لبنان
12 شباط 2017, 15:00

مطر في احتفال الحكمة جديدة المتن: نصلي حتى ندرك قيمة لبنان ومعنى نضاله في سبيل إخوته

احتفلت مدرسة الحكمة مار مارون في جديدة المتن، بعيد شفيعها بدعوة من رئيسها الخوري أنطونيو واكيم، وبرعاية رئيس أساقفة بيروت للموارنة ولي الحكمة المطران بولس مطر،الذي ترأس الصلاة على نية المدرسة وأهلها ومعلميها وتلامذتها والقدامى وكشافتها ورياضييها، يحيط به رئيس المدرسة ولفيف من الكهنة، وبمشاركة النواب: إبراهيم كنعان، غسان مخيبر ونبيل نقولا، قائمقام المتن مارلين حداد، ورئيسي بلديتي الجديدة وعين سعادة أنطوان جبارة وأنطوان بو عون، رؤساء مدارس الحكمة وجامعتها، افراد الهيئتين التعليمية والإدارية وطلاب المدرسة وأهلهم والقدامى. وكانت مناسبة وزع فيها، كتاب يوبيل المدرسة الذهبي.

وقبيل القداس، ألقى واكيم كلمة شكر فيها المطران مطر على رعايته احتفالات الحكمة مار مارون في عيد شفيعها ودعمه الدائم لها، وقال: "مارون الذي عاش في العراء، نفح أبناءه بروح الحرية، ففطروا عليها، وغدت خبزهم اليومي، من صلابة الصخور عزيمتهم، ومن لا محدودية السماء أملهم، اعتصموا في جباله كما مارون في صومعته، قدسوا الأودية ونشروا أريج الإيمان بخورا أينما حلوا، وإن ضاقت بطموحاتهم، بنوا أنى شاؤوا لبنان، وهذا ما دفع أحد رجال الدين الأميركيين للقول: "إننا نشكر موارنة لبنان، فهم أينما حلوا رفعوا الكنائس، ونحن مدينون لهم بذلك". فالموارنة جعلوا من لبنان موئلا وملاذا لكل مظلوم، آمنوا بمستقبل لا تصنعه الظروف أو لعبة الأمم، بل هو فعل إيمان وإرادة لا يعرفان الإستسلام. واليوم، تجلى هذا الإيمان بإرادة شعب حقق أمنيته، فاعتلى سدة قيادة الوطن، رئيس استثنائي، كبير كما الآمال".

أضاف: "وبعد، فالمشوار طويل، والأجيال على موعد مع المبادئ والقيم، "فالتربية بلا قيم - على ما قاله C.S. Lewis أحد اللاهوتيين والأدباء الإنكليز - مهما كانت مفيدة، إنما كمن يجعل الإنسان شيطانا أكثر ذكاء".
من هذا المنطلق، ننمي محبة الله والشهادة للانجيل "من خلال نقل الإيمان بالأعمال والأقوال والأفعال" كما جاء في رسالة غبطة أبينا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي لمناسبة إعلان سنة الشهادة والشهداء. كما نربي على المواطنية والشفافية، ونشجع على التشبث بالأرض والذود عنها".

وأردف: "وما التألق والتفوق الذي يحققه تلامذة الحكمة، على كافة الأصعدة، الأكاديمية والرياضية والروحية، إلا خير دليل على خط صحيح انتهجناه، فآمنوا به والتزموه.
إيماننا بفرادة كل إنسان، مفهوم يرتكز عليه نهجنا التربوي.
فلكل تلميذ شخصيته، ولكل مواهبه وطاقاته، وهبه إياها الخالق، والحكمة تحترم كل ذلك وتعمل على صقله وتطويره.
وتبقى القيم، والإيمان بالعائلة خير ميزة يحملها الحكموي، ويشهد لها أينما حل".

وختم: "نشكر حضوركم الكريم يا صاحب السيادة، راعي أبرشيتنا الحبيبة وولي الحكمة، سائلين الله لكم أن يمدكم بعمر مديد عامر، وداعين لكم بدوام الصحة والعطاء.
كما نشكر صحبكم الكرام من كل المقامات مع هذا الجمهور الحبيب من أولياء تلامذتنا وأصدقاء مدرستنا".

