الفاتيكان
07 حزيران 2021, 09:30

لهذا السّبب الإفخارستيّا تشفي!

تيلي لوميار/ نورسات
أطلّ البابا فرنسيس ظهر الأحد على المؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس، تاليًا معهم في عيد جسد المسيح ودمه صلاة التّبشير الملائكيّ، ملقيًا على مسامعهم قبيل الصّلاة كلمة روحيّة محورها الإفخارستيّا، مؤكّدًا لهم أنّها تشفي "لأنّها توحّدنا بيسوع"، فقال بحسب "فاتيكان نيوز":

"يُحتفل اليوم في إيطاليا وفي بلدان أخرى، بعيد جسد المسيح ودمه. يقدّم لنا الإنجيل رواية العشاء الأخير. إنَّ كلمات الرّبّ وتصرّفاته تلمس قلوبنا: يأخذ الخبز في يديه، ويلفظ البركة، ويكسره ويناوله للتّلاميذ قائلاً: "خُذوا، هذا هُوَ جَسَدي".

هكذا، وبكلّ بساطة، أعطانا يسوع أعظم سرّ. إنَّ لفتته هي لفتة متواضعة للعطاء والمشاركة. ففي ذروة حياته، لم يوزّع الخبز بوفرة لكي يُطعم الجموع، بل كسر نفسه في العشاء الفصحيّ مع التّلاميذ. بهذه الطّريقة يُظهر لنا يسوع أنّ هدف الحياة يكمن في بذل الذّات، وأنّ أعظم شيء هو الخدمة. واليوم نجد عظمة الله في قطعة خبز، في هشاشة تفيض بالحبّ والمشاركة. إنَّ الهشاشة هي الكلمة الّتي أرغب في أسلِّط الضّوء عليها. يصبح يسوع هشًّا مثل الخبز الّذي ينكسر ويتفتّت. ولكن هذا هو المكان الّذي تكمن فيه قوّته. في الإفخارستيّا تُصبح الهشاشة قوّة: قوّة الحبّ الّذي يجعل نفسه صغيرًا لكي نقبله ولا نخاف منه. قوّة الحبّ الّذي يكسر نفسه وينقسم لكي يغذّي ويعطي الحياة؛ قوّة الحبّ الّذي يتجزّأ لكي يجمعنا في الوحدة.

هناك قوّة أخرى تبرز في هشاشة الإفخارستيّا: قوّة محبّة الّذين يرتكبون الأخطاء. ففي اللّيلة أُسلِمَ فيها أعطانا يسوع خبز الحياة. أعطانا العطيّة الأعظم فيما كان يختبر في قلبه الهوّة الأعمق: التّلميذ الّذي يأكل معه، ويغمس اللّقمة في الطّبق عينه، يخونه. والخيانة هي الألم الأعظم لمن يحبّ. وماذا فعل يسوع؟ ردَّ على الشّرّ بخير أعظم، وأجاب على "لا" يهوذا بـ"نعم" الرّحمة. لم يعاقب الخاطئ، بل بذل حياته من أجله. عندما ننال الإفخارستيّا، يفعل يسوع الشّيء نفسه معنا: هو يعرفنا، ويعلم أنّنا خطأة ونرتكب الكثير من الأخطاء، لكنّه لا يكفُّ عن توحيد حياته بحياتنا. إنّه يعلم أنّنا بحاجة إليها، لأنّ الإفخارستيّا ليست مكافأة للقدّيسين، بل هي خبز الخطأة. ولهذا يحثّنا قائلاً: "خذوا وكلوا".

في كلّ مرّة ننال فيها خبز الحياة، يأتي يسوع ليعطي معنى جديدًا لضعفنا. ويذكّرنا أنّنا في عينيه أثمن ممّا نعتقد. ويقول لنا إنّه يسعد إن شاركناه ضعفنا. ويكرّر لنا أنّ رحمته لا تخاف من بؤسنا. ولاسيّما، يشفينا بحبٍّ من تلك النّواقص الّتي لا يمكننا وحدنا أن نُشفى منها: الشّعور بالاستياء تجاه الّذين آذونا؛ الابتعاد عن الآخرين والانطواء على ذواتنا، والبكاء على أنفسنا والتّذمّر دون أن نجد السّلام. الإفخارستيّا هي دواء فعّال ضدّ هذه الانغلاقات. في الواقع، إنَّ خبز الحياة يشفي القساوة ويحوّلها إلى طاعة. إنّ الإفخارستيا تشفي لأنّها توحِّدنا بيسوع: هي تجعلنا نقبل أسلوب حياته، وقدرته على كسر ذواتنا وتقديمها لإخوتنا، وعلى الرّدّ على الشّرّ بالخير. هي تمنحنا الشّجاعة لكي نخرج من ذواتنا وننحني بمحبّة على ضعف الآخرين. كما يفعل الله معنا. هذا هو منطق الإفخارستيّا: ننال يسوع الّذي يحبّنا ويشفي ضعفنا لكي نحبّ الآخرين ونساعدهم في ضعفهم.

لتساعدنا العذراء القدّيسة، الّتي صار الله فيها جسدًا، لكي نقبل عطيّة الإفخارستيّا بقلب ممتنّ، ونجعل من حياتنا عطيّة أيضًا".  

وبعد تلاوة صلاة التّبشير الملائكيّ، عبّر البابا فرنسيس عن قربه من الشّعب الكنديّ ودعا للانضمام إلى مبادرة العمل الكاثوليكيّ الدّوليّ "دقيقة من أجل السّلام"، وقال: "أتابع بألم الأخبار الّتي تصل من كندا حول الاكتشاف الصّادم لبقايا مائتين وخمسة عشر طفلاً، من تلاميذ مدرسة  "Kamloops Indian Residential School"، في مقاطعة كولومبيا البريطانيّة. أتّحد مع الأساقفة الكنديّين والكنيسة الكاثوليكيّة بأسرها في كندا للتّعبير عن قربي من الشّعب الكنديّ، الّذي أصيب بصدمة كبيرة. يزيد هذا الاكتشاف المحزن الإدراك لآلام الماضي ومعاناته. لتواصل السّلطات السّياسيّة والدّينيّة في كندا التّعاون بحزم من أجل تسليط الضّوء على القصّة المحزنة والالتزام بتواضع في مسيرة مصالحة وشفاء. تمثّل هذه اللّحظات الصّعبة دعوة قويّة للجميع من أجل الابتعاد عن النّموذج الاستعماريّ والسّير جنبًا إلى جنب، في الحوار والاحترام المتبادل والاعتراف بالحقوق والقيم الثّقافيّة لجميع بنات وأبناء كندا. نوكل إلى الرّبّ أرواح جميع الأطفال المتوفّين في المدارس الدّاخليّة في كندا ونصلّي من أجل عائلات وجماعات السّكّان الأصليّين الكنديّين المتألّمين.

أرغب في أن أؤكّد صلاتي من أجل ضحايا المذبحة الّتي وقعت بين ليلة الجمعة والسّبت في بلدة صغيرة في بوركينا فاسو. أنا قريب من العائلات ومن شعب بوركينا فاسو بأكمله الّذي يعاني بشدّة من هذه الهجمات المتكرّرة. إنَّ أفريقيا تحتاج للسّلام وليس للعنف.

اليوم في كيافينا، في أبرشيّة كومو، سيتمّ تطويب الأخت ماريا لورا ماينيتي، من بنات الصّليب، قتلت لإحدى وعشرين سنة خلت على يد ثلاث فتيات متأثّرات بطائفة شيطانيّة. هي الّتي أحبّت الشّباب أكثر من أيّ شيء آخر، وأحبَّت وسامحت تلك الفتيات اللّواتي كنّ أسيرات الشّرّ. تترك لنا الأخت ماريا لورا برنامج حياتها: "أن نفعل جميع الأمور الصّغيرة بإيمان وحبّ وحماس".