسيح قال: عظيمكم واحد وكلّكم إخوة، وعلى الحاكم أن يكون خادمًا والكبير منكم أن يكون خادمًا ومحبًّا لشعبه، محبّة لا حدود لها، طلب من شلّيطا من قبل الامبراطور أن يجحد إيمانه، أنت من عائلة منيحة وقويّ ولكن فقط اترك الله، نحن الله خاصّتك، قال ليس لي ربّ وإلهي عذب وقتل أيّ أنّكم اخترتم لكم شفيعًا، من كان شهيدًا بإيمانه متمسّكًا بمسيحه حتّى الدّمّ والموت.

نحن أيّها الإخوة ما تغيّرنا يومًا، نحن نؤمن بيسوع المسيح الّذي نزل من السّماء ليؤسّس لبشريّة جديدة فيها كلّ النّاس متساوون بالعزّة والكرامة، فيها شراكة الحياة وحرّيّة الإيمان، حرّيّة العقيدة، فيها كرامة الجميع واليد الممدودة من قبلنا بيضاء إلى جميع النّاس لنبني على الأرض مدينة تكون مدينة الله في شعبه.

ها نحن في لبنان قبل قيام الدّولة اللّبنانيّة وبعد قيامها بنينا حياتنا على الشّراكة، على اللّقاء بين جميع اللّبنانيّين، لنؤمن لكلّ منّا عبادة لله حرّة، "كلّ على دينه الله يعينه" لا نتعاطى بديانات الآخرين ولا أحد يتعاطى بإيماننا، نحترم بعضنا بعضًا، والله هو الّذي يحاسب الجميع، على هذا كان الميثاق، قبل الميثاق على هذا توافق اللّبنانيّون في سنة 1920، وبعد عامين نحتفل بالمئويّة لقيام دولة لبنان، بطريرك الموارنة الياس الحويّك رفض أن يكون لبنان دولة انعزاليّة دولة لطائفة ولو كانت لطائفته، قال بمؤتمر الصّلح في باريس نريد دولة للمسيحيّين والمسلمين معًا نعيش أخوة متساوين متحابّين، هذا كان موقف البطريرك الحويّك، وفي العام 1943 عندما هبّت رياح الاستقلال النّاجز، كان حبر آخر هو المطران مبارك من رشميّا العزيزة يستقبل جميع اللّبنانيّين في مدرسة الحكمة عندما أخذ زعماء لبنان إلى راشيّا ليقول كلّنا واحد، نريد للبنان أنّ يكون وطنًا لجميع اللّبنانيّين بالعزّة والكرامة، وهكذا في العام 1943 عقدنا العزم على أن نحيا معًا، وبعد الأحداث الأخيرة هذا الموقف كان للبطريرك مار نصرالله صفير دام عمره، وبعده بطريركنا الحاليّ البطريرك بشارة الرّاعي ادام الله سنينه، فكان موقف متجدّد واحد نريد العيش المشترك بالكرامة بين الجميع وللجميع وللدّلالة على ذلك أنّ شعبنا يحبّ لبنان كلّ لبنان، يحبّ أرضه، شعبنا الّذي مرّت عليه مصاعب، وهنا في الجبل كانت غيمة كبيرة غطّت هذا الجبل إلّا أنّني أقول والحمد لله اليوم تزول والجبل يبقى.

هنا عندنا عدنا إلى أرضنا وضيعنا، موقفنا العميق كان أوّلاً إعادة بناء كلّ كنائسنا علامة على أنّنا واثقون بالمستقبل الّذي هو لله، نريد العودة إلى لبنان على أساس لبنان الآباء والأجداد، على أساس لبنان الجميع ولكرامة الجميع، فليبارك الرّبّ هذا المقصد وهذا التّوجّه ولنكن كلّنا متّحدين متوحّدين حول هذا الموقف الّذي لا موقف سواه بالنّسبة لمستقبل لا لبنان وحسب، بل للمنطقة كلّها من حول لبنان، لن يكون لهذه المنطقة مستقبل إذا بقيت على بغض الواحد للآخر، والحذر الواحد من الآخر واضطهاد الواحد للآخر حتّى من دين واحد وقوميّة واحدة، المستقبل في المنطقة بأسرها وفي العالم لن يقوم إلّا على المصالحة إلّا على التّوافق والخير إلّا على هذه النّظرة إلى إنسانية منفتحة على نعمة السّماء تنزل عليهم جميعًا وتجعلهم كلّهم أبناء الله، يحبّون بعضهم بعضًا ويقبلون بعضهم بعضًا.