مطر

وبعد الإنجيل المقدس، ألقى المطران مطر عظة، هنأ فيها الخوري أنطونيو واكيم وفريق عمله على قيادة سفينة مدرسة الحكمة جديدة المتن إلى بر الأمان، وقال: "في التضحية تبنى العائلات والأوطان، ومن دون هذه التضحية لا تقدم ولا تطور. يسوع بالذات نزل إلى القبر، وقام منتصرا على الشر والموت، فكانت الكنيسة وكان خلاص العالم وتغيير وجه الأرض.
مار مارون وقبله مار أنطونيوس اختار النسك، لا لأنه لا يحب الحياة، بل لتكون الحياة أوفر للعالم كله بفضل تضحياته. تنسك وصلى من أجل الذين لا يصلون. تقشف وذاق المرارة والموت لتكون للعالم الحياة، وعندما دفن مار مارون كرم تكريما عظيما. ومنذ حياته الملأى بالخير والعطاء تعلق به الناس ورأوا فيه وليا عظيما وإنسانا يعكس وجه المسيح ومحبته وقدرته على شفاء النفوس والأجساد في كل المنطقة من حوله. في سوريا الشمالية تحلقت وحملت مع الأيام اسمه وصار اسمهم موارنة وبيت مارون. هؤلاء قدر الله لهم، أن يصيروا شعبا متمسكا بتراث الآباء والأجداد محبا لله وللصلاة للقريب والغريب. أبناء مارون ومعهم كهنة وأساقفة، كانوا قد أخذوا موقفا، يحافظ على الإيمان، إيمان بطرس والرسل بالمسيح كما كان يعلم بابا روما. تمسكوا بالإيمان، عندما أنقسمت الكنيسة من حولهم، ونأسف لهذا الإنقسام الذي كان مبنيا على كلام وتفسير خاطىء. اليوم نكتشف بعد 1400 سنة، أن هذا الإنقسام لم يكن له لزوم، وأخذ الموارنة بجرأة قرارا بأن يكون لهم بطريرك. فصارت الكنيسة الجديدة المستمرة تابعة للبطريرك التابع لروما، وانتقلوا من سوريا الشمالية إلى لبنان وانضم إليهم العديد من اللبنانيين، المسيحيين والوثنيين من الذين كانوا يعيشون في هذه البلاد، إلى أن صارت هذه الكنيسة كبيرة وقوية بمحبة الله ومحبة الآخرين". 

أضاف: "عاشت في هذه الجبال، حيث لم يعش أحد مثلها وقبلها، هي أيضا بالتنسك والزهد ولكن برفعة الرأس ونشدان الحرية، حرية الدين والعبادة وحرية الإنسان بكل أبعادها. ومع هذه الحرية والإنسانية مدوا أيديهم إلى إخوانهم في لبنان بكل طوائفه، من مسلمين ومسيحيين، واتفقوا في ما بينهم أن يعيشوا كل باحترام للآخر، لا أحد يسأل الآخر عن دينه ولا عن عبادته، وكلهم إخوة متضامنون، إخترعوا في هذا الشرق فكرة المواطنة في كيان يجمع كل المواطنين. وهكذا مع الوقت تبلورت فكرة لبنان التي نتمسك بها اليوم، إرثا ثمينا من آبائنا وأجدادنا. ويبقى على الشرق أن يحذو حذو لبنان وينفتح على الحرية الدينية الكاملة وأن يواطن الواحد الآخر، من أية طائفة كان ويعيشوا بسلام ويضمنوا الحق للجميع".

واردف مطر: "الاختبار اللبناني صار مثلا ومثالا لما يجب أن يكون عليه اختبارات الشعوب العربية كلها. فنشكر الله على ما قام به آباؤنا وأجدادنا وقلنا، علينا نحن أيضا أن نحصن بلادنا، ليصبح هذا المثل فعالا أكثر، وهذه هي مسؤوليتنا الكبيرة، مسؤولية الجيل الحاضر، كما الأجيال الماضية وكما جيل المستقبل الآتي.
لذلك في مدرسة الحكمة مار مارون في الجديدة الحبيبة وفي كل مدارسنا، إن احتفلنا بعيد القديس مارون، فهو لم يعد عيدا لطائفته، ومار مارون كان قبل الطائفة المارونية ولم يعرف عن هذه الطائفة إلا في السماء، وهو يصلي لها. مار مارون هو قديس الكنيسة كلها، وكل المسيحيين يعيدون لمار مارون، لأنه كان موجودا ما قبل الإنقسامات، صلاته للجميع".

وقال: "أذكر بفخر ومحبة سلفنا الصالح، المطران إغناطيوس زيادة، رحمنا الله بدعاه. كان يقول نحن الموارنة أو المسيحيين، لا نريد في لبنان شيئا خاصا لنا وحدنا، ما نريده نريده لكل الناس. كرسي الرئاسة لسنا وحدنا من يطالب به، بل كل اللبنانيين يطالبون به، لتكون الحضارة عندنا مشاركة بين الأديان كلها ويكون رئيس ماروني، لا لكي يكون مارونيا، بل ليكون في خدمة كل لبنان وكل الشرق. هذا مطلب لبناني وليس مطلبا فئويا".

وتابع: "نحن نصلي اليوم، حتى ندرك قيمة لبنان وندرك معنى هذا الوطن ومعنى نضاله في سبيل إخوته في المنطقة كلها والعالم. ونختصر كنيستنا بكلمتين: محبة الله فوق كل شيء وإيمان ثابت بالرب ومحبة للعذراء مريم شفيعتنا أينما كنا، وأياد بيضاء مفتوحة لجميع الناس، لنعيش كعائلة واحدة. أليست هذه روح الحكمة، أيها الحكمويون منذ إنطلاقها منذ 142 سنة أليست هذه روح الكنيسة التي تنتمون إليها؟ أليست هذه روح المسيح الذي مات عن كل إنسان من دون إستثناء أحد؟ حتى الملحدين المسيح مات عنهم، ليكون كل أبناء الله واحدا بالمسيح يسوع. هذا مشروع الرب، أن يجمع الناس كلهم إلى واحد، ليكونوا أبناء لأب واحد، وهو الذي في السماء. لذلك موقفنا اليوم موقف صلاة أولا، توبة في ذاتنا لنكون طائعين للرب، وموقف صلاة للذين يقودون المسيرة من روحيين ومدنيين، حتى يلهمهم الله إلى كل عمل صالح".

وختم مطر: "نحن نصلي على نية رؤسائنا الزمنيين، كل يوم في القداس. نصلي على نية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، رمز الوطن بكل ما عنده من تضحيات في سبيل لبنان والإنفتاح على الجميع ليكون لبنان وطنا كبيرا، وطن الإنسان والمحبة لجميع الناس.
نصلي من أجل جميع العاملين، حتى نوفق في مسيرتنا ويكون لبنان سليما، نعطيه لأبنائنا من بعدنا، يفرحون به ويحملون رسالته إلى العالم كله. مبارك هذا العيد، عليكم أيها الأحباء، في مدرسة الحكمة مار مارون في جديدة المتن، وفي كل حكماتنا ومدارسنا وجامعاتنا الوطنية في كل أرجاء لبنان. مبارك هذا العيد الذي نذكر فيه حبة القمح التي ماتت وأتت بثمر كثير. ونحن وأنتم حبات قمح، يعطيها الله أن تثمر بنعمته تعالى. فلنعط ثمارا يطلبها الله منا وهو يؤيدنا بنعمته على الدوام. فليكن هذا العيد مباركا علينا وعليكم وشفاعة مار مارون ترافقنا في كل مسيرتنا في الصعاب، كما في السهولة والرب يحفظكم من الآن وإلى الأبد، بشفاعة مار مارون وجميع القديسين".