دينيّة
27 حزيران 2016, 12:57

في مثل هذا اليوم: تطويب الأخ أسطفان نعمة

ريتا كرم
27 حزيران 2010، يوم صيفيّ بامتياز، التهبت خلاله أرض دير مار قبريانوس ويوستينا في كفيفان بلهيب الحرّ الشّديد، خفّفت من وطأته حرارة إيمان الوافدين إليه. يومها شهد الدّير زحفاً بشريّاً سكب نفحة إيمان عذبة في عرس وطنيّ كنسيّ جديد: عرس تطويب الأخ أسطفان نعمة (1889- 1938) من الرّهبنة اللّبنانيّة المارونيّة، إبن بلدة "لحفد" الشّماليّة.

 

في ذاك التّاريخ، توافد المؤمنون إلى الدّير من كلّ أنحاء الوطن ومن بلدان الانتشار، أتوا من مختلف الفئات العمرّيّة، ففاق عددهم المئة ألف نسمة. أمّوا الدّير وفي قلبهم فرح وغبطة وشوق إلى قداسة استثنائيّة، وعلى محيّاهم ترتسم ملامح الفخر بقدّيس جديد من بلادهم. فتحوّلت ساحات الدّير إلى بحر بشريّ تتقاذفه أمواج "لحفديّة" وسط تدبيرات لوجستيّة وأمنيّة ملحوظة، وحضور رسميّ وشعبيّ وروحيّ كبير.

منذ ذلك التّاريخ، قدّم الأخ أسطفان "نعمة" قداسة جديدة للبنان عامّة وللرّهبنة اللّبنانيّة المارونيّة خاصّة بعد شربل ورفقا والحرديني. ولا يزال إلى يومنا مثالاً حيّاً للتّواضع والتّقوى والعفّة. مارس الرّاهب العامل والخادم التّوبة والمحبّة والخدمة المجّانيّة، بذل نفسه بامّحاء لصالح الأكثر فقراً وجوعاً. كان مصلّياً في عمله وعاملاً في صلاته. أمضى حياته مناجياً الله في القربان المقدّس، متأمّلاً بآلام المخلّص وكمال الرّبّ، مكرّماً لمريم العذراء، مذهولاً بسير القدّيسين والشّهداء مقتفياً أثرهم سيرة ومسيرة.

هو أثبت أنّ القداسة لا تتطلّب العلم والمعرفة والفلسفة؛ هي لا توجد في الكتب بل إنّها طريقة عيش يكتسب خلالها الإنسان الفضائل.

عاش الطّوباويّ أسطفان نعمة تحت نظر الرّبّ مردّداً: "الله يراني، فلا بُعد، ولا نور، ولا ظلام يحجبني عنه"، مصرّاً أنّ "المحبّة لا تحتاج إلى علم لأنّها من القلب تخرج" وأنّ "أعمالنا وإن خُفيت على البشر فالله يدركها، ويحاسبنا عنها، فيُجزينا خيراً إن كانت بارّة، ويعاقبنا عذاباً إن كانت فاسدة، فهي لا تمّحي من سجلات الأبد."

اليوم وفي ذكرى تطويبه السّادسة، لنقتدِ خطى قدّيس كفيفان النّائم بجسده غير المتحلّل في جوار الحردينيّ، ولنتأمّل في قوله: "طوبى للرّجل الّذي يتأمّل في الحكمة ويتحدّث بها عقله، ويتفكّر في طرقها بقلبه ويتبصّر في أسرارها، ينطلق في إثرها كالباحث ويترقّب عند مداخلها، ويتطلّع من كوّاتها ويتسمّع عند أبوابها، ويحلّ بقرب بيتها ويضرب وتداً في حائطها وينصب خيمته بجانبها وينزل بمنزل الخيرات. يجعل بنيه في كنفها ويسكن تحت أغصانها. يستتر بظلّها من الحرّ وفي مجدها يجد الراحة."