كيف نشأ الشّهر المريميّ؟
"للعذراء مريم مكانة كبيرة في حياة المؤمنين المسيحيّين، ويظهر ذلك بوضوح من خلال الصّلوات الطّقسيّة والعادات والتّقاليد المختلفة المكرّسة لهذه القدّيسة، فمثلًا ما أن يحلّ الشّهر الخامس من السّنة، شهر أيّار، المسمّى "الشّهر المريميّ" حتّى نرى المسيحيّين يتهافتون إلى الكنائس للتّعبير عن حبّهم وإكرامهم وتقديرهم لوالدة المسيح وأمّ البشر مريم العذراء، الّتي تشملهم بحبّها وعطفها وحنانها، والّتي هي أحبّ شخص بعد المسيح إلى قلوب المسيحيّين.
لقد خصّصت الكنيسة الكاثوليكيّة شهرًا كاملًا لإكرام أمّنا العذراء مريم وذلك إرضاءً وتغذيةً لتقوى المسيحيّين المتزايد نحو والدتهم الحنونة. فمنذ بداية المسيحيّة إلى يومنا هذا لا يكفّ المؤمنون عن تكريمها، فأمجادها وفضائلها وقدرتها كانت على الدّوام موضوع ثقتهم والتجائهم إلى حمايتها وطلب شفاعتها والدّليل على ذلك مزاراتها المنتشرة في كلّ العالم والكنائس المشيّدة على اسمها.
وقد نشأ هذا الإكرام أوّلاً في روما بإيطاليا في إحدى مدارس الآباء اليسوعيّين، بواسطة أحد المدرّسين وهو الأب لالومبا. فقد كان هذا الشّهر عند الرّومان الوثنيّين مخصّصًا لعبادة إله الشّرّ والدّنس وفي إيطاليا كان مخصّصًا للألعاب والرّقص والملاهي بشكل يثير الشّكوك، فأخذ يجمع الأب لالومبا تلامذتهِ بعد انتهاء المدرسة ويحدّثهم عن مريم العذراء وفضائلها والاقتداء بها وبنوع خاصّ بطهارتها ثمّ حذا حذوه كثيرون في مدارس اليسوعيّين بروما، ثمّ في غيرها من المدن الإيطاليّة. وإنتقل هذا الإكرام من روما إلى فرنسا ثمّ ألمانيا وإنكلترا ومن أوروبا انتشرت في أميركا وآسيا حيث للآباء اليسوعيّين معاهد ومدارس وسرعان ما تعدّت نطاق المدارس إلى الكنائس. ولمّا ظهرت فائدتها وذاعت بين المؤمنين صادقَ عليها علنًا البابا بيوس السّابع في عام 1815، وحثّ المؤمنين على المشاركة في صلوات هذا الشّهر وكان البابا بيوس التّاسع أوّل من احتفل بالشّهر المريميّ في كنيسة القدّيس بطرس بالفاتيكان، والآن المسكونة كلّها تُصعد يوميًّا تسابيح لأمّنا مريم".
أمّا عن الصّلوات فأشار يلدو إلى أنّه "من أجمل الصّلوات بعد الصّلاة الرّبّيّة، هي صلاة "السّلام الملائكيّ" الّتي يوجّهها المسيحيّون إلى الملكة السّماويّة وقد انتشرت انتشارًا سريعًا لما تحويه من معنى وذكر لأمجاد مريم وسموّ مقامها وسلطان شفاعتها، فضلًا عن كونها صلاة قصيرة وبسيطة غير معقّدة.
دعيت صلاة "السّلام عليكِ يا مريم"، بهذا الاسم لأنّها تبتدئ بالعبارة الّتي سلّم بها الملاك على العذراء مريم عندما بشّرها بأنّ الله اختارها أمًّا لمخلّص البشر "يسوع المسيح".
إنّها صلاة بفم الملاك جبرائيل والقدّيسة إليصابات والكنيسة الجامعة.
وهناك أيضًا صلاة مسبحة الورديّة الّتي أخذت مكانة كبيرة في حياة المؤمنين، فنرى أغلبيّة النّاس لا تفارق جيوبهم هذه المسبحة، فقد قال عنها البابا يوحنّا بولس الثّاني: "إنّها صلاتي المفضّلة، إنّها صلاة رائعة في بساطتها وعمقها، إنّها تعرض لنا أهمّ وقائع حياة المسيح الّتي إذ جمعت في أسرار ثلاثة تربطنا بالمسيح من خلال قلب أمّه إذ صحّ القول، ويسعنا في الوقت نفسه أن نضمّ إلى أسرار الورديّة كلّ ما يحدث لنا شخصيًّا وعائليًّا وكنائسيًّا وإنسانيًّا… وهكذا تجري صلاة الورديّة منتظمة مع الحياة البشريّة.
بالختام، نطلب من أمّنا العذراء أن تنظر إلينا بعين العطف والرّحمة وتتحنّن علينا لنخلص من هذا الوباء الفتّاك "كورونا"، ونتحرّر من الخوف والاضطراب والقلق، آمين".