لهذا السّبب قال الحبر الأعظم القدّيس يوحنّا بولس الثّاني وهو أحبّ لبنان أكثر من أيّ واحد أحبّه، قال لبنانكم أيّها اللّبنانيّون ليس وطنًا عاديًّا، لبنان أكثر من وطن، لبنان رسالة لم يقلها أحد غيره، رسالة بالعيش المشترك الكريم والمحبّ والمتساوي بين أهل الأديان جميعًا، لبنانكم هذا مرّ بظروف صعبة وقال بقدّاس بيروت أيّها المسيحيّون أيّها اللّبنانيّون لا تظنّوا أنّ آلامكم قد ذهبت هدرًا المسيح احتضنها إلى صليبه وسوف يخلّص لبنان ويعود لبنان إلى سابق عزّه وطن المحبّة والألفة والسّلام مثالاً للمنطقة من حوله واليوم هم يسعون إلى دساتير وأوضاع جديدة تنظّم الحياة في سوريا والعراق واليمن وفي كلّ الأرض حولنا على أيّ أساس، أساس احترام الجميع للجميع، هناك مكان للجميع، هنا إذًا ثبت لبنان وسيثبت أليس هو الّذي يعطي المثال لكلّ المنطقة، كانوا في العصور الثّامن والتّاسع عشر يأتون من أوروبا زائرين جوّالين يبحثون عن وضع تلك المنطقة ويقولون: إذا لبنان بخير المنطقة بخير "العلامة هنا" لذلك نناشدكم أيّها الأحبّاء فلنكن على قدر المسؤوليّة، اليوم فرصة كبيرة في القلب كنيسة شرتون رفدناها بصلاتنا منذ وصلنا أيّ منذ 22 عامًا واليوم اسألوا قلبي يقول لكم: كلّه فرح فرحت كثيرًا في أبرشيّتي لأنّنا تمكنّا بنعمته تعالى بقوّة هذا الشّعب أن نعيد بناء كلّ كنائسنا والقرى الصّغيرة مثل الكبيرة، ودشنّا الكنائس في كلّ المنطقة وأصبح عندنا كنائس مرمّمة وأضيف إليها خمسون كنيسة جديدة، ماذا يعني، في الغرب يبيعون الكنائس أو يجري تأجيرها وعندنا في لبنان نبني الكنائس ونفتحها للعبادة، هل هذا يعني أنّنا منحصرون، أم أنّنا ثابتون بإيماننا وثقتنا بهذا الوطن وبناسنا ومنطقتنا كلّها، الرّبّ يلهمكم إلى كلّ عمل صالح، الرّبّ يقوّيكم لتدركوا هذه الحركة الرّوحيّة التّاريخيّة الّتي انطلقت منذ كنّا في لبنان إلى ما شاء الله على أساس أن يكون هذا الوطن وطن الحرّيّة والكرامة للجميع.

إنّنا نناشدكم أيّها المسيحيّون أحبّوا بعضكم بعضًا، سالكوا بعضكم بعضًا، لا مقابل الآخرين بل لنكون مثلاً للآخرين، نحن مسؤولون عن روح الإنجيل مار بولس يقول: تصالحوا مع الله، وإذا تصالحتم مع الله تتصالحون مع أنفسكم، تصالحوا مع الله ليكن أمامكم جميعًا واطلبوا منه نعمة الحبّ، صحيح لبنان بلد العيش المشترك، ولكن العيش المشترك يعني أيضًا المحبّة وتبادل المصالح الحقيقيّة، ليس من مانع أنّ كلّ إنسان يضمن أنّه هو مصلحته أن تكون مؤمّنة ولكن تتأمّن مصالحنا عندما تتأمّن مصالح الجميع وتترابط كلّها بعضها ببعض فنصبح كيانًا واحدًا ومتنوّعًا في آن معًا، لا تنوّع من دون وحدة ولا وحدة بدون تنوّع، لذلك فليكن الرّبّ ملهمكم جميعًا إلى كلّ عمل صالح، ونحن نجدّد محبّتنا لقادتنا جميعًا ونشدّ على يد فخامة الرّئيس ليكون فرصة الجمع بين كلّ اللّبنانيّين ويتمّ التّفاهم حول لبنان المستقبل بكلّ حذافيره وننطلق نحو الأمان بيد واحدة وقلب واحد، هذه صلاتي في شرتون المباركة، شرتون المحبّة ليسوع المسيح، شرتون الّتي أعطت للّغة العربيّة من وضع قواعدها، حتّى إذا ما تكلّم العرب تكلّموا جالسًا "بدنا نعلمهن نحكي جالس" من دون أن نقعد أعوج، نحكي جالس ومنحكي من القلب نحن نحب الجميع بدون استثناء ونطلب من الجميع أن يحبّوا بعضهم بعضًا وأن يكون لبنان وطن التّلاقي الخير للجميع.

إنّ فخامة الرّئيس طلب من الأمم المتّحدة أن يكون لبنان وطن الحضارات الّتي تعيش بعضها مع بعض وتتحاور بعضها مع بعض، تعالوا نسبق ذلك بتحاور بنّاء في ما بيننا وصولاً إلى ما فيه خيرنا وخير المنطقة بأسرها.

في شرتون اليوم نصلّي معًا على نيّة عودتها ونيّة كنيستها الجميلة وعلى نيّة جميع الّذين تعبوا كثيرًا في بناء القاعة السّفلى والّتي صلّينا فيها سنين، وحلمنا أن نصعد إلى الكنيسة اليوم، ربّنا حقّق بفضله هو وفضل الّذين ألهمهم أن يضعوا من تعبهم ومالهم وجهدهم وإرادتهم، لن أسمّي أحدًا لأن أتّكل على من يسمّي الرّبّ، الّذي يجازي كلّاً بحسب أعماله ليجازيكم خيرًا، شكرنا أبونا مبارك لأنّه أحبّ شرتون والله يعطيه من سمائه أن يصلّي معنا اليوم ولكنّي أشكر كلّ أهل شرتون كبارًا وصغارًا وأصلّي على نيّتكم جميعًا لتبقى شرتون المحبّة الوطنيّة اللّبنانيّة البيضاء الّتي تعرض الشّمم والهمم والإنسانيّة وكلّ الأمور الإيجابيّة كما كلّ أهل المنطقة حتّى تبقوا على إرث الآباء والأجداد محافظين والرّبّ معكم بشفاعة مار شلّيطا والعذراء مريم وجميع القدّيسين، لهم صلاتنا وللرّبّ التّسابيح والمجد من الآن إلى الأبد.".