الفاتيكان
21 تموز 2025, 08:45

كيف تعزّز العطلة الصّيفيّة السّلام؟

تيلي لوميار/ نورسات
شدّد البابا لاون الرّابع عشر، خلال قدّاس الأحد الّذي ترأّسه في كاتدرائيّة ألبانو القريبة من كاستيل غادولفو، على أهمّيّة الإصغاء والخدمة، وعلى أهمّيّة العطلة الصّيفيّة للتّأمّل والصّلاة وتعزيز العلاقات مع الآخرين وإرساء أسس ثقافة السّلام.

وفي تفاصيل العظة، قال البابا بحسب "فاتيكان نيوز": "في ليتورجيا اليوم، القراءة الأولى والإنجيل يكلّماننا على الضّيافة، والخدمة، والإصغاء. ففي القراءة الأولى، زار اللهُ إبراهيمَ في هيئة "ثلاثة رجال" جاءوا إلى خيمته "عِندَ احتِدادِ النَّهار". يمكننا أن نتخيّل المشهد: شمس حارقة، وسكون الصّحراء، وحرارة شديدة، وثلاثة غرباء يبحثون عن مأوى. كان إبراهيم، جالسًا "بِبابِ الخَيمَة"، فهو ربّ البيت، ومن الجميل جدًّا أن نرى كيف قام بواجبه: عندما استشعر في الزّائرين حضور الله، قام، وركض للقائهم، وسجد إلى الأرض، وتوسّل إليهم أن يتوقّفوا... فامتلأ سكون الظّهيرة بعلامات محبّة شملت ليس فقط الشّيخ القدّيس أب الآباء، بل سارة زوجته، والخدم أيضًا. لم يعد إبراهيم جالسًا، بل صار "واقِفًا بِالقُربِ مِنهم تَحتَ الشَّجَرة"، وهناك أنبأه الله بأجمل نبأ كان يمكن أن ينتظره: "سيَكونُ لِسارةَ امرَأَتِكَ ابنٌ".

إنّ ديناميكيّة هذا اللّقاء يمكن أن تدفعنا إلى هذا التّأمّل: اختار الله طريق الضّيافة ليلتقي بسارة وإبراهيم ويُنبِئهما بعطيّة النّسل الّتي كانا يتوقان إليها وقد فقدا الأمل فيها. زارهما الله من قبل مرارًا ومنحهما نعمًا كثيرة. والآن عاد ليقرع بابهما، ويطلب منهما أن يستقبلاه وأن يثقا به. وأجاب الزّوجان المتقدّمان في السّنّ بالإيجاب، بدون أن يعرفا بعد ما سيحدث لهما. استشعرا في الزّائرين الغامضين بركة الله وحضوره. وقدّما له ما لديهما: الطّعام، والرّفقة، والخدمة، والظّلّ تحت الشّجرة. فنالا منه وعدا بحياة جديدة ونسل مبارك.

في ظروف مختلفة، يكلّمنا الإنجيل أيضًا على طريقة عمل الله. ففي هذه المرّة أيضًا، جاء يسوع ضيفًا في بيت مرتا ومريم. لم يكن غريبًا: كان في بيت أصدقاء، وكان الجوّ جوَّ عيد. استقبلته إحدى الأختَين باهتمام كبير، بينما جلست الأخرى عند قدميه تصغي إليه، كما يفعل التّلميذ مع معلّمه. وحين اشتكت الأولى، وهي تريد من أختها أن تساعدها في الأمور العمليّة، أجابها يسوع ودعاها إلى أن تقدّر قيمة الإصغاء. من الخطأ أن نرى تعارضًا بين هذين الموقفَين أو أن نقارن بين المرأتَين من حيث الاستحقاق. فالخدمة والإصغاء هما بُعدان توأمان للضّيافة.

أوّلًا، في علاقتنا مع الله. من المهمّ أن نعيش إيماننا بواقعيّة بالعمل والوفاء بواجباتنا، حسب حالة كلّ واحد ودعوته، لكن من الأهمّ أيضًا أن ننطلق من التّأمّل في كلمة الله، والانتباه إلى ما يوحي به الرّوح القدس إلينا في قلوبنا، فنخصّص لذلك أوقاتًا من الصّمت والصّلاة، ولحظات نُسكت فيها الضّجيج والمُلهِيات، ونختلي أمام حضرته، ونثبِّت وَحدة الحياة في داخلنا. وهذا بُعد أساسيّ من أبعاد الحياة المسيحيّة، نحن اليوم في حاجة ماسّة إلى استعادته، فهي قيمة شخصيّة وجماعيّة، وعلامة نبويّة لأيّامنا هذه: أن نُفسِح المجال للصّمت، والإصغاء إلى الآب الّذي يتكلّم و"يَرى في الخُفيَة". ولهذا الغرض، يمكن أن تكون أيّام الصّيف وقتًا مناسبًا لنعمة الله، نختبر فيها جمال وأهمّيّة الألفة مع الله، ومدى ما يمكن أن تساعدنا لنكون أكثر انفتاحًا بعضنا على بعض وأكثر ترحيبًا ببعضنا البعض.

إنّنا نجد في أيّام الصّيف المزيد من وقت الفراغ، سواء لنختلي ونتأمّل، أو لنلتقي بعضنا ببعض، بالتّنقّل وتبادل الزّيارات. فلنغتنم الفرصة لنتذوّق، بعد دوّامة الالتزامات والهموم، بعض لحظات من الهدوء والسّكينة، وأيضًا لنشارك فرحة اللّقاء بعضنا ببعض فنجعل من هذه اللّحظات فرصة لنهتمّ بعضنا ببعض، ونتبادل الخبرات والأفكار، ونقدّم الفهم والنّصيحة المتبادلة: فذلك يجعلنا نشعر بالمحبّة. لنفعل هذا بشجاعة وبهذه الطّريقة، من خلال التّضامن ومشاركة الإيمان والحياة، سنعزّز ثقافة السّلام، وسنساعد الّذين هم حولنا على تجاوز الانقسامات والعداوات وعلى بناء الوحدة والشّركة: بين الأشخاص، وبين الشّعوب، وبين الأديان.

إنّ الخدمة والإصغاء ليسا دائمًا سهلين: إنّهما يتطلّبان التزامًا وقدرة على التّضحية. ففي الإصغاء والخدمة، نجد الجهد في الأمانة والمحبّة الّتي بها يواصل الأب والأمّ الاهتمام بعائلتهما، كما نجد الجهد في الالتزام الّذي يبذله الأبناء، في البيت والمدرسة، لمقابلة جهود ذويهم، ونجد الجهد في محاولة فهم بعضنا بعضًا عند اختلاف الآراء، وفي المسامحة عند الوقوع في الخطأ، وفي تقديم المساعدة عند المرض، والسّند عند الحزن. وبهذه الطّريقة فقط، وبهذه الجهود، يمكن أن نبني شيئًا صالحًا في الحياة. وبهذه الطّريقة فقط تنشأ وتنمو علاقات أصيلة وقويّة بين النّاس، ومن الأرض، ومن الحياة اليوميّة، ينمو ملكوت الله، وينتشر، ويصير حاضرًا."

في الختام، ذكّر البابا المؤمنين بأنّ "إبراهيم ومرتا ومريم يذكّروننا اليوم بأنّ الإصغاء والخدمة هما موقفان متكاملان نفتح أنفسنا بهما، في حياتنا، على حضور الرّبّ يسوع المبارك. كما أنّ مثالهم يدعونا إلى أن نوفّق بين التّأمّل والعمل، وبين الرّاحة والتّعب، وبين الصّمت والنّشاط، بحكمة وتوازن، فنُبقي دائمًا محبّة يسوع ميزانًا للحكم، وكلمته نورًا لنا، ونعمته مصدر قوّة، تسندنا فوق طاقاتنا."

وفي طريق عودته إلى القصر الرّسوليّ الصّيفيّ، استوقف البابا لاون الرّابع عشر بعض الصّحفيّين ودردشوا معه لفترة وجيزة، وصرّح أمامهم أنّه "لا بدّ من الصّلاة على نيّة السّلام ومن السّعي إلى إقناع جميع الأطراف بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، والحوار وإلقاء السّلاح، لأنّ العالم لم يعد يحتمل. هناك صراعات وحروب كثيرة، لا بدّ من العمل فعلًا من أجل السّلام، ورفع الصّلاة واضعين ثقتنا بالله، مع مواصلة العمل."