لبنان
01 أيلول 2018, 12:15

كاهن جديد على مذابح أبرشيّة طرابلس للرّوم الملكيّين الكاثوليك

إحتفلت أبرشيّة طرابلس وسائر الشّمال للرّوم الملكيّين الكاثوليك بسيامة الشّماس الإنجيليّ يوحنّا (خليل) الحاج بطرس كاهنًا على مذابحها في قدّاس إلهيّ في كنيسة القدّيس سمعان العموديّ في بلدة دوما ترأّسه متروبوليت طرابلس وسائر الشّمال للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران ادوار ضاهر عاونه فيه لفيف من الكهنة والأباء، وبمشاركة والدة المرتسم وزوجته وأولاده وعائلته، ورابطة أخويّات دوما وشكا والفرسان، وعدد كبير من المؤمنين من بلدتي ميفوق ودوما وجوارهما. وبعد الانجيل، ألقى ضاهر عظةً بعنوان "صرت للصّبر ركنًا أيُّها البار سمعان ... فضاهيت وأنت بالجسد سيرة الذين لا جسد لهم"؛ وقد جاء فيها بحسب الوكالة الوطنيّة للإعلام:

"يمضي عام ويأتي عام، وها نحن نجتمع من جديد لنحي بإيمان وفرح عيد القدّيس سمعان العاموديّ، شفيع هذه الكنيسة المقدّسة وهذه الرّعيّة المباركة، ولنحتفل برسامة ولدنا يوحنّا الحاج بطرس كاهنًا على مذابح أبرشيّتنا الطّرابلسيّة المحبوبة من الله. نعم إنّ الكنيسة، وتشجيعا لنا، تضع أمامنا، مثالاً وشفيعًا، القدّيس سمعان العاموديّ، شفيع هذه الرّعيّة المباركة، إنّنا أيُّها الأعزّاء، أمام رجل اتّخذ من النّسك طريقًا للإماتة، طريقًا لمشاركة المسيح في الآلام. فهو لم يترك وسيلة إلا وجرّبها لتحقيق هذه الغاية. وعندما ذاع صيته أقبل إليه النّاس، فخاف أن يبعده هذا عن صلاته وأمانته لله. قرّر الهروب إلى جبل بعيد وهناك بين له عمودًا ضيّقًا صعد عليه. ولكن جموع النّاس عندما وجدته من جديد، عادت تسير إليه طلبًا لشفاعته. فرأى سمعان في ذلك إرادة العليّ. عندها جعل عموده منبرًا يبشّر منه باسم يسوع المسيح، وينشر على الجموع نصائحه وإرشاداته وبركاته. لذلك، تكرّم الكنيسة اليوم البار سمعان، هذا الملاك الأرضيّ، وتظهر فضائله، وتقدّمه لنا مثالاً حيّاً لنقتدي به ونجتهد مثله لنصل إلى السّعادة الخالدة والسّلام الرّوحيّ، ونبلغ هذا المنال، عندما يصبح كلّ واحد منّا شبيهًا بالبار سمعان، من حيث حبّه لله، في ارتقائه وصعوده على عموده الذي يجعلنا نعيش كمخلصين لله وليس كعبيد للخطيئة.
 

بفرح كبير أحتفل معكم برسامة الشّماس يوحنّا (خليل) جرجي الحاج بطرس الكهنوتيّة، ابن بلدة ميفوق، هذه البلدة الأبية والمشهود لأبنائها بإيمانهم الحيّ ووطنيّتهم. أرحّب بعائلته وأهله وأحيّي زوجته رانيا وجميع آل الحاج بطرس، وجميع الحاضرين معنا في هذه الرّسامة الكهنوتيّة. يكشف لنا إنجيل يوحنا عطيّة الرّوح القدس منذ اليوم الأوّل الذي ظهر فيه يسوع للتّلاميذ بعد قيامته، حيث كان التّلاميذ مجتمعين خوفًا من اليهود. جاء يسوع ووقف في وسطهم؛ وقال لهم السّلام لكم، وأراهم جروحاته ليبرهن لهم بأنّه حيّ، ثم أعطاهم الرّوح القدس وكلفهم برسالة واضحة: مغفرة الخطايا، أيّ أن يحرّروا قلب الإنسان.

أيُّها الابن العزيز يوحنّا، هذه الكلمات تتوجّه اليوم إليك، ونحن بفرح كبير نقدمك لخدمة مذابح الأبرشيّة، ونرفعك بصلاتنا، لتكون واحدًا مع إخوتك الكهنة الذين سبقوك بالخدمة الكهنوتيّة، لتعيش كهنوتك بقداسة. منذ اليوم، أنت كاهن إلى الأبد، يدعوك المسيح لتبشّر به وتحمل الأسرار وتوزّعها لجميع أبناء الله وتقود، بالسّلطان المعطى لك، شعب الله إلى الحياة الأبديّة. إنّي سأمنحك بعد لحظات، أيُّها الشّماس يوحنّا، بفعل موهبة الرّوح القدس التي ستنالها مني، أنا خليفة الرّسل، وبوضع يدي الحقيرتين، سرّ الكهنوت وأسلّمك الخدمة الكهنوتيّة لتخدم في الأبرشيّة حيث تدعو الحاجة. وإنّك بذلك ستشترك في كهنوت المسيح الذي ستتّحد به، ومن خلاله تدخل في شركة خاصّة مع الآب والابن والرّوح القدس. وستصبح مؤتمنًا على "وديعة تتسلّمها من الله الآب والابن والرّوح القدس بواسطة الكنيسة المقدّسة التي أنا خادمها، لأجل بنيانها وثباتها وتمجيدًا للثّالوث الأقدس ولنشر البشارة، وخدمة المذبح، ورعاية شعب الله الموكل إليك.

فالكهنوت هو أوّلاً وآخرًا خدمة؛ وخدمة مثلّثة لشعب الله في التّعليم والتّقديس والرّعاية.

وفي خدمة التّعليم وبشارة الملكوت، أنت مدعوّ إلى أن تركّز على التّعمق بكلمة الله من أجل عيشها وإعلانها والتّبشير بها في كلّ مناسبة. في خدمة التّقديس، أنت مدعوّ إلى أن تجعل من المذبح مركز خدمتك الكهنوتيّة، ومن الإفخارستيا المبدأ الذي يولد منه الكاهن والجماعة، ومن الارتباط الأسراريّ بالمسيح الحيّ الأساسيّ لحياتك. في خدمة الرّعاية، أنت مدعوّ إلى أن تتشبّه بالمسيح، الرّاعي الصّالح، الذي أراد أن يكون كلاً للكلّ، والذي جاء ليخدم لا ليخدم، حتى أنّه غسل أرجل رسله وبذل نفسه في سبيل خرافه. ولكي تنجح في تأدية خدمتك المثلّثة، لا بدّ من أن تعي أنّ كهنوتك ينبع من كهنوت المسيح، ويكون فيك وثاقًا جوهريًّا مميّزًا يربطك بالمسيح من خلال الأسقف ويجعل منك صورة حقيقيّة له وممثّلاً له في رعاية شعبه.

إنّي أدعوك إذًا إلى أن تعمّق إتّحادك الرّوحيّ بالمسيح، لكي تكون علامة لحضوره في حياتك وفي العالم، وأن تشدّ ارتباطك الكنسيّ بالأسقف وبإخوتك الكهنة الذين ستدخل معهم في الجسم الكهنوتيّ الذي يجمعكم حول الأسقف.
 

ولا بدّ لي من أن أشكر الله على جميع الذين رافقوك في تنشئتك؛ بدءًا من أهلك وعائلتك، ومن كهنة ورهبان وراهبات وعلمانيّين. وأخصّ أخي سيادة المطران ميشال عون راعي أبرشيّة جبيل المارونيّة، بالشّكر العميق والدّعاء الكبير والمحبّة الصّادقة، وتعاونه لما فيه خير النّفوس والكنيسة الجامعة. وإنّي إذ أسلّمك الكهنوت وخدمة شعب الله في أبرشيّة طرابلس وسائر الشّمال، وأستودعك نعمة الله التي تحلّ عليك اليوم، أصلّي من أجلك كي تكون كاهن المسيح، تعمل أوّلاً على تقديس نفسك وتقديس النّفوس الموكله إليك وترعاها بالمحبّة؛ فتستطيع أن تقول مع المسيح: "تعالوا إليّ أيُّها المتعبون والمثقلون بالأحمال وأنا أريحكم". فتخدمهم بالوداعة وتواضع القلب وتكون لهم خادمًا وأبًا وأخًا وراعيًا ومرافقًا ومرشدًا. والشّبيبة كلّ الشّبيبة، ينظرون إليك بشوق وشغف، وهم متعطّشون إلى لقاء المسيح الذي دعاك وأحبّك، عساهم يكتشفون حبّه ويذهبون معه بعيدًا في مغامرة الحبّ الإلهيّ الذي يتجلّى في محبّة وخدمة كلّ إنسان. فيدعو الله من بينهم من يكرّسون حياتهم للخدمة في الكهنوت أو في الحياة الرّهبانيّة، أو يلتزمون بعيش الحبّ في سرّ الزّواج وبتربية عائلات تكون على مثال العائلة المقدّسة. إنّي أصلّي معك إلى ربّ الحصاد كي يرسل فعلة إلى حصاده. وأصلّي من أجلك ومن أجل عائلتك الحاضرة هنا. وأصليّ من أجل بلدتك ميفوق التي تفتخر بك وتنتظر أن يدعو الله من بين أبنائها فعلة إلى حصاده. باسمي الشّخصيّ، وباسم جميع أخوتي الكهنة الملتئمين حول هذا الهيكل المقدّس، وهذا الجمهور الحاضر، أهنّئك أيُّها الشّماس يوحنّا المزمع أن تكون كاهنًا لاختيارك النّصيب الصّالح، ببدء مسيرتك الجديدة، مسيرة القداسة والتّضحية وبذل الذّات، كما أهنّئ رفيقة دربك رانيا وأولادك شربل وإيليج، والأهل ولاسيّما والدتك العزيزة ليندا وأختك وأخوانك، ولا تنسى أبدًا أن تذكر في صلواتك وقدّاسك كلّ يوم من سبقك إلى دار الخلود عنيت والدك المرحوم جرجي الحاج بطرس، وستجد في قلب مطرانك وإخوتك الكهنة محبّة كبيرة وعاطفة الأب لابنائه واحترام الأب لأخوته. باركك الله وثبّت خطواتك في طريق القداسة والبرّ.

أيُّها الأحبّة، بالشّكر والمعايدة في عيد البار سمعان العاموديّ، شفيع هذه الرّعيّة المباركة، من كاهن الرّعيّة الغيّور الأب جورج خوري والأب باسيليوس غفري، ومن لجنة الوقف وجمعية القربان المقدّس والشّبيبة والحركات الرّسوليّة، ومن مختلف اللّجان والهيئات والأصدقاء الذين تولّوا بعفويّة وأريحيّة، الشّؤون التّنظيميّة والتّكريميّة التي سبقت ورافقت هذا الاحتفال، وجميع أبناء الرّعيّة، كما أشكر باسمكم جميعًا من كلّ القلب: جوقة القدّيس استفانوس المنشئ بقيادة الشّماس بشير الأسطا التي نقلتنا بأصوات ترنيمها إلى السّماء، وإدارة محطّة تيلي لوميار، نورسات التي، بلفتة خاصّة، تنقل النّشاطات الرّوحيّة والرّسوليّة من كلّ المناطق الجبليّة والأطراف، وتساهم في نشر البشرى إلى كلّ المؤمينين في العالم. وشكري الخاصّ لرجال الصّحافة والإعلام، المقروء والمسموع والمرئي ولكلّ ضباط وعناصر الجيش اللّبنانيّ، وقوى الأمن الدّاخليّ والشّرطة البلديّة.

اذ نخصّ بالمعايدة أيضًا جميع الذين يحتفلون بهذا العيد، والذين يحملون اسم سمعان وجميع أبناء الرّعيّة الحاضرين منهم والغائبين والمهاجرين، كما نشكركم على حضوركم ومشاركتكم إيّانا هذه الذّبيحة الإلهيّة، وعلى كلّ ما تقدّموه إلى هذا الهيكل المقدّس، مستمطرًا علينا جميعًا نعم الرّب يسوع وبركاته، بشفاعة البار سمعان، شفيع هذه الرّعيّة المباركة، والذي نُعيّد له اليوم. وكلّ عيد وأنتم جميعًا بألف خير وسلام".

وبعد تلاوة الصّلاة الخاصّة بسيامة الكهنة وانتهاء الصّلاة، قدّمت عائلة وأهل الكاهن المرتسم الثّياب الكهنوتيّة إلى ضاهر الذي ألبسها للكاهن الجديد مع ترداد كلمة "مستحقّ" لدى إلباسه كلّ قطعة مترافقًا مع ترنيم الجوقة.


وبعد القدّاس، ألقى الكاهن الجديد كلمةً، شكر فيها ضاهر وكلّ من شارك في التّحضير للاحتفال، فقال: "إنّها لفرحة كبيرة أن أقف بينكم ومعكم، في هذا اليوم المميّز، والذي طال انتظاره منذ سنوات عديدة، لأقدّم شكري إلى الله على كلّ النّعم التي خصّني بها طيلة أيّام حياتي؛ ولاسيّما في هذه الأيّام التي فيها منحني نعمة الكهنوت المقدّس، بالرّغم من عدم استحقاقي. منحني نعمة هذا السّرّ لأتّحد بسيّدي وربّي ومخلّصي يسوع المسيح أكثر فأكثر، ولأكون في كلّ مرّة أقدّم فيها الذّبيحة الإلهيّة، أنا نفسي ذبيحةً حيّةً مقدّسةً مرضية لديه. مسيرتي نحو الوصول لهذا اليوم والذي سوف لا أنساه طيلة أيّام حياتي، كانت طويلة ودرب آلامها كان أطول، وهذا ما يجعلني أُردّد مع القدّيس بولس: "أتم في جسدي ما ينقص من آلام المسيح لأجل جسده الذي هو الكنيسة، ولكن وفي الوقت نفسه أدركتُ أنّه ما من درب آلام، ولا من درب صليب، إلّا ويبلغ كماله في مجد القيامة وفرحها، وها انّي اليوم أحتفل وأفرح معكم وبينكم بهذه القيامة، التي منحني ايّاها الأب السّماويّ، بمنحي سرّ الكهنوت المقدّس. نعم! مرّت دعوتي بظروف صعبة، تقطعت المسيرة نحو الوصول إلى مخطّط الله في حياتي، ولكنّي وبالرّغم من كل ذلك لم أتردّد يومًا، في قول "هأنذا فأرسلني" ولم أتردّد يومًا في أن أكون بكلّيتي ليسوع. في هذه المسيرة الطّويلة، كان هناك الكثير ممّن وقفوا معي وبجانبي، حملوا الصّليب معي، ومنحوني الثّقة دومًا، وأشكر الجميع."