الأراضي المقدّسة
08 كانون الأول 2022, 07:30

في عيد الحبل بلا دنس، بيتسابالا يوضح أساسات الحياة الجديدة

تيلي لوميار/ نورسات
في عيد الحبل بلا دنس، يتأمّل بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا بمريم العذراء "الممتلئة نعمة"، متأمّل بنصّ إنجيل البشارة لوقا ١: ٢٦- ٣٨ الّذي يبدأ بالنّعمة وينتهي بالرّغبة، معلنًا أساسات الحياة الجديدة، فيقول بحسب "موقع بطريركيّة القدس للّاتين":

"في إنجيل البشارة (لوقا ١: ٢٦- ٣٨)، ثمّة كلمة رئيسيّة نقرأها في عيد الحبل بلا دنس، وهي كلمة "نعمة/ حظوة".  

ترد أوّل مرّة في الآية ٢٨ حينما يدعو الملاك مريم "الممتلئة نعمة".

يفعل ذلك لا لعدم معرفته باسمها، فهو يدعوها مريم بعد ذلك مباشرة. فمن كلماته الأولى، نفهم أنّ اسم مريم الحقيقيّ هو "الممتلئة نعمة".

كما ونجد هذه الكلمة مرّة أخرى في الآية ٣٠: "لا تخافي يا مريم، فقد نلت حظوة عند الله".

مريم هي امرأة ملأتها نعمة الرّبّ. ليس لديها امتيازات أو قدرات أو إمكانيّات ولا ألقاب أو ميزات أخرى. في الواقع، نجد لديها الشّعور بالهشاشة والضّعف، فهي امرأة من قرية مجهولة، وليست حتّى متزوّجة بعد.

في الحقيقة، كلّ حدث في تاريخ الخلاص تمّ دائمًا بهذا الشّكل: كلّ من تمّ اختياره لخدمة الشّعب المختار لم يكن يملك أيّة هبة أو صفة مميّزة وإنّما كان يفتقر إلى أيّة ميزة. كانت النّعمة فقط هي ما يُميّز هذا الشّخص.

نستطيع القول إنّه عند دخول العالم لبدء مرحلة جديدة ومحتّمة في تاريخ الخلاص، يغيّر الله ويعيد ترتيب الأساسات الّتي تستند إلى أساس ثابت واحد وهو نعمته.

تثير النّعمة أوّلًا اضطرابًا وتساؤلات وتصيب المرء بالارتباك (لوقا ١: ٢٩): "داخَلَها لِهذا الكَلامِ اضطرابٌ شَديدٌ وسأَلَت نَفسَها ما مَعنى هذا السَّلام".

لا تدخل مريم التّاريخ بصفتها شخص يدري ما يفعل ومقتنع بقدرته على القيام بذلك، بل تدخل التّاريخ كشخص يدري أنّ الاختيار يمثّل أمرًا غير متكافئ ويتعذّر على الإنسان القيام به لوحده. إنّه أمر يتعدّى إمكانيّاتنا. لهذا السّبب تثير النّعمة القلق وتحثّ كلّ من يتلقّاها على الإبحار في مغامرة لا يعرف أين تقوده. تثير النّعمة الدّهشة دائمًا.

كما أنّ النّعمة الإلهيّة تتعاون. لا تقوم بكلّ شيء بمفردها ولا تبدّل نفسها ولا تحصر نفسها بإعطاء الأوامر. تختار النّعمة طريق الحوار لأنّها تثق وهي موضع ثقة. في النّهاية، النّعمة هي أمر هشّ لأنّها تقبل أن تسلّم نفسها لقبول الآخر وقبول الاعتماد على الـ"نَعَم" الّتي لفظتها ابنة النّاصرة.

كما وتُمكّن النّعمة الإنسان أن يولّد شيئًا أبديًّا. يكرّر الملاك ذلك عدّة مرّات حينما يقول إنّ ما سيحصل في مريم سيكون أمرًا عظيمًا وأبديًّا (لوقا ١: ٣٢: "سيَكونُ عَظيمًا وابنَ العَلِيِّ يُدعى، ويُوليه الرّبُّ الإلهُ عَرشَ أَبيه داود").

أخيرًا، تثير النّعمة رغبة. كما أنّ النّعمة لا تفرض ولا تتسلّط ولا ترغم أحدًا ولكن لا تترك أحدًا منغلقًا داخل إمكانيّاته المحدودة لكبريائه. تثير النّعمة رغبة لا محدودة. تعبّر إجابة مريم بطريقة ما عن هذه الرّغبة الّتي تفتّحت فيها: "فليكن لي بحسب قولك" (لوقا ١: ٣٨). تستعمل مريم هذه العبارة الّتي تسمو عن فهمنا والّتي تعبّر بوضوح عن مشاركتها ورغبتها في حصول كلّ ذلك.

توقظ مريم هذه الرّغبة بينما تتلاشى وتختفي جميع الرّغبات الأخرى، وعندما يكتشف أحدهم هذه الرّغبة فيه لا يستطيع التّراجع بعد ذلك بل يطيع ما يمليه عليه قلبه.

هذا بالضّبط ما سيقوم به يسوع. سيمسك بأيدي الكثيرين من الأشخاص الضّالّين وسيوقظ فيهم هذه الرّغبة القادرة على تغيير الحياة.

بدأنا النّصّ بكلمة "نعمة"، وننهي الآن بكلمة "رغبة".

نستطيع القول إنّ أساسات الحياة الجديدة، الّتي تبدأ بهذا الحدث الغامض في مدينة النّاصرة النّائية، هما هاتان الكلمتان. من ناحية، هذه الأساسات هي الله ومحبّته المجّانيّة والمبادِرة ومن جانب آخر هي الإنسان الّذي أيقظته النّعمة وتمكّنه من تعميق الرّغبة في الانتظار والاستجابة والهبة."