ما هي الهديّة الّتي قدّمها شبيبة لبنان للبابا؟
وبحسب التّفسير الّذي نشره مكتب راعويّة الشّبيبة عبر حسابه على فيسبوك، وتحت عنوان "طوبى لفاعلي السّلام فإنّهم أبناء الله يُدعون" (متّى 5: 9)، فإنّ الأيقونة تجسّد ما يلي: "في هذا العالم المجروح من الصّراعات والحروب، يجلس السّيّد على العرش، ليدين المسكونة بالعدل ويقضي للشّعوب بالاستقامة" (مز 9: 9). فمهما علا صوت الشّرّ تبقى الكلمة الأخيرة للسّيّد. ومهما طغا الظّلم على المستضعفين، "يبقى الرّبّ هو صخرتهم وخلاصهم" (مز 62).
والله يقود العالم بكلمته، وهو "الكلمة المتجسّدة، الّتي كانت منذ البدء (يو 1: 1) وهي ثابتة إلى الأبد: "لا يكون لملكه انقضاء" (لو 1: 33). لذلك، يُمسك السّيّد الكتاب المقدّس بيده اليُسرى مفتوحًا ليقرأه كلّ من يراه. ومكتوب على الصّفحة عنوان هذه الأيقونة، تلك التّطويبة العظيمة: "طوبى لفاعلي السّلام فإنّهم أبناء الله يُدعون" (متّى 5: 9). وكأنّ السّلام هو معموديّة تجعلنا بحقّ أبناء الله. هذا ما أرساه المخلّص في كلامه مع تلاميذه ليلة آلامه، قائلًا لهم: "السّلام أستودعكم وسلامي أعطيكم، لا أعطي أنا كما يعطي العالم" (يو 14: 27). ويبارك السّيّد بيده اليمنى. فالسّلام الحقيقيّ ليس مجرّد عمل أرضيّ، بل هو ثمرة البركة الإلهيّة، وهو نعمة يُسبغها السّيّد على قلوب أحبّائه.
من الكتاب المحمول تخرج أنهار أربعة: هي الأناجيل الأربعة. وهي تذكّرنا أيضًا بالأنهار الأربعة الّتي تحيط بجنّة عدن (تك 2 10-11)، حيث عاش أبونا آدم، قبل الخطيئة، بسلام كامل. والإنجيل، من خلال كلمة الله الموجودة فيه، هو الّذي يحمل لنا عدن الجديدة ويقودنا إلى السّلام الحقيقيّ الّذي يأتي من الله وحده.
من هذا المعين الربّاعيّ يستقي شباب وشابّات، سبعة، يقفون هنا تجسيدًا "للأيائل العطشى إلى مجاري المياه" (مز 41). إلّا أنّهم يستقون المياه الحيّة بواسطة آنيّة يحملونها. فهم لا يستقون لأنفسهم فقط.
تحمله. هم سبعة، بعدد الكنائس الشّرقيّة الكاثوليكيّة الموجودة في لبنان: الكنيسة المارونيّة، الملكيّة البيزنطيّة، السّريانيّة، الأرمنيّة، الكلدانيّة، اللّاتينيّة والقبطيّة. كلّهم يتعاونون في هذه المهمّة، إذ يشكّلون وحدة الكنيسة في إيمانها ورسالتها، مع جمال تنوّعها اللّيتورجيّ وغنى تقاليدها المختلفة. وهذه الرّسالة السّامية، رسالة السّلام في العالم، تسلّمها الكنيسة بشكل خاصّ إلى الشّبيبة الملتزمة في هذه الكنائس.
هم يسكبون "السّلام الإلهيّ" على عالمنا المشتعل نراه مجسّدًا بالكرة الأرضيّة في وسط اللّهيب. ونرى خريطة لبنان تتوسّط المشهد وتخرج من الكرة الأرضيّة، وتتوسّطها الأرزة تلك الشّجرة البيبليّة، تذكّرنا بأنّ هذه الأرض زارها الرّبّ يسوع كما مرّ بها العديد من آباء وأنبياء العهد القديم، يبشّرونه بالسّلام الآتي من الله. فهذا البلد، أعلنه البابا القدّيس يوحنّا بولس الثّاني، قائلًا "لبنان أكثر من بلد، إنّه رسالة" (رجاء جديد للبنان 1) وزيارة قداسة الحبر الأعظم، لاون الرّابع عشر، إلى لبنان في زيارته الرّاعوية الأولى، يجدّد تكريس دور لبنان في حمل شعلة السّلام إنّ في شرقنا المجروح، وأيضًا في كلّ العالم الّذي انتشر فيه أبناء لبنان، يعملون فيه ويتبوّؤون مراكز جدّ مرموقة. وهو يسلّم هذه الرّسالة العظيمة إلى الشّبيبة المتحلّقة حوله في لقائه بهم في الأوّل من شهر كانون الأوّل سنة 2025.
نمط هذه الأيقونة هو "الشّفاعة"، إذ يقف إلى جانبي الرّبّ أمّه مريم ويوحنّا المعمدان، يشفعان لكلا الشّعبين شعب العهد القديم، المتمثّل بيوحنّا المعمدان، الّذي هو خاتمة أنبياء العهد القديم وهو الّذي أعلن قدوم المسيح، صارخًا: "هوذا حمل الله الّذي يرفع خطيئة العالم" (يو 1: 29). وشعب العهد الجديد، يتمثّل بمريم، أمّ الله الّتي فتحت العهد الجديد بكلمة "نعم" الّتي قالتها للملك في لحظة البشارة (لو 1: 38).
ونرى السّيّدة العذراء مكتوبة على أنّها، "سيّدة لبنان"، الّتي بات مزارها في حريصا رمزًا لكلّ مسيحيّي لبنان. كما هو مزار أساسيّ، يؤمّه كلّ الحجّاج الآتون من مختلف البلدان. أمّا يوحنّا المعمدان، وهو ابن أرضنا الشّرقيّة، فنراه مرتديًا ثوبه المصنوع من وبر الإبل (متّى :3: 4). إلّا أنّ هذا الثّوب مخيّط في الأيقونة كأنّه عباءة شرقيّة الّتي يلبسها أهلنا في الجبال وفي البقاع. كما هي اللّباس التّقليديّ لمواطني مختلف بلدان الشّرق الأوسط. نريد من هذه الرّمزيّة أن نضع كنيسة لبنان كما كنائس بلدان الشّرق الأوسط والمسيحيّين القاطنين في بلدان الخليج العربيّ بين يدي السّيّد له المجد.
وتحيط بأيقونتنا، في الزّوايا العليا، الشّمس والقمر يرمزان إلى أنّ السّيّد المسيح يحفظ عالمنا ليل نهار، كما يحفظ السّلام فيه، "سلامنا الدّاخليّ"، دون أيّ توقّف. فالعالم، وإن كان محترقًا بكلّ أنواع الحروب، إلّا أنّ الكلمة الأخيرة ليست "لسيّد هذا العالم"، بل للسّيّد الضّابط الكلّ، الجالس على عرش مجده، الّذي "لا ينعس لا ينام" (مز 120 : 3-4)، بل يعمل لخلاصنا وسلامنا ليل نهار."